#افغانستان
#تحليل
قد يكون مقالنا طويلا، لكنه يقدم للمهتمين في الملف الأفغاني، شرحا وافيا عن ديناميكيات الصراع. تحتاج لكوب قهوة ومايقارب 10 دقائق لقراءته.
دخلت أمريكا أفغانستان بتاريخ 7 أكتوبر 2001، بعد احداث 11 سبتمر، وكان يبدو أنها قد انتصرت خلال أشهر، لكن بمضي السنوات، وبحرب عصابات ناجحة لم يكن هدفها السيطرة على الأرض، قررت أمريكا الانسحاب، بعد أن لعبت كل من العناصر التالية دورا في هزيمتها:
1. استخدام الجبال وحرب العصابات
2. الروابط القبلية في افغانستان وتوحد أحد أهم القبائل وهي البشتون (عددها 15 مليون نسمة) ضد المحتل
3. لعبت الحدود مع باكستان دورا في تدفق الامدادات اللوجستية، تماما كما لعب قبلها مضيق “هو تشي مينغ” دورا في استمرار امدادات الفيتناميين من كمبوديا ولاوس في حرب فيتنام. علاقة الأمريكان بباكستان ساءت بسبب عدم ضبط باكستان للحدود، وربما كان هناك رغبة لدى حكومة باكستان بمنع انتصار امريكا في افغانستان
4. طبيعة وثقافة الشعب الأفغاني
5. الصبر الاستراتيجي في مقاومة دولة عظمى
لتحليل هل هزمت أمريكا نعود لعقيدة “باول” (الجنرال كولن باول) وهي سلسلة الاجراءات التي يتوجب اتخاذها قبل إقرار مشاركة أمريكا في أي معركة:
1. هل هناك تهديد لمصالح الأمن القومي الحيوية
2. هل لدينا أهداف واضحة من المشاركة
3. هل تم تحليل المخاطر والتكاليف؟
4. هل تم استخدام جميع الوسائل الأخرى الغير عسكرية؟
5. هل هناك خطة خروج لتجنب الوقوع في حرب لاتنتهي
6. هل تم تحديد جميع العواقب؟
7.هل الرأي العام مع المشاركة؟
8. هل لدينا دعم دولي
وحقيقة هذه العناصر لاتتحقق الان، بل كثير منها لم يكن صحيحا في بداية الحرب.
كانت كستان واحدة من 3 دول اعترفت بطالبان، قبل الغزو الامريكي (الى جانب الامارات والسعودية وقتها)، واستطاعت أمريكا اخراج طالبان من كابل خلال شهرين، وصور الاعلام الامريكي الوضع بشكل متفائل وبأن الجيش سيعود للبلاد عام 2002، لكن ماحصل هو تفاوض أمريكا مع طالبان للانسحاب ( اختارت موعد 9/11 لانهاء الانسحاب لتروج أن الهدف من دخول افغانستان كان لمنع هجمات مثل 9/11، بحسب الاتفاق الموقع مع طالبان والذي يتضمن منع التخطيط لهجمات ضد امريكا من افغانستان)
سقط خلال الحرب 2500 جندي أمريكي و 4000 متعاقد مع الجيش الأمريكي، ومحو 100 ألف من حكومة كابل، كما كانت فاتورة الحرب على امريكا 2 تريليون دولار، مقابل سقوط نحو 250 ألف أفغاني معظمهم مدنيين.
علاقة أمريكا بباكستان كانت تمر بأسوأ حالاتها قبل الغزو بسبب العقوبات الامريكية لنشاطات باكستان النووية واكتشاف مساعدة العالم الباكستاني “قدير خان” لايران (وكوريا وليبيا) في بناء قدراتها النووية. تحسنت العلاقات عام 2003 بعد تخوف باكستان من انتقال حرب افغانستان لأراضيها ورغبة أمريكا بالحصول على مساعدات لوجستية من باكستان مقابل مساعدات مالية بقيمة 30 مليار دولار.
عام 2004، أعلن الجنرال الامريكي “أبو زيد” ان باكستان قدمت لأمريكا في حربها المباشرة ضد القاعدة مالم تقدمه دولة اخرى في العالم
عام 2005 قال العقيد الاامريكي “كراوفورد” لقد كان الجنود الباكستانيون راصدين لمدفعيتنا ضد أهداف من طالبان على الحدود
عام 2006 الجنرال ماغنوس يقول أن باكستان كانت تريد من أمريكا ان تبقي التعاون العسكري سريا، فقد كانت تشترط أن لا تترك امريكا أثرا لوجودها العسكري في باكستان او دليلا على استخدام باكستان في الحرب ضد طالبان، بل كانت تشترط عمليات عسكرية امريكية ليلية فقط
عام 2006، قال كرامبتن وهو منسق مكافحة الارهاب في الخارجية الامريكية وقتها، أن هناك ملاذات آمنة لطالبان والقاعدة على الحدود مع باكستان، وطالما ان هذه المناطق موجودة، فسيشنون هجمات بشكل دائم، خاصة وانه ليس لديه معلومات كافية من هناك لأسباب قبلية (مثلا كان يقتل من يعرف بأنه يتعامل مع الامريكان ويوضع في فمه دولارا ورقيا برضى قبيلته او عائلته فالمجتمع الافغاني يكره العملاء ). رد عليه وقتها برويز مشرف بأن مصطلح “مخابئ” أدق من “ملاذات”.
عام 2008، العميد الامريكي “ميتس” يقول أن باكستان كانت مناطق آمنة لطالبان، وهو ماوفر لها الوقت للتخطيط
عام 2009 ، العميد “كونواي” يقول أن الحرب في افغانستان كالضغط على “بالون” كلما ضغطت عليه من طرف، ذهب الضغط للطرف الآخر (يقصد الى باكستان)
لقد كانت الساعة بيد أمريكا، لكن الوقت كان لصالح طالبان، فأبو زيد قالها صراحة عام 2004، قال أننا نفكر بالثواني وهم يفكرون بمئات السنين
عام 2009، قررت أمريكا ضخ 30 ألف جندي اضافي لافغانستان الى جانب ال 60 ألف موجودين هناك، ولمح أوباما وقتها أمام اكاديمية “ويست بوينت” أن هؤلاء الجنود الاضافيون سينهون الحرب ويعودون خلال 18 شهر
عام 2011، مقتل أسامة بن لادن على يد جنود أمريكيين داخل باكستان، وعودة العلاقات الامريكية الباكستانية للتعقيد
عام 2011، ترامب يدعو للانسحاب من افغانستان لأنها مضيعة للمال والدماء
عام 2012، قال العميد الامريكي “تولان” أنه ليس هناك شخصية في أفغانستان لم تلم باكستان لكل مشاكل أفغانستان. وأضاف : ” لا نستطيع اغلاق الصنبور، ما نفعله هو مسح الماء من على الأرض. الحرب في أفغانستان أصبحت بلا فائز”
عام 2017 ، قال ترامب أنه لا يمكننا الصمت على تحول باكستان لملاذ آمن للارهابيين. انها مطب على طريق النصر في أفغانستان
إن الاتفاق بين طالبان وامريكا على انسحاب أمريكا مقابل منع هجمات على مصالح امريكية، كان اتفاقا لحفظ ماء الوجه، فالمخابرات الامريكية تقول أنه لا يمكن كسر العلاقة بين طالبان والقاعدة، لذلك تريد الاحتفاظ بقواعد قرب افغانستان، ورفضت باكستان هذا الطلب. تتخوف المخابرات الامريكية أيضا من احتمالية سقوط افغانستان بالكامل بيد طالبان، وبحسب تقرير خدمات البحث في الكونغرس لشهر 3 من عام 2021، ذكر التقرير أن القاعدة وطالبان ينتظران انتهاء انسحاب أمريكا للسيطرة على افغانستان. كما أن هناك تخوف من احتمالية سيطرة طالبان على باكستان، بسبب شعبيتها المتزايدة هناك والعلاقات القبلية بين البلدين، والوضع الاقتصادي السيء في باكستان ووجود نفس اسلامي في باكستان، كاد أن يجعلها تطرد السفير الفرنسي بسبب تصريحات ماكرون.
الآن وخلال تنفيذ الاتفاق، أصبح واضحا أن طالبان تستطيع التقدم، على حساب حكومة كابل، وهذا ما استدعى رئيس افغانستان للذهاب لواشنطن ليطلب ابقاء عدد من الجنود الامريكيين في السفارة الامريكية في كابل على الأقل.
إن توقيع الاتفاق لم يتم إلا بعد أن تأكدت أمريكا أن طالبان بدأت بالتوسع وتكثيف عملياتها خلال 2019 و 2020، كما استطاعت اختراق الجيش والحكومة الافغانية، وتنفيذ عمليات على الجيش الامريكي، وهذا ما حذى بالامريكان لعدم الوثوق حتى بالجيش الافغاني
مع خروج امريكا، فالأمور التالية تستحق المتابعة وهي:
1. كيف ستحل المشاكل الداخلية والتي ستأتي بعد الانسحاب الأمريكي؟
2. مدى نفوذ باكستان وتياراتها في افغانستان، وماستفعله الهند
3. هل ستدخل ايران للساحة بطلب امريكي لصناعة نزاع جديد؟
4. الخطط الصينية للسيطرة على افغانستان اقتصاديا وماليا
انتهى.
مركز نورس للدراسات