قتيل قتال البغاة[1]
كان نافع وهو أخ مصري مهاجر من خيرة الإخوة رحمه الله، مسافرا يوما ما في ريف حلب فانقلبت به السيارة وأنجاه الله جل وعلا من الموت، فكان يضحك ويقول: تصور أن الخبر يأتي لأهلي أن ابنكم هاجر للجهاد ثم مات بحادث سيارة! وبعدها استشهد في معارك البريج رحمه الله.
تذكرت هذا الموقف عندما رأيت البعض يقارن بين من يموت في قتال النصيرية أو في قتال الخوارج أو في قتال البغاة، ويخوف المجاهدين من أن يموتوا في غير قتال النصيرية، وكأن في الموت اختيار، فيختار الإنسان أن يموت هنا أو هناك، والله جل وعلا يقول: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
وقد طمأن الله المجاهد بأن أجره على الله جل وعلا سواء قتل في قتال الكفار أو قتلته دابته أو قتل بالخطأ نفسه أو أدركه الموت فجأة، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾.
وقال جل وعلا: ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾.
فهنيئا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه قتله الكافر، وهنيئا لعثمان وعلي رضي الله عنهما قتلهم الخارجي، وهنيئا لطلحة والزبير قتلهم الظالم.
فليس مطلوب من المجاهد اختيار طريقة الموت ولكن المطلوب منه طاعة أمر الله جل وعلا، فإن كان الأمر الشرعي بقتال الكفار قاتلهم، وإن كان بقتال الخوارج أو البغاة أو قطاع الطرق قاتلهم، وأجره على الله تبارك وتعالى، والله جل وعلا لا يضيع أجر من أحسن عملا سواء مات في قتال هؤلاء أو أولئك أو مات في بيته أو انقلبت به سيارته.
والحمد لله رب العالمين.
قلة عدد الصحابة المعتزلين لما جرى من قتال بين الصحابة رضي الله عنهم[2]
مع المستجدات يرجع المرء لأهل العلم يتمعن في كلامهم ويفهم تعبيراتهم وبفضل الله ينتبه المرء بذلك لمسائل علمية وفوائد تاريخية.
وقد تردد الكلام عن موقف الصحابة من القتال الذي حصل بين علي وطلحة ومعاوية رضي الله عنهم..، وقال البعض: إن أكثر الصحابة اعتزل القتال، فلما تأملت الأمر وجدت الآتي:
– كلام المؤرخين والباحثين متعدد؛ فمنهم من يرى أن أكثر الصحابة شارك فيه ومنهم من يرى أن أكثرهم لم يشارك، وهناك كلام لابن حجر والمسعودي وابن تيمية حول ذلك، وخلاف بعضهم لبعض يقتضي الترجيح.
– تصور أن يشارك كبار الصحابة كأكثر من كان حيا من العشرة المبشرين بالجنة، ويعتزل أكثر صغارهم بعيد التصور جدا.
– ما نقله بعض العلماء من قلة عدد من شارك قد يراد به عندهم قلة العدد من قدامى الصحابة وليس من عامتهم.
– من الخلط اعتبار من لم يذكر اسمه من الصحابة في أحداث الخلاف معتزلا؛ فالمؤرخون لم يستطيعوا إحصاء أهل بدر بدقة، فهل يستطيعون إحصاء من حضر معارك قيل إنه شارك فيها عشرات ومئات الآلاف.
– ومن الخلط كذلك اعتبار من لم يقاتل معتزلا؛ فقد يترك المرء القتال لمرض أو سفر أو شيخوخة، فلا يعد معتزلا، فالأحداث بدأت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بأكثر من عشرين سنة مات فيها أغلب الصحابة، وأكثر من بقي كان في عمر الشيخوخة.
– يضاف إلى ذلك أن عامة الجهاد بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان فرض كفاية ولم يكن أكثر الصحابة يشاركون بشكل دائم في المعارك وقتها؛ حيث تعددت المهام المنوطة بهم في نشر الإسلام وتعليمه، فعدم مشاركة بعضهم في القتال بين الصحابة ليس دليلا على الاعتزال.
– والصواب الذي ندين به لله جل وعلا أنهم كانوا مجتهدين وأنهم دائرون بين الأجر والأجرين، رضي الله عنهم أجمعين.
* للتنبيه: لا نمثل قتالنا اليوم للبغاة بقتال الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن قتالهم كان أقل وضوحا بما لا يقارن مع قتالنا اليوم للمتحالفين مع جيش الثوار القتلة المتخاذلين عن الجهاد المتآمرين على الثورة.
كتبها
أبو شعيب طلحة محمد المسير
لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد bdf اضغط هنا
للقرأة من الموقع تابع ⇓