الأستاذ: خالد شاكر
بعد عشرين سنة من الجهاد ضد الاحتلال الأمريكي وأذنابه تمكنت بفضل الله تعالى حركة طالبان من فرض وجودها الداخلي والإقليمي والعالمي، مما اضطر المحتل الأمريكي وأذنابه للتفاوض معها ومحاولة تخفيف الآثار التي تخلفها انتصارات ومكاسب طالبان الميدانية المستمرة.
وقد ظهرت طالبان في تلك المفاوضات بمظهرها الإسلامي وحقيقتها المجاهدة وأعلنت في كل مراحل التفاوض أن إقامة النظام الإسلامي وطرد المحتل الغاصب ثوابت لا مجال للتنازل عنها، فكانت ثابتة في رؤيتها ورسالتها التي تقدمها للعالم.
وقد قوبل هذا الثبات بالفرح والتأييد من كل مسلم محب لدينه، وبدأ الناس يتغزلون في طالبان ويتدارسون دروس التجربة وعوامل النجاح وأسباب النصر.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل ما وصلت له طالبان يمكن لغيرها الوصول له إن اتبع نفس طريقها وسار مسيرها، أم أنه قد توفرت لطالبان ظروف وتجربة خاصة لا تتوفر لغيرها من الحركات في عموم العالم الإسلامي؟
والصواب أن طالبان ما هي إلا فرع من فروع المسيرة الإسلامية الرائدة الممتدة عبر الزمان والمكان، تلك المسيرة الصادقة المنصورة رغم المكر الكبار بالليل والنهار الذي تزول منه الجبال؛ مسيرة بدر وفتح مكة، ومسيرة القادسية واليرموك، ومسيرة فتوحات مصر وإفريقيا والهند والسند، ومسيرة مائتي سنة من الكسر المتتابع لحملات الصليبيين وطوفان التتار الهمجيين، ومسيرة فتح القسطنطينية وبلغراد وقلب أوربا، ومسيرة مجاهدة الاحتلال الروسي الصيني الفرنسي الإنجليزي الإيطالي الإسباني البرتغالي اليهودي لبلاد الإسلام، ومسيرة التصدي لعملاء الاحتلال والحكام الخونة..
إنها مسيرة طويلة جدا، ولكنها مسيرة تؤكد صدق الوعد وحسن العاقبة لمن صدق الله تعالى وجاهد فيه حق جهاده.
ماذا فعل الطالبان سوى أنهم اجتهدوا في العمل بأسباب النصر المعروفة:
– (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
– (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
– (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).
– (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ).
– (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
– (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
– (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ).
– (وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ).
– (وَخُذُوا حِذْرَكُمْ).
* فيا باغي الخير أقبل فهذا هو المنهج وتلك هي المسيرة، وهي مسيرة تصلح لكل واقع وأي بيئة وفي ظل كل التحديات، فما خصوصيات التجارب إلا جزئيات تندرج تحت عموميات الأوامر ومحددات الطريق، إنها مسيرة أمة يرتقي خلالها شهداء ويستكمل الطريق أتقياء وينتكس في المسير أشقياء، (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ).
فاللهم ثبتنا على الحق وتوفنا وأنت راض عنا يا كريم.
طالبان بين عمومية المسيرة وخصوصية التجربة – الأستاذ خالد شاكر /كتابات فكرية / / مجلة بلاغ العدد السادس عشر، لشهر صفر ١٤٤٢
هنا بقية مقالات العدد السادس عشر من مجلة بلاغ الشهرية لشهر صفر 1442