عداوة حافظ الأسد للعلماء || الركن الدعوي ||مجلة بلاغ – العدد ٢٥ – ذو القعدة ١٤٤٢⁩

مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٥ ذو القعدة ١٤٤٢

الشيخ: محمد سمير

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛

فإن نهج الطغاة والمجرمين واحد، وتصرفاتهم متشابهة، كما قال تعالى: (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) لذلك فما نعرضه من جرائم الأسد هو أسلوب يتبعه الطواغيت، غير أن حافظا هو ألعنهم وأكفرهم.

بعد تسلم حافظ الأسد للسلطة رأى أنه لا بد كي يستتب له الأمر أن يقضي على قوة المجتمع ويفككه ويجعل القوة بيد شبيحته وأجهزته الأمنية فقط، وبما أن قوة المجتمع عادة تكون في جيشه وعلمائه فقد خطط الأسد للقضاء على هاتين القوتين الموجودتين، والحيلولة دون ظهور أي قوة مجتمعية لاحقا.

فبدأ بالجيش منذ أن كان وزيرا للدفاع فسرح الأكفاء من الضباط السنة كما مر مفصلا في المقال الذي تحدثنا فيه عن سقوط الجولان، وبذلك فقد المسلمون سندهم العسكري وصار الجيش من وقتها حكرا على الطوائف الباطنية فلهم الرتب العليا والقوة الحقيقية، أما أهل السنة فلا يترقى في المناصب منهم إلا من كان عديم الدين فاسد الأخلاق ميت الضمير، ومع ذلك فتكون رتبته صورية ولا يملك من أمره شيئا، أما المجندون الذين يساقون إلى ما يسمى “خدمة العلم” الإلزامية فيتعرضون لكل ما يخطر في بالك وما لا يخطر من أساليب الإذلال والقهر وتحطيم معاني الرجولة، لذلك كان التسرح من الجيش من أعظم الأفراح، بل إن كثيرا من الأسر الميسورة كانت تدفع أموالا للضباط حتى يُعفى أولادهم بعد دورة الأغرار، وهو ما كان يسمى “بالتفييش”.

وهذا لا يعني خلو الجيش وقتها من الضباط المتدينين والشرفاء ولكنهم فيه أندر من الكبريت الأحمر وهم يستخفون بدينهم استخفاء مستضعفي مكة من كفار قريش، ولا يخفى على أحد أن الصلاة كانت ممنوعة في جيش النظام، كما كان الضباط النصيريون يتعمدون إرهاق الصائمين خاصة بالرياضة وتمارينها وكثرة الجري في أوقات الحر.

وبما أن الناس تبع لعلمائهم فقد حرص حافظ الأسد على عزل الأمة عن علمائها، واستخدم لذلك أساليب عديدة منها السجن والقتل وتصدير المنافقين وتسليمهم المناصب الدينية، وحرمان أهل التقوى منها، وتجفيف منابع العلماء الربانيين.

– ولنأخذ في تفصيل هذه الأساليب قليلا، ونبدأ بأسلوب القتل، فقد عمد حافظ إلى إرهاب المسلمين بقتل من يعارضه من العلماء ويدعو إلى التمسك بالإسلام الحق وينبذ الكفر والضلال والإلحاد الذي جاء به حافظ، ومن أشهر العلماء الذين قتلهم:

1 – الشيخ عبد الستار عيروط: فقد جاء في ترجمته التي كتبها الأستاذ يحيى حاج يحيى: “ثم شهدت بانياس ابنها البار وقد عاد يدعو المسلمين إلى رص الصفوف.. ويدوي صوت الشيخ عبد الستار في أرجاء المسجد: كيف تخذلون إخوانكم؟ إن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، وجن جنون السلطة الباغية فبعثت بخفافيشها في ظلمة الليل لاختطاف الشيخ المجاهد ليمضوا به بعد صلاة الفجر إلى وكر من أوكارهم ليفرغوا حقدهم في جسده الطاهر ثم ليرموه بعد ذلك على قارعة الطريق إرهابا وتخويفا، كان ذلك في حزيران 1980، وكاد الذين عاشوا معه لا يعرفونه، وقد مُثل به، لولا زبيبة في جبينه من أثر السجود ولحية تعفرت بالدم والتراب” “ترجمته منشورة في موقع رابطة أدباء الشام”.

2 – ومنهم الشيخ ممدوح جولحة: فقد جاء في ترجمته: “وتحدث بجرأة عن المواصفات التي يجب أن تتوفر فيمن يحكم المجتمع المسلم مما قاده إلى السجن مرارا ثم الفصل من الوظيفة قبل خطفه واغتياله خلال أحداث الثمانينات..، اختطف ممدوح فخري جولحة من منزله وعثر على جثته مشوهة في غابة خارج المدينة 27 حزيران 1980” “موسوعة الجزيرة”.

3 – ومنهم الشيخ عبد الودود يوسف الدمشقي “جلال العالم”: صاحب الكتاب الفذ العظيم على صغر حجمه “قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله” وغيره من الكتب النافعة، فقد اعتقل عام 1980 وانقطعت أخباره بعد ذلك. “الموقع الرسمي للمكتبة الشاملة”.

 

4 – ومنهم مفتي حماة الشيخ محمد بشير مراد: فقد جاء في ترجمته التي خطها ولده: “بقي الشيخ في هذه الحال الصعبة إلى أن جاءت أحداث حماة الكبرى سنة 1982 وبدأ التفتيش ودخول المنازل في أي وقت من ليل أو نهار..، إلى أن جاء يوم الاثنين 22 / 2 / 1982 عندما داهمت صباحا بيت أخيه الشيخ عبد العزيز قوة من الجيش والأمن واعتقلت كل من فيه من الرجال..، وبعد العصر جاءت قوة أخرى من الجيش والأمن واقتادت الشيخ مع ابنه أحمد ماهر الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره إلى جهة مجهولة.

أخبرنا أحد أقاربنا بأنه أولا أخذ إلى مطار حماة العسكري وهناك طلبوا منه أن يرسل برقية استنكار للرئيس لما حصل في المدينة فرفض وأصر على رفضه، لكن منذ أكثر من سنتين التقيت بأحد الشباب في الدوحة..، فقال: لي صديق كان يخدم في مطار حماة العسكري وقد أخبرني أثناء وجوده في المطار أنهم أحضروا مجموعة من المشايخ علم فيما بعد أن فيهم مفتي حماة وابنه وأقرباءه ثم حضر أحد الضباط الكبار وكلم المفتي مباشرة قائلا: السيد الرئيس يطلب منك أن تخرج على التلفاز وتجرم الإخوان وتنسب كل ما حصل في حماة إليهم، وبذلك يتم الإفراج عنك وتعود إلى بنيك وأسرتك.

فرد عليه الشيخ قائلا: لم يبق من العمر ما يستاهل البقاء فالذي ذهب أكثر بكثير مما بقي.

لم يمهل الضابط الشيخ يستكمل حديثه حيث أعطى الإيعاز للعناصر المصطفة قبالتهم بإطلاق النار عليهم، فما كان من الشيخ إلا أن قال آخر عبارة له في الدنيا وهو يشير بيده إليهم: أتخوفوننا من الموت، وهكذا مضى الشيخ شهيدا بإذن الله” “موقع رابطة أدباء الشام”.

5 – ومنهم الشيخ إسماعيل السباعي: من علماء حمص، فقد جاء في ترجمته: “اقتيد من السجن بعد صلاة الفجر وعذب عذابا شديدا وهو في الثمانين من عمره حتى استشهد، وذلك في شهر تشرين الثاني 1980” “نثر الجواهر والدرر، الجزء الأول صفحة 239”.

* ولا تحسبن إجرام حافظ قد اقتصر على علماء الشريعة فقط، بل طال كل مخلص لدينه غيور على أمته ساع لنصرتها “كما اعتقل عددا كبيرا من أساتذة الجامعات والمحامين والأطباء والصيادلة والمدرسين وعلماء الدين وآلافا من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية وقتل المئات منهم وألقى بجثثهم في الشوارع من أمثال الدكتور الشهيد أدهم سقاف الأستاذ بكلية الزراعة في جامعة حلب، والمربي الأستاذ الشهيد عبد القادر خطيب مدرس الرياضيات في ثانويات حلب” “كتاب حماة مأساة العصر”.

ومن الأدباء الذين قتلهم الأسد “الأديب الكبير إبراهيم عاصي” صاحب المؤلفات الأدبية الرائعة، وهو من جسر الشغور، جاء في ترجمته: “وقد مضى على اختطافه أكثر من خمسة وثلاثين عاما وانقطعت أخباره كالآلاف من المعتقلين” “موقع رابطة أدباء الشام”.

بل بلغ الإجرام بحافظ الأسد أن يقتل علماء لو كانوا في الغرب لدفع إليهم وزن بقرة بني إسرائيل ذهبا، ومنهم عالم الذرة “حسن محمد مازن حسين”، فقد جاء في ترجمته التي نشرها عاصم الزعبي: “وفي اليوم التالي هبطت طائرة مروحية في ساحة جامعة حلب واعتقل العناصر الموجودة فيها حسن من قاعة التدريس واتهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، وبعد ثلاثة سنوات وتحديدا في عام 1983 أعدم رميا بالرصاص”.

– وأما السجن فالعلماء الذين سجنهم الأسد وحال بينهم وبين تفقيه الأمة والارتقاء بها أكثر من أن يحصيهم العد، ولكن نقتصر هنا على عالم شهير جدا حتى لا يطول بنا المقال، وهو العالم الرباني العلامة محمد هاشم المجذوب الملقب بالشاطبي الصغير، فقد مكث في سجون النظام ما يزيد على عشرين سنة لصدعه بالحق وبيانه حكم الإسلام في النصيرية.

وقد أدى قتل العلماء وسجنهم إلى خروج كثير منهم من سوريا فرارا بدينه فأقفرت البلد من أهل العلم بعد أن كانت سوريا من أهم المراكز العلمية في الأمة الإسلامية خلال قرون.

– وأما الأسلوب الثالث فقد دأب حافظ الأسد على تصدير العاهات ليكونوا علماء الأمة وتسليم مخنثي الفكر والعقيدة المناصب الدينية أمثال الهالك كفتارو والبوطي وحسون وأضرابهم من البلاعمة الذين يشترون الضلالة بالهدى.

– وأما الأسلوب الرابع فهو تجفيف المنابع: فقد جعل الأسد من شروط استلام أي وظيفة دينية أو دنيوية في الحكومة أو حتى إعطاء درس في المسجد شرط لذلك كله الحصول على رخصة أمنية، وكثيرا ما كان بعض أهل العلم المخلصين يُمنعون من دروس المساجد كما عانى من ذلك كثيرا الشيخ مجاهد شعبان وغيره، بل كان الأمن يقوم بزيارات دورية لأئمة المساجد ويعطيهم التعليمات التي يجب عليهم الالتزام بها.

واستكمالا للجريمة فقد كانت هناك قائمة طويلة من الكتب الممنوعة يزاد فيها باستمرار وتسلم إلى أصحاب المكتبات ليلتزموا بإتلاف ما لديهم منها وعدم إحضار أو بيع أي شيء منها.

وأخيرا فقد جند شبيحة الأسد كثيرا من الباعة المتجولين وأصحاب البسطات وخدام المساجد ليشوا بأي شخص يظهر عليه الالتزام بالدين ورفض الظلم ومعارضة الاستبداد.

ولنكتف بهذا القدر وإلى مقال قادم إن شاء الله.

 

والحمد لله رب العالمين.

بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٥ ذو القعدة ١٤٤٢ هـ

Exit mobile version