الأستاذ: أبو يحيى الشامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الرَّايَةُ عَلَمُ الجيش، وتُكْنى أُمَّ الحرب، وهي فوق اللِّواء الذي يكون لقائد الجيش يعرف الجنودُ به ثباتَه، وأَصل الياء في كلمة الرايةِ الهمزة، جاء في لسان العرب: “حكى سيبويه عن أَبي الخطاب راءةً بالهمز”، وخالفه آخرون، والكلمة من الأصل الثلاثي رأى، لأنها تُحمل لكي تُرى.
والرَّايَةُ من الأمور العرفية التي استقرَّ التعامل عليها قبل الإسلام، لتَمتازَ جيوش القبائل أو الدول عن بعضها، فهي وسيلةٌ تُستعملُ للتعريف بالجيش، يجتمع إليها جنوده، ويعرفه بها العدوُّ والصديقُ والحليفُ والمحايد، ولا يحمل جيشان متحاربان نفس الراية شكلاً ولوناً، وقد قال الماوردي – رحمه الله- في هذا المعنى كلاماً مفصلاً، في كتابه الحاوي في فقه الشافعية (8/1168).
ولقد أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم هذا العُرفَ، واتَّخذ رايةً ولواءً عند خروجه إلى الحرب، فعن سهلٍ بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال في غزوة خيبر: “لَأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَه، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ” أخرجه البخاري ومسلم.
ولم يكن للراية التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم شكلٌ أو لونٌ مخصوصٌ يُقصَدُ لذاته ويُتَعبَّدُ به، حيث لم يرد في ذلك نصٌ من الكتابِ ولا السُنَّة، بل كان فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم فيها كفعله في اتخاذ وسائل الحرب الأخرى، كما أنه لم يتَّخِذها رايةً لدولته تُرفع على أبنيتها وولاياتها ومراكزها، ولم يأمر عُمَّاله برفعها عند إرسالهم إلى البلدان التي ولَّاهم عليها، بل اقتصر حملها في الغزوات والسَّرايا، ثم حمل المسلمون الراياتِ في حربِ الرَّدة ومعاركِ الفتح بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وما ورد في شكل ولون الراية لا يدلُّ على الحصر، بل تعددت الروايات في ذلك؛ فمنها الصحيح ومنها الضعيف، فعن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رايةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سوداءَ، ولواؤُه أبيضَ» رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم: «دخلَ مكةَ يومَ الفتحِ ولواؤه أبيضُ» رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني، وسئل البراءُ عن رايتهِ صلى الله عليه وسلم فقال: «كانت سوداءَ مُرَبَّعةً من نَمِرَة» رواه أبو داوود والترمذي، وصححه الألباني دون قوله: «مُرَبَّعةً».
إذاً صح أن الراية كانت من نَمِرَة، وفيها قال الحافظ ابن حَجَر -رحمه الله- في فتح الباري: “وَالنَّمِرَة بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْمِيم هِيَ الشَّمْلَة الَّتِي فِيهَا خُطُوطٌ مُلَوَّنَة كَأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ جِلْد النَّمِر لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّلَوُّن”، وقال أيضا: “بِفَتْحِ النُّون وَكَسْر الْمِيم هِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ كَالشَّمْلَةِ مُخَطَّطَةٍ بِسَوَادٍ وَبَيَاض يَلْبَسهَا الْأَعْرَابُ”، وهنا يتضح أنها كانت مخططةً بسوادٍ وبياضٍ، وربما رآها البعيد سوداء، لغَلَبَة اللون الأسود، ما يفسر الروايتين ويجمع بينهما، وينفي وجود الكتابة عليها، التي لم تكن في عُرف ذلك المكان في ذلك الزمان.
وقد ضعَّفَ أهل العلم الأحاديثَ التي تذكر أن الراية مكتوبٌ عليها “لا إله إلا الله، محمد رسول الله”، والروايات التي فيه ذكر اسم الراية “العُقاب”، وذكر بعضهم أن رايةَ قريش في الجاهلية كان اسمها “العُقاب”، قال ابن عبد ربه -رحمه الله، في كتاب الأدب والتاريخ “العقد الفريد”: “ومن بني أمية: أبو سفيان بن حرب، كانت عنده العقاب رايةُ قريش، وإذا كانت عند رجلٍ أخرجها إذا حَمِيَت الحرب، فإذا اجتمعت قريش على أحدٍ أعطوه العقاب، وإن لم يجتمعوا على أحد رأَّسوا صاحبها فقدَّموه”.
فلو كان كُتِبَ شيءٌ على الراية التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم، لكان ذُكِرَ في الأحاديث الصحيحة التي وصفتها، ولو كان لونها وشكلها مخصوصاً منصوصاً عليه، لما كان اتخذ الخلفاء راياتٍ أخرى إلا وظهر النَّكِير عليهم، فلقد أنكر علماء الأمة مخالفاتٍ كثيرةٍ عظيمةٍ ويسيرةٍ وصرَّحوا بذلك وخَطُّوهُ في كتبهم، ولقد تعدَّدت الرايات في زمن الخلفاء الراشدين في المعارك الكثيرة التي خاضتها جيوشهم، ومن ذلك أن المسلمين كان لهم ثلاثُ راياتٍ في معركة اليمامة “حديقة الموت” من حروب الردة، رايةُ المهاجرين ورايةُ الأنصار ورايةُ سائر العرب، وكان عمرو بن العاص رضي الله عنه يتخذ رايةً حمراء في معاركه.
واتخذت الدولةُ الأموية الرايةَ البيضاء غالباً، واتخذ العباسيون الرايةَ السوداء، والدولة الأيوبيةُ الرايةَ الصفراء رُسم عليها نسرٌ، والدولة المملوكية الراياتِ الصفراءَ والحمراء، وتعدَّدَت أشكال وألوان رايات السلاجقةِ والعثمانيين، ورايات دولٍ إسلامية أخرى، ولم يثر خلافٌ حول شرعية هذه الرايات، أو أنها مخالفةٌ لراية النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما أثاره فئات من الجهلة الذين يرجعون إذا تبين لهم، أو الكَذَبَة الذين لا يرجعون لأنهم يستغلون الكذبة لمآرب ومصالح فئويةٍ، وظهرت هذه الاختلاقات ابتداءً من القرن الماضي.
ثم إن شرعيَّة الراية لا تكون بلونها وشكلها وما كُتب عليها، بل بمضمون دعوة الجهة التي رفعت هذه الرايةَ وعملِها، سواءً كانت جيشاً أو دولةً، فإنَّ رفعَ الراية التي يدعي البعض أنها راية رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيعه المؤمنُ والمنافق والكافر، فهل يستوون بقولِ الكلمة أو رفع الرايةِ، تتفق أو لا تتفق مع مضمونها، تعبر عنه أو لا تعبر؟!، بالتأكيد لا يستوون، ولا تصحِّحُ الراية الجائزةُ منهجاً باطلاً، وإن كان فيها ادعاءٌ وانتحالٌ، ولا يجوز رفع الراية التي في ذاتها مُحرَّم، كالرايةِ التي رسم فيها الصليب.
وعن مضمون الراية -والراية تعبر عن الغاية- قال رسول الله صلى الله عليه: «مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، فَهو في سَبيلِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ» أخرجه البخاري ومسلم، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري – رحمه الله- في تفسيره {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}[التوبة:40]، يقول: “ودينُ الله وتوحيده وقولُ لا إله إلا الله” انتهى، أي عليا في الأمر والحكم، لا في كتابتها ورفعها على ساريةٍ فقط وغيرها مما هو دونها آمرٌ حاكم، فهذا يخالف الحق والحقيقة.
قال سيد قطب -رحمه الله- في تفسير الآية الثامنة من سورة المُمتَحِنة: “وهذا التوجيه يتفق مع اتجاه السُّورة كلها إلى إبراز قيمة العقيدة، وجعلها هي الرَّايةَ الوحيدةَ التي يقف تحتها المسلمون، فمن وقف معهم تحتها فهو منهم، ومن قاتلهم فيها فهو عدوهم” انتهى.
وعن مضمون الراية قال رسول الله صلى الله عليه: «ومَن قاتَلَ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أوْ يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ» أخرجه مسلم، وقال النووي -رحمه الله- في شرحه على مسلم: “قالوا هي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور، قال إسحاق بن راهويه هذا كتقاتل القوم للعصبية” انتهى، فهنا لم يفرِّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الراية الحمراء والخضراء والسوداء، ولا بين المكتوبٍ عليها وغيرها، لأن الأعمال بالنيات وحكم الرايات بمضامينها لا بما يدَّعِيه حاملها.
ويمكننا الآن وقد كثرت راياتُ الدولِ والتنظيماتِ والأحزاب التي كتب فيها “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، أن نسأل: أيها رايةُ رسول الله صلى الله عليه، أهي راية إمارة أفغانستان البيضاء التي كُتب عليها عبارة التوحيد، أم راية السعودية الخضراء، أم الراية السوداء التي عليها الختم، أم راية حزب التحرير وغيره من أحزاب وتنظيمات كثيرة اتخذت الراية السوداء التي كتب عليها: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، بخط الثلث، الذي ابتكره محمد بن علي بن الحسين بن مقلة الشيرازي في القرن الرابع الهجري!.. أي هذه الرايات راية رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!… إذاً وبعد البيان؛ من يدعي أن الراية الفلانية هي راية رسول الله صلى الله عليه يكذب متعمداً على رسول الله، ومن يتعبَّدُ بحمل شكلٍ أو لونٍ مُعيَّنٍ للراية؛ يوالي ويعادي عليه ويحصر الشرعية فيه فإنه مبتدعٌ ضالٌ، إذ أن المضمون -أي الغاية- هو ما يتعبد بالعمل به وله لا الشكل واللون.
مما تقدم يعلم طالبُ الحقِّ والهدى نابذُ الباطلِ والهوى، أن ما لم يكن في ذاته تحريمٌ مما يصلح أن يتخذ رايةً أو علماً، هو جائزٌ إن اتفق المسلمون على اتخاذه، فالراية يختارها المسلمون بشورى منهم لتحقق المصلحة الشرعية من رفعها، فلو عقدوا قطعة قماشٍ من نَمِرَةٍ مخططة بالأسود والأبيض ورفعوها رايةً، أو أخرى لونها برتقالي أو أزرق، أو جعلوا عليها كتابةً غير محرمةٍ، أو شعاراً كالهلال، أو لم يجعلوا عليها شيئاً، جاز كل ذلك، ما دامت الغاية صالحة.
أما علم الثورة السورية، فيتوهم البعض أنه يرمز إلى دولةٍ أو نظامِ حكمٍ معين، وأنه يدعو إلى دستورٍ علمانيٍّ محاربٍ لشرع رب العالمين، ولا يجدون ما يناكفون به إلا الرايةَ السوداء التي كتب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله” بخط الثلث، فيدعون إلى رفضِ علم الثورة، ورفعها على أنها راية رسول الله، ويعيِّرون من يناقشهم في ذلك بجهلٍ وجهالة: “أترفض راية رسول الله؟”، وهذا العلم في الحقيقة علمٌ لثورةٍ أو حركةِ تحريرٍ قام بها شعبٌ مسلم، لا يمكن ربطه بدولةٍ ولا نظامٍ ولا تنظيمٍ قائمٍ، وهذا من ميزات هذا العلم التي جعلت منه مظلةً جامعة، يمكن الإفادة منها للقيام بواجبات الجهاد والتمكين المتتابعة، ثم يقرِّه المسلمون كرايةٍ شرعيةٍ ثابتةٍ أو يختارون غيره، فالأمر سياسيٌّ، والراية والعَلَمُ أدواتٌ ووسائل تستعمل لمصلحةٍ شرعية.
ويُنفِّر المخالفون من علمِ الثورة بزعم أن من وضعه هو الاحتلال، وأنه يكرِّس الوطنية وتقسيم سايكس-بيكو، والحق أن من يبحث في الرمزية القديمة للعلم ومن وضعه، يتبين أنه يرمز إلى الاستقلال، ومن وضعه رجال مجاهدون ضد الاحتلال منهم إبراهيم هنانو -رحمه الله-، ومع ذلك إن هذه الرمزية مع دستور الدولة الذي وضع فيه وصف هذا العلم لا يحضران في أذهان الناس سوريين وغير سوريين عندما يحضر ذكر هذا العلم أو يرفع، إنما يحضر في الأذهان ذكرُ الثورة السورية التي انطلقت في آذار عام 2011، ورفع الثائرون في بدايتها العلم الذي فيه خط أحمر الذي يرفعه النظام النصيري، ثم للمفاصلة مع هذا النظام ولتأكيد الرمزية الثورية رفعوا علم الثورة في أواخر نيسان عام 2011 لأول مرة.
وإنه لم يبق ممن يرفضُ الاعتراف بالرمزية الشرعية لعلم الثورة وتعزيزها إلا خوارج داعش وحزب التحرير، حيث تحول الجولاني ومن معه من تكفيرِ من يحملُ العلم، وإنزاله والدعس عليه في كل مناسبةٍ، إلى اعتماده ورفعه مع كتابة: “لا إله إلا الله محمد رسول الله” بخط الثلث في بياضه، ثم إلى محوها ورفع العلم كما هو بنجومه، وذلك لاستغلال العلم وادعاء التقارب مع أبناء الثورة، وليس لاستحضار وتثبيت رمزيته الشرعيةِ ودعوة الثائرين إليها.
وإنه بالتدقيق في مضمونِ علم الثورة فإن الغاية التي يرمز ويسعى إليها تتوافق مع مقاصد الشريعة، إن نظرنا إلى الغالبية العظمى من الذين اتخذوا هذا العلم رايةً تعبر عن غايتهم، وهي تنطلق وتعود في معاني إسقاط النظام الكافر الظالم، والمطالبة بالحرية والعدالة والكرامة، وتحرير الأرض المقدسة، والأسرى والمعتقلين المظلومين، ودحرِ الأعداء المحتلين الكافرين، وفي السياسة فإن مطلب الشورى وتحكيم الشريعة الإسلامية حاضرٌ وواضحٌ عند طائفةٍ عظيمةٍ من حاملي هذا العلم، لكن هذا بحاجة إلى تعزيزٍ دائمٍ، لا تشغيبٍ وتخريب.
فإن كان الخلافُ حول شكل ومرجعية نظام الحكم فيما بعد الثورة، فإن العلمانية والعمالة لا تعدم وسيلةُ ترفعها لخداع الناس، فربما تغلب على هذا العلم، وهذا ما نسعى للتصدي له ومنعه، وربما تكون وسيلةُ الخداع الراية السوداء أو الخضراء أو البيضاء مكتوب عليها “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، يزاود من يرفعها بها ويحكم بمضمونٍ يناقضها، كما يمكن أن يكون العميل الخائن بزِيٍّ شرعيٍّ أو شعبيٍّ أو غربيٍّ!، أي أن المشكلة ليست في قطعة القماش الملونة، بل فيمن يحملها أو يرتديها، وهذه الرايات والأعلام، طالما أنها لا تحمل محرماً لذاته لا يمكن تغيير رمزيته كالصليب، فهي جائزةٌ أساساً ويمكن تغيير رمزيتها لتكون شرعيةً أو غير شرعية حسب الغاية الحقيقية للذين يرفعونها.
وإذا كان علم الثورة يُرفعُ من قبل جهاتٍ متعددة التوجهات منها ما يسعى في تحويل رمزيته وغايته في اتجاهات غير شرعيةٍ، فإن على أبناء الثورة الشُّرفاء -وهم الكثرة الكاثرة- العمل بجدٍّ على تثبيت الرمزية الصالحة لهذا العلم، والتركيز على غايته الشرعية النبيلة، التي ترضي الله عز وجل، بدلاً من الانهزام أمام الجهاتِ العميلة والدخيلة وترك الثورة وأدواتها لهذه الجهات، كما يمكن الإفادة من هذه الأدوات مع نفي الخَبَثِ عنها باستمرار وإصرار. بدلاً من تحطيمها ورميها ليكون صاحبَ الغاية الشرعية أعزل منعزلاً عارياً مستهدفاً.
وللتأكيد، فإن مفهوم الراية وضحه النبي صلى الله عليه وسلم تماماً بقوله: «ومَن قاتَلَ تَحْتَ رايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أوْ يَدْعُو إلى عَصَبَةٍ، أوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ» أخرجه مسلم، عُمِّيَّةٍ أو عِمِّيَّةٍ أو عَمِيَّةٍ، من العَمَى والعَمَهِ، لأن المُفتَتَن بها لا يَتَبيَّنُ بطلانها، فهي ليست رايةً كفريَّةً واضحةً تدعو إلى الكفر صراحةً لينفر منها، بل يُلبسها أصحابها لبوساً خادعاً لينضوي الناس تحتها، ويزينوها بزينةٍ من شعاراتٍ شرعيةٍ توهم المتبعين أو تمنحهم الذرائع للدفاع عن جهلهم أو انتفاعهم، فهنا كمثالٍ نقارن بين علم الثورة السورية كرايةٍ ترمز لثورةٍ شعبيةٍ؛ وعلم تنظيم الخوارج داعش كرايةٍ ترمز لفرقةٍ حزبية، أيهما يمكن أن يجمع الناس على غايةٍ شرعيةٍ؟!، الأمر دقيقٌ جداً ولن يُفتَتَن بالخوارج إلا من افتُتِن، ولن ينهض للعمل إلا من وفقه الله.
وختاماً؛ ولكي يستيقن أهل ثورة الحق والشرع، أؤكد أن أي رايةٍ أو علمٍ يغلب عليه أهل الكفر أو أهل الباطل والعمى، فهو يمثلهم، وهو منبوذٌ، فإن كانت المغالبة ممكنةٌ فأهل الثورة أولى بعلمهم من أي طائفةٍ أو فئةٍ أو حزبٍ، ولقد سبق إليه وإلى المغالبة عليه خيرة شهداء الثورة السورية من قادة ومجاهدين، وإن الفعاليات الثورية ومنها المظاهرات التي لا ترفع علم الثورة السورية لتدعمه ويدعمها وتسعى في تثبيت رمزيته الشرعية، هي فعالياتٌ ومظاهراتٌ ضعيفةٌ باهتةٌ، تحقق عكس المطلوب والمرجو منها أو الذي يطلبه ويرجوه القائمون بها، وبما أن المستقبل لهذا الدين، والمستقبلَ لأهلِ الشام، فإن لتمسك أهل الشام بالثوابت، ولقيامهم بالواجبات، ولاتفاقهم على الوسائلِ والأدوات، القولَ الفصلَ في كل حادثةٍ وكل حينٍ.
ومن تفرَّدَ استُفرِدَ به، ومن استَبَدَّ استُبعِدَ، ومن انعزَلَ اعتُزِلَ، ومن خَذَلَ خُذِلَ، ومن جاهدَ في سبيلِ اللهِ هداهُ اللهُ سُبُلَهُ؛ وعداً حقاً، والعاقبةُ للمتقين، والحمد لله رب العالمين.