الأستاذ: حسين أبو عمر
أثار فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تفاؤلاً عند شريحةٍ واسعةٍ من الثوار وأنصار الثورة السورية؛ وذلك بسبب مواقف ترامب المتشددة تجاه إيران وبشار، بينما أبدا البعض تفاؤلاً حذراً، وقلةٌ قليلةٌ أبدت تخوفًا من مشاريع كبرى يجري تنفيذها في الشرق الأوسط، ولن تكون سوريا في معزلٍ عنها.
كذلك أبدا التحالف الحاكم في تركيا وأنصاره استبشارًا بعودة ترامب؛ وذلك لعدة أسباب؛ ما يتعلق منها بموضوع المقال هو أمل الأتراك في أن يوقف ترامب دعم الميليشيات الانفصالية الكردية، وأن يقوم بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، خاصةً أنه اتخذ مثل هكذا قرار في السابق، وخرجت مجددًا بعض الكلمات من بعض حلفائه بهذا الخصوص.
بدايةً، صحيحٌ أنه ليس من الضروري أن يتبنى ترامب نفس السياسة التي تبناها في فترة رئاسته الأولى تجاه الملف السوري، إلا أنه يمكن الاستئناس بفترة رئاسته الأولى بالإضافة لمؤشرات أخرى لاستشراف السياسة التي يمكن أن يتبناها في فترة رئاسته الثانية..
شهدت فترة رئاسة ترامب الأولى إيقاف الدعم العسكري الذي كانت تقدمه غرفتا “الموك” و “الموم” لبعض الفصائل.
عندما استعمل بشار الأسلحة الكيماوية في خان شيخون في 4 أبريل 2017، اكتفى ترامب بضرب مطار الشعيرات في ريف حمص ردًا على استعمال الكيماوي، وقال وقتها إنه: “أمر بضربةٍ عسكريةٍ محددةٍ على القاعدة الجوية التي انطلق منها الهجوم الكيميائي في سوريا”، في ضربة كان قد أبلغوا الروس عنها من قبل، وعاد المطار للعمل في اليوم التالي للضربات الأمريكية.
وبعد ذلك بسنةٍ واحدةٍ فقط، في7 أبريل 2018، أعاد النظام قصف دوما بالكيماوي؛ فقامت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في 14 أبريل 2018 بقصف ثلاثة مواقع للنظام، قالوا إنها مختصة بالكيماوي، وظهر ترامب وقتها ليقول أنه: “أمر بتنفيذ ضربات محددة على قدرات الدكتاتور السوري بشار الأسد في مجال الأسلحة الكيميائية”، وأضاف: “بوتين وحكومته تعهدا بإزالة الأسلحة الكيماوية السورية في السابق وضربات اليوم هي نتيجة لفشل روسيا في ذلك”.
وصف ترامب بشار الأسد بعد استعماله للكيماوي في المرتين المذكورتين بالحيوان؛ فكان وصفه هو بذلك هو الترند الذي تصدر الهاشتاغات وقتها..
بينما كانت الغوطة الشرقية في ذلك الوقت تُفرَّغ من الفصائل ومن سكانها الأصليين بضغط روسي إيراني، ورضًا أمريكي إسرائيلي، ثم بعد ذلك بثلاثة أشهر فقط تم الاتفاق بين الأمريكيين والإسرائيليين والروس والنظام والأردن على تسليم الجنوب كاملًا للنظام والروس والإيرانيين -على أن يبقى الإيرانيون على بعد ثمانين كيلو متر عن حدود الكيان الصهيوني-
ثم بعد ذلك تم إقرار قانون قيصر…
سياسية ترامب تجاه الملف السوري في فترة رئاسة ترامب الأولى لم تخرج عن السياسة العامة للولايات المتحدة بخصوص هذا الملف.. والتي قدم أفضل تعبير عنها اليهودي الأمريكي إداورد لوتواك، صاحب نظرية “منح الحرب فرصة” في مقال له تحت عنوان: ((في سوريا، أمريكا تخسر إذا فاز أي من الطرفين))، نشرته (النيويورك تايمز) في 24 آب 2013، أي بعد مجزرة الكيماوي ب 3 أيام، حيث قال فيه: “ينبغي لإدارة أوباما أن تقاوم إغراء التدخل بقوةٍ أكبر في الحرب الأهلية السورية، سيكون فوز أي من الجانبين غير مرغوب فيه بنفس القدر للولايات المتحدة.
في هذه المرحلة، فإن الجمود المطول هو النتيجة الوحيدة التي لن تضر بالمصالح الأمريكية”.
ومن جهةٍ أخرى، فإن ترامب يتبنى موقفًا متشددًا تجاه الجماعات الإسلامية بشكلٍ عامٍ، حتى السلمية منها، لدرجة أنه سعى في فترة رئاسته الأولى لتصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» كمنظمة إرهابية، فمن البدهي أن يتبنى موقفاً أكثر تشددًا تجاه فصائل الثورة السورية..
أما بخصوص التصريحات حول انسحابٍ أمريكيٍ من شمال سوريا؛ فلا ننسى أن أمريكا كانت قد فرضت عقوبات على تركيا بسبب عملية نبع السلام، وأنها أجبرت تركيا على أن تكون العملية محدودةً في الأماكن التي تمت السيطرة عليها لاحقًا.
وأما الذين يتحدثون عن سحب القوات لتجنيبها الوقوع تحت النيران سواء لو حصل اشتباك بين القوات التركية وقوات النظام، كما يقول روبرت كينيدي، أو من يقولون بسحب هذه القوات قبل ضرب إيران لتجنيبها الانتقام الإيراني؛ فإن هذا الكلام بعيد عن الواقعية، بل الذي يبدو هو العكس من ذلك؛ أن مخطط ربط الكيان الصهيوني بكردستان بات قريبًا، وهو أمرٌ كنت قد تحدثت عنه بالتفصيل في مقال: «مستقبل جنوب وشرق سوريا في المخطط الأمريكي» العدد 24 – مجلة بلاغ – مايو 2021 ميلادي.
في 16 سبتمبر 2023 كان قد نشر على صفحته على منصة (X) وليد فارس، الذي كان قد شغل منصب مستشار العلاقات الخارجية لدونالد ترامب إبان الحملة الانتخابية عام 2016، كما قام بدور استشاري لعددٍ من أعضاء الكونغرس الأميركي، ويشغل حاليًا منصب الأمين العام للمجموعة الأطلسية النيابية: «اتجاهٌ لإعلان “منطقةٍ حرة درزية” في السويداء في جنوب سوريا..
تقارير عن إقامة إدارةٍ أمنيةٍ وسياسيةٍ ذاتيةٍ أو محلية، ورفض تواجد ميليشيا حزب الله وسائر الميليشيات الإيرانية في المنطقة.
واحتمال حصول السويداء الحرة على “منطقة حظر جوي” أميركي No fly zone، عال جدًا»
وتابع:
«تصوروا أن يكون ‘للسويداء الحرة”، بعد أن تقيم إدارتها المحلية، ممرا اقتصاديا وإنسانيا، عبر الأردن، إلى “الممر الاقتصادي الهندي الخليجي الأوروبي”!» ا.هـ.
أو ربما فات وليد فارس أن يقول: إن المخطط هو تمدد الكيان إلى السويداء وصولًا إلى حدود كردستان، أو استقلال “السويداء الحرة” وربطها بالكيان وبكردستان، ولاحقًا نشوء محور يمتد من الكيان إلى أرمينيا.. مشروعٌ يكون فيه الكيان عقدة اتصالٍ تربط كل هذه الكيانات بممر بهارات، ويقطع أجزاء مهمة من طريق الحرير الصين، ويعزل تركيا عن العالم العربي وعن العالم التركي في جنوب القوقاز وآسيا والوسطى..
فالذي يحصل الآن هو مشاريع كبرى لإعادة تشكيل المنطقة، ولإحداث تغييرات جيوسياسية كبيرةٍ فيها.