الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
كتب الأستاذ إبراهيم عاصي في كتابه (همسة في أذن حواء) في السبعينات من القرن الماضي مقالا لم أجد أنسب منه لحالنا المؤسف هذه الأيام؛ فقد ابتلينا بمن يخشى أن تصيبه دائرة فاستهتر بالأمانة التي أبى إلا أن يتصدر لها ولم يرعها حق رعايتها، فلم يقم بتحصين المجتمع من تبرج النساء كما أمر القرآن الكريم بل شجع التبرج والاختلاط والغناء والرقص، فانتشرت المتبرجات وكثرت ما سماه أحد الكتاب في كتابه (ماذا عن المرأة) بزوجة الشارع، التي تقف الساعة والساعتين أمام المرآة لا لتعف رجلها الواحد ولكن لتقتل عفة جميع الرجال، وبرزن بأساليب إبليسية خدعت الشباب حتى بعض من يغض البصر منهم، وصرنا نسمع منهم بعض الكلمات التي تكشف ذلك.
وأين؟؟؟ في البقعة من بلاد الشام التي بذلت الدماء الزكية أنهارا ليسود فيها تعظيم أوامر الله وتطبيق شرعه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فلم أر بدا من أن أنقل هذه المقالة التي تحذر الشباب من واقع، هو واقعنا الآن للأسف مع بعض الفروقات الخفيفة، لكن في النهاية النتيجة واحدة، كما قال المثل: (العصا من العصبة وهل تلد الحية إلا حية).
واليكم المقال نقلته كما هو: [
احذروا هذا الزواج
بعض الشباب متناقض مع نفسه، متناقص مع فكرته، إذ ليس من النادر أبدا أن تكون لأحدهم زوجة متبرجة، أو بنت غير محتشمة، وما أكثر ما تردد في ذهني هذا السؤال: ما سبب هذا التناقض العجيب الغريب يا ترى؟ ومن أين ينبع؟ وأين ينتهي ويصب؟
إن السبب في رأينا يرتد إلى عدة مسببات؛ ولعل من أهمها ما نوهت إليه الآنسة (ف.ز) في رسالتها إلى “اللواء” الغراء والتي أجابها عليها في حينه الأستاذ الزرقا، الذي أخذ بوجهة نظرها مؤيدا إياها في حملتها على نظرية الإصلاح في الزواج، التي يتورط بها بعض الداعين إلى الله. هذه النظرية كم آذت وكم أفسدت؟
إن الآخذ بها يسمح لنفسه بأن يتزوج من مستهترة غير ملتزمة؛ بحجة أن الفتاة الصالحة هي فتاة حسن إسلامها ومعشرها وملبسها، ولم تعد بحاجة لغير ذلك، أما الفتاة المستهترة فإنها بحاجة لمن يصلحها، وبحاجة لمن يضحي من أجلها؛ إشفاقا منه من أن يصير جسمها الطري اللدن حصبا في جهنم..
ثم لا تسل بعد ذلك عن سبب تلك الصيحات المنبعثة من العش الزوجي “الهانئ”، فإنها “صيحات الإنقاذ والإصلاح”.
إن المشكلة أيها الشاب المسلم تتعدى كونها إصلاحا، إنها باطل ألبس حقا، بل إنها كما ذكر الأستاذ الزرقا في جوابه -(أحبولة من أحابيل إبليس) يربط بها على عنق وقلب عدد من الشباب المسلم، فيعميه ويصمه، ثم يورده موارد التهلكة.
نعم يا أخي إن المشكلة ليست مشكلة إصلاح..
إنها مشكلة الانجراف مع تيار الشيطان وتيار الهوى، وإنها مشكلة الاستخذاء على أعتاب المغريات، والجثو في حضرة الشهوات، والركوع بين يدي الفتنة الزائفة والجمال الكذاب.
ويقينا لو علمت يا أخي أن تلك “الغادة الهيفاء” التي لا يخلو أن يسارع خطوها في خفقات قلبك الغفل النقي، والتي لا يخلو أن تلفت بعض نظرك الكسير عن الحرام والمنكر.. لو علمت أن تلك “الغادة” ليست هي في بهائها ورونقها العابر إلا نتاج الوقوف ساعات وساعات على المرآة.. لما خفق لها بعض قلبك، ولما امتد إليها بعض طرفك، ولما فكرت ثم قدرت ثم أقدمت على الزواج منها بداعي “الإصلاح”!
فيا أيها الشاب المسلم يا أخي، يا من يمكن له أن يقع -لطيب قلبه- في أول شرَك.
ويا من ينتظر له -لقلة خبرته بالمرأة- أن يقع فريسة باردة بين الأنياب البيضاء المجلوة “بالكولينوس” وبين المخالب” المهذبة” المصبوغة بالأحمر، أعني أنياب ومخالب صاحبة أول جديلة رقطاء شقراء يصادفها في طريقه..
تمهل، تبصر، وخذها مني حقيقة ناصعة صريحة، ودعني أسائلك:
ما حقيقة هذا الجمال،
جمال الشارع؟
هل كثافة الشعر إلا نفش ونفخ؟
وهل ألوانه الزاهية إلا أصبغة خاصة، تباع في كل صيدلية؟ بل عند كل عطار؟!
ثم هل القامة البارعة إلا كعب طويل؟
وهل القد الممشوق سوى “مشدات وأحزمة”؟
وهل نضارة الوجه سوى طلاءات من تصدير “ماكس فاكتر”؟
ثم هل العيون “البقرية” سوى ذيول الكحل الأسود والأزرق؟
وهل السهام المسددة سوى (الريميل) المتكاثف على الأهداب؟
ثم هل الهضاب الصدرية غير خرق وإسفنج أو كوتشوك؟
فما أسرع ما يتبدد هذا الجمال الخادع، حالما تزول الأصبغة ويخلع الكعب، وتفك الأحزمة، وتتلاشى الطلاءات، ويذوب الكحل، وينزع الإسفنج!.
وما أسرع ما ترتد الغادة إلى حقيقتها عندما يحصل كل هذا بعد عودتها إلى البيت.
فتعسا تعسا لمن فتنه جمال الشارع الزائف ونأى به عن الطريق!!
ألا ما أفدحه من ثمن ذاك الذي يدفعه الشاب المسلم عندما ينجرف مع التيار، ويؤخذ بالبهرج، وينقاد للهوى، ويطأطئ لإغراء شياطين الإنس!
إنه ثمن بخس مضاعف يدفعه أولا من دينه وآخرته؛ وذلك بعد أن يصطدم بالواقع المرير بعد الزواج بأيام، إذ تتبدد الأحلام، وتنحسر الأقنعة، وتنعدم (الكلفة)، فإذا بالحَمَل ثعلب! وبالغادة عنزة! وبالفرس الأصيلة الضامرة دابة شموس جموح، لا تمسك من عنان ولا يؤمن لها جانب! مستبدة برأيها، معتدة بسلوكها، مصرة على سابق خطتها، لا يؤثر فيها نصح ولا ينفع معها أي (إصلاح)..
فلا يسع الرجل مع الأيام، ومع العناد، ثم مع الدموع المدرارة التي تسكبها سيولا -لأقل ملاحظة توجه إليها أو لوم- ثم مع الأولاد فيما بعد..، لا يسع الرجل إلا أن يستسلم وأن يركع وأن يجثو عند إرادتها وعند أهوائها، فهي تلبس ما تريد وتخلع ما تريد! تتبرج كما يحلو لها وتزور عندما تشاء، وتفصل لبناتها الثياب على أحدث الأزياء الفاضحة المستوردة..، وهو شاخص العينين، معقود اليدين، لا حول له ولا طول، وهيهات أن يستطيع التصرف بشيء، فقديما قالوا: “من شب على شيء شاب عليه”.
ثم هو يدفع الثمن غاليا من عقيدته ودعوته، عندما يفرط هو وأمثاله في حق الكثيرات من الفتيات المسلمات، اللواتي اتسمن بالحشمة، وارتدين الفضيلة، واتزرن بالعفة، وحفظن أن الزينة لا تظهر إلا لبعولتهن.. فيقضي على آمالهن بما آثر على المتكشفات عليهن. وهنا تكون الطامة الكبرى! إذ سرعان ما تتسرب الواحدة تلو الأخرى مرغمة مقسورة من صف المحتشمات الفاضلات الملتزمات، الى صف الأخريات المستهترات، بحثا عن الحياة وبحثا عن السكن الذي هو علة خلقهن: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا..) بعد أن عدمن هذا السكن في شخص الشاب الماجن، لأنهن ساترات مؤمنات، وفي شخص الشاب المؤمن، لأنهن مؤمنات صالحات!.
وإذن فليس أمامكم يا شباب الإسلام إلا أن تبحثوا عن الزوجة الصالحة في البيت الصالح، وعن الفتاة المسلمة في البيت المسلم.
وعن الجمال الحق (جمال الخلق والخلق) في الخدر المكنون، لا في المفارق والمجالس العامة والمنعطفات..
ابحثوا عن البنت المسلمة، واطلبوا الشابة المؤمنة؛ فهي الضمانة للجيل والنشأ، والضمانة لعقيدة الأخ المسلم من أن تتآكل وتتلاشى، والضمانة لشخصيته أن لا تتناقض وتزدوج، وأن لا تقع تحت قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [سورة الصف: الآيتان 2 – 3].
وعليكم بذات الدين، اظفروا بها، تربت أيديكم، وثقوا بأن (كل الصيد في جوف الفرا)] انتهى كلام الكاتب.
لكن أقول بفؤاد جريح: وهل المدارس في وضعها الحالي وأهدافها التي أنشئت من أجلها إلا خنجر يحارب العفاف والدين، ومع ذلك فلا يأس فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون.
أسأل الله أن يحفظنا من فتن هذا الزمان، والله المستعان.