رمضان الحبيب قد أتى – ركن المرأة – مجلة بلاغ العدد ٤٧ – رمضان ١٤٤٤هـ⁩⁩⁩

الأستاذة: خنساء عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

ها قد جاء رمضان فأثار في القلب من المشاعر ما يعجز القلم الضعيف أن يسطرها فيفتح للدموع باباً لتبوح بصمت عما يحمله القلب من آلام وآمال ويتجه القلب إلى ربه جل وعلا معلنا عجزه، قائلا بتضرع:

هاك قلبي يا إلهي

هاك تسبيحات روحي

من فؤادي وشفاهي

ورجائي وطموحي

– ومن ثم يسلم الأمر له فهو العالم بالخفايا:

إلهي أغثني زماني عصيب

وكن لي معيناً لئلا أخيب

إليك جهادي جعلتك زادي

فهب لي رشادي فإني غريب

– غريب، لكن له في السائرين على هذا الدرب قدوة على مر الزمان:

لا تقف حيران مشبوب الأسى

هكذا نهبا لشتى الرُّيَبِ

ذلك الدرب سلكناه معا

من قديم لست بالمغترب

فيا نسيم صبيحة أول يوم من رمضان داعــــــب مقلتيا

وانشر الأفــــراحَ في أعماق روحي

عَلَّ قلبي ينشر النور البهيا

رغـم أحــــزاني وصمتـــي وجروحي

لا تـسـلني من أنا ما هــدفـي

ولـمـــــــــاذا أقـطـع الآفـــــاق وحـدي

أنا داع للهدى أذرِ المهج

في قِفــار الأرض كي تـــزهر بعدي

مسلمٌ قـــــــد بـِعـتُ لله حــيــــاتي، ومن باع حياته لله أختي المؤمنة فالصبر عدته في طريقه الى الله، وهذه نصائح مختصرة بتصرف من رسالة كيف نستقبل رمضان:

فأولا: اجعلي أختي المؤمنة من رمضان شهر الصبر حافزا لك على الصبر، واجعليه عدتك وعتادك في طريق الوصول إلى الله.

ثم ثانيا: استهلي رمضان بالتوبة الصادقة، وهي واجبة في كل وقت ومن كل ذنب، ولكنها في رمضان ألزم وأوجب؛ لأنك مقبلة على موسم طاعة، وصاحب المعصية قد لا يوفق للطاعة وللقرب من الله.

وثالثا: معرفة شرف الزمان، فالوقت هو الحياة، وهو رأس مالك الذي تتاجرين فيه مع الله، وتطلبين به السعادة، وكل جزء يفوت من هذا الوقت خاليًا من العمل الصالح يفوت على العبد من السعادة بقدره.

قال ابن الجوزي: ينبغي للإنسان أن يعرف شرف وقيمة وقته فلا يضيع فيه لحظة في غير قربة.

إذا كان رأس المال عمرك فاحترز

عليه من الإنفاق في غير واجب

ورمضان من أنفس لحظات العمر، ومما يجعل الإنسان لا يفرط في لحظة منه أن يتذكر وصف الله له بأنه (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) وهو إشارة إلى أنها قليلة وأنها سرعان ما تنتهي، وهكذا الأيام الغالية والمواسم الفاضلة سريعة الرحيل، وإنما يفوز فيها من كان مستعدًا لها مستيقظا.

رابعا: إن من مقاصد الصيام ومن مقاصد رمضان التعود على تقليل الطعام، وإعطاء المعدة فرصة للراحة، وإعطاء النفس فرصة للطاعة، فكثرة الطعام هذه هي التي قسَّت القلوب حتى صيرتها كالحجارة، وأثقلت على النفوس الطاعة، وزهدت الناس في الوقوف بين يدي الله؛ فمن أراد الاستمتاع بالصلاة فلا يكثر من الطعام؛ لأن قلة الطعام يؤدي لرقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب.

خامسا: من المهم تعلم أحكام فقه الصيام وآدابه حتى يتم الإنسان صيامه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه فيستحق بذلك تحصيل الأجر والثواب وتحصيل الثمرة المرجوة والدرة الغالية وهي التقوى.

 

سادسا: تعويد النفس على القيام فهو مدرسة تربى فيها النفوس، وتزكى فيها القلوب، وتهذب فيها الأخلاق، فهو وصية النبي لنا وعمل الصالحين قبلنا، وفي الحديث: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم».

سابعا: كثرة تلاوة القرآن، فرمضان شهر القرآن.

ثامنا: المسارعة إلى طلب رضوان الله، وهو أصل في العبادة كما في كتاب الله وسنة رسوله، قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) وقال سبحانه: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وفي الحديث: «سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا، وَالذَّاكِرَاتُ».

فاجتهدي أختي أن تكوني من أهل الصيام الحق والقيام الصدق لتنالي الجائزة بغفران ما تقدم من ذنبك وما تأخر.. أسأل الله الكريم أن يبلغنا بمنه رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة، وأن يجعلنا في رمضان هذا من عتقائه من النار..

فيا الله أنزل السكينة على قلوبنا التي أجهدها الحزن على حالنا وغربة الدين وانتفاش الباطل، وغير هذه الحال بفرج من عندك، إنك ولي ذلك والقادر عليه، آمين.

لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ اضفط هنا
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد 47 اضغط هنا

Exit mobile version