دلالات انتكاسة الإخوان بالمغرب – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٢٨ – صفر ١٤٤٣ هـ

الأستاذ: خالد شاكر

حزب العدالة والتنمية المغربي له رمزية معينة وممارسة طويلة من ممارسات ما يسمى “الإسلام الديمقراطي” داخل المنظومة الجاهلية المعاصرة، وهذه الرمزية والممارسة جعلت أردوغان ورفاقه يختارون نفس الاسم الذي اختارته تلك المجموعة في المغرب “العدالة والتنمية” ليطلقه على حزبه في تركيا، وهو اقتباس له معنى سياسي، فأردوغان انشق عن أربكان وخالفه، وأراد أن يقدم نفسه على أنه أكثر تماشيا مع النظام الدولي والمنظومة الجاهلية المعاصرة، فاختار اسم هذا الحزب المغربي القائم على “الواقعية السياسية” فهو حزب رافع لكل شعارات وأسس النظام الطاغوتي المتسلط في المغرب وليس متحفظا عليها من “وطنية وملكية وديمقراطية”، وهو يعمل في المغرب بطريقة أليفة لا مشاكسة فيها مع النظام القائم بها.

وبعد تاريخ طويل من تلك المشاركة السياسية الأليفة ترقى خلالها الحزب المغربي ليصبح في سدة الحكم عشر سنين كاملة، فوجئ حزب العدالة والتنمية المغربي اليوم بهزيمة ساحقة غير مألوفة في الانتخابات المغربية.

– لقد اعتادت الأحزاب التي تسمي نفسها “إسلامية ديمقراطية” على أن تخسر الانتخابات بسبب أنها انتخابات مزورة فتستغل مظلوميتها في الحشد الشعبي.

– واعتادت على التضييقات والملاحقات والسجون التي تضعها في صف النضال البطولي ضد الطغيان.

– واعتادت على تحمل الانقلابات العسكرية التي تغلق أحزابها وتبدد مشاريعها.

 

– واعتادت على مواجهة الحملات الإعلامية المدفوعة والتي يشن من خلالها أعداء الإسلام هجوما شاملا للتضليل والكذب والتشويه..

* ولكن ما لم تعتد عليه تلك الأحزاب أن تتاح لها الفرصة وتصل لسدة القرار ثم يرفض الشعب انتخابها وتصوت الجماهير لخصومها، وليس هذا فحسب، بل تتدنى الشعبية لمستوى لم يحصل قط في تاريخ أي حركة “إسلامية ديمقراطية” تشارك في الانتخابات على معظم الدوائر ثم تكون النتيجة 3 في المائة فقط من المقاعد!! إنها نتيجة لا مثيل لها معروف مقارنة بنسبة المقاعد المتنافس عليها وأجواء الاختيار التي أتيحت للجماهير.

* لذا كانت هذه الوقفة للتأمل في دلالات هذا الحدث الملفت:

1 – ظاهرة إضلال المجتمعات وصحونتها ودفعها دفعا للانحراف، بسبب ضلال بعض المنتسبين للإسلاميين وانحرافهم خطوة فينحرف المجتمع خطوتين، ظاهرة خطيرة مارستها عدد من الجماعات السياسية والقتالية، وواقعهم كما قال الله تعالى: (وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)، فاختيار الناخبين للعلمانية الصريحة لا مبرر له شرعا ولكنه واقع قدرا عند فساد من يفترض أنهم حملة الرسالة، وقد قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وهذا يعني أن انحراف من يفترض أنهم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم سيؤدي لانفضاض أناس عن الدعوة والإسلام.

إن الحكومة التي يرأسها حزب العدالة والتنمية هي التي أغلقت المساجد في المغرب وضيقت عليها قرابة سنتين بزعم كورونا فيما كانت البلد تعج بمختلف الأنشطة، وكانت أشد تضييقا على المسلمين في ذلك من أغلب دول العالم حتى الأوربية منها، ثم بعد ذلك يستغرب بعضهم عدم انتخاب الجماهير التي أبعدوها عن المساجد لهم!!

 

2 – التبريرات والترقيعات والتخريجات التي يطلقها منتسبو حزب ما لتغطية انحراف حزبهم لا تتعدى حدود الطبقة العمياء من المنتسبين للحزب، وتظل أصواتهم نكرة شاذة وإن كانت صاخبة تستمد ضوضاءها من قوة المنحرف السلطوية والمادية، فيظن المغرورون أن علو صوتهم بالتطبيل يغطي على الفساد الذي يراه الناس ويعايشونه، ثم عند الاختبار تظهر حقيقتهم مجردة أمام أنفسهم قبل الآخرين، ولكنها تظهر عادة في وقت لا يرد فيه الندم هزيمة ولا يمحو فيه عارا.

لقد كانت القضية الجماهيرية للإخوان في المغرب التي يدخلون من خلالها للشعب هي القضية الفلسطينية التي ظلوا حتى سنة 2020 يقولون رسميا عندما طبعت الإمارات مع إسرائيل: “إن إقامة أي علاقة أو تطبيع كيفما كان نوعهما لا يمكن إلا أن يصب في خانة دعم هذا الكيان المستعمر ويشجعه في التمادي في ممارساته العدوانية”. ثم بعد شهور قليلة يكون رئيس الوزراء الإخواني هو الذي يوقع اتفاقية التطبيع مع اليهود، قائلا: “قرار التطبيع مع إسرائيل مؤلم وصعب لكن المصلحة الوطنية أعلى بكثير!!!”، فهل نفعه ونفع حزبه هذا الترقيع.

3 – فساد جماعة أو حزب واستمرار فساده وإفساده سنين عدة، لا يمكن تفسيره بمجرد فساد قائد يُعزل ويأتي غيره، بل هو فساد مؤسسة إما شاركت في الفساد عمليا أو كانت ضعيفة مهترئة تابعة لا تصلح لحمل الراية والدفاع عنها، ولذا فإن دعاوى الإصلاح الجزئي بعد الهزائم النكراء هي دعاوى تترك أصول الفساد وتحاول علاج بعض أعراضه فتفشل، فمن غير المقبول اليوم وقد جرى ما جرى مثل تصريح رئيس الوزراء المغربي السابق عبد الإله بن كيران القائل فيه: “بصفتي عضوا في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وانطلاقا من وضعي الاعتباري كأمين عام سابق لنفس الحزب، وبعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مني بها حزبنا في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب، أرى أنه لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل الأمين العام سعد الدين العثماني مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب”.

إن الجماعات والأحزاب وسائل إذا استشرى الفساد فيها وطال أمده فهي كسيارة قديمة مهترئة لا تصلح إلا كقطع غيار لسيارة صالحة نافعة، فلا بديل نافع عندها إلا صحوة التجديد الحقيقية لتنفي عن الإسلام تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

4 – لقد كان حزب العدالة والتنمية أول حزب مغربي يترأس الحكومة المغربية لدورتين متتاليتن لمدة عشر سنوات متتابعة (2011 – 2021) ثم كان سقوطه المدوي بعدها، فطول مدة التجربة نسبيا ليس دليلا على صلاحها ونجاحها في نفسها، فضلا عن صلاحها للاستنساخ في أماكن أخرى، بل قد يكون طولها أمارة على شدة السقوط المتوقع، فليحذر كل ظالم ومفسد فإن الله جل وعلا يمهل ولا يهمل، فما الدنيا إلا متاع الغرور.

5 – عندما يكون الفساد ناتجا عن تصور انهزامي كلي متغلغل في أعماق النفس فإن الهزيمة تزيد المنهزم ذلا وتبعية وانهزاما، كما قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)، فليس مستغربا عندها أن يعلن حزب العدالة والتنمية انتقاله من السلطة إلى المعارضة! ليكمل تمثيلية تجميل الأنظمة الطاغوتية المتسلطة على رقاب المسلمين.

* وختاما: فإن من الرسائل القدرية أن يتزامن سقوط التجارب المنتسبة لما يسمى بالإسلام الديمقراطي في تونس والمغرب بعد سقوطهم في مصر وليبيا مع انتصارات المجاهدين في أفغانستان والصومال ومالي، لتستبين السبل لمن طلب الهداية والتوفيق.

لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد 28 اضغط هنا 

لقراءة مقالات مجلة بلاغ العدد 28 اضغط هنا 

 

Exit mobile version