شهر ربيع الأول – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٣ هـ

مجلة بلاغ العدد التاسع والعشرون ربيع الأول ١٤٤٣ هجرية – تشرين الأول ٢٠٢١ ميلادي

الشيخ: همام أبو عبد الله

ربيع الأول هو الشهر الثالث من السنة الهجرية المباركة، والربيع يشير إلى النعيم والتنزه والأنوار والأزهار والشجار والثمار، وهي معان تُدخل في النفس البهجة والسرور.

ولذا يطلق على أجمل فصول السنة فصل الربيع، وهو فصل الربيع المعروف حاليا، وقد تطلق العرب كلمة الربيع على معنى كثرة الخير ووفرته فيطلقونه على وقت جني الثمار وكثرة الخيرات في الصيف أو على وقت هطول الأمطار في الشتاء..، وفي بعض تلك المعاني يقول الجوهري في الصحاح: “الربيع عند العرب ربيعان: ربيع الشهور وربيع الأزمنة. فربيع الشهور شهران بعد صفر، ولا يقال فيه إلا شهر ربيع الأول وشهر ربيع الآخر. وأما ربيع الأزمنة فربيعان: الربيع الأول، وهو الفصل الذي تأتي فيه الكمأة والنَّور وهو ربيع الكلأ، والربيع الثاني وهو الفصل الذي تدرك فيه الثمار”.

ولاشتراك الشهر والفصل في التسمي بكلمة الربيع، قيل: لم يكن العرب يلتزمون ذكر كلمة شهر قبل أسماء الشهور سوى في ربيع ورمضان، فيقولون مثلا: محرم وصفر وشهر ربيع الأول..، أما لو قيل: ربيع، بلا كلمة شهر، فإنما يعنون فصل الربيع؛ ليفصلوا ويفرقوا بين المعنيين، قال الفيومي في المصباح الكبير: “قال بعضهم: إنما التزمت العرب لفظ شهر قبل ربيع؛ لأن لفظ ربيع مشترك بين الشهر والفصل، فالتزموا لفظ شهر في الشهر، وحذفوه في الفصل للفصل” .

وقد اقترن ذكر شهر ربيع الأول في عصور الإسلام بذكر مولد سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم؛ فقد ولد في شهر ربيع الأول من عام الفيل سنة 571 م، فكان مولده الميمون إرهاصا بقرب بعثته صلى الله عليه وسلم والتي فيها الرحمة للعالمين والخير للبشرية إلى يوم الدين، فاقترن في النفوس جمال الربيع مع جمال الذكرى العطرة المباركة.

وكذلك كان من حكمة الله وتقديره أن يكون شهر ربيع الأول شهر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتركنا على المحجة البيضاء والطريق الواضح، ففي شهر ربيع الأول كان المولد الشريف وفيه كان الانتقال إلى الرفيق الأعلى، وتخللهما كذلك في ربيع الأول دخول النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا من مكة؛ ذاك الحدث الذي هو نهاية المرحلة الأولى من الدعوة المكية وبداية المرحلة الثانية من الدعوة والجهاد في المدينة، وقد عبر أنس بن مالك رضي الله عنه عن مشاعرهم في اليومين من ربيع الأول اللذين دخل فيهما النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وانتقل فيهما للرفيق الأعلى، فقال: «لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء» رواه الترمذي وابن ماجه.

وقد اعتاد كثير من الناس بعد القرون الأولى من الإسلام اتخاذ هذا الشهر أو بعض لياليه عيدا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، والأصل أن كمال المحبة في كمال الاتباع، والمتسنن يقتفي أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، والوارد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يشكر الله جل وعلا على نعمة مولده أسبوعيا بصيام يوم الاثنين، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الاثنين فقال: «ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت -أو أنزل علي فيه-» رواه مسلم، فمن السنة شكر الله جل وعلا على نعمة المولد الشريف والبعثة المباركة بصيام يوم الاثنين من كل أسبوع، وبذا يكون المرء متبعا ومتأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم والصالحين من بعده.

وإن مما يؤسف أن كثيرا ممن يصر على الاحتفال بعيد المولد الشريف في ربيع الأول لا يكون احتفاله مجرد شكر لله جل وعلا بأنواع من الطاعة أو بأنواع من البهجة المباحة فقط، بل تتخلله عقائد فاسدة منكرة وتصرفات مخلة وسوء أدب مع الله جل وعلا ونبيه صلى الله عليه وسلم؛ فمنهم من يقرأ أناشيد فيها غلو في النبي صلى الله عليه وسلم وادعاء علمه الغيب، كقول بعضهم: ومن علومك علم اللوح والقلم، ومنهم من يدعو ويستغيث بالأموات والغائبين مرددا: مدد مدد يا فلان، ومنهم من يفتري أن روح النبي صلى الله عليه وسلم تدخل مجالسهم وتشاركهم احتفالهم، ومنهم من يكون احتفاله بالرقص والطبل والاختلاط والفحش، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 شهر ربيع الأول - الركن الدعوي  - مجلة بلاغ العدد ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٣ هـ   الشيخ همام أبو عبد الله

شهر ربيع الأول – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٢٩ ربيع الأول ١٤٤٣ هـ
الشيخ همام أبو عبد الله
Exit mobile version