جَهْلُكُمْ بِكُمْ أخْطَرُ مِنْ جَهْلِكُمْ بِعَدُوِّكُمْ ||كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢

جَهْلُكُمْ بِكُمْ أخْطَرُ مِنْ جَهْلِكُمْ بِعَدُوِّكُمْ

الأستاذ: أبو يحيى الشامي

هل عرفنا قدْرَنا وقُدُراتِنا في هذا العَقْد الثَّوريِّ؟

مثل هذه العبارةِ غالباً ما توجه إلى الفرد لا إلى الجمعِ “جَهْلُكَ بِكَ أخطرُ من جَهْلِكَ بعدوِّكَ”، ويفهم منها العموم، فهي قاعدةٌ عامَّةٌ في العلمِ والسُّلوكِ، لكن استعمال صيغة الجمع له دلالةٌ هامَّةٌ تتعلَّقُ بهذا الجمعِ العظيمِ المخاطَبِ.

عندما خلق الله آدم عليه السلام، وهو أبو البشرية الأول، علَّمه: من هو؟ ولماذا خُلِق؟ ما هي واجباته؟ وما هي القدرات الذاتيَّةُ التي تؤهله للقيام بهذه الواجبات؟ وكيف يُحصِّل العون الذي يحتاجه ولا بد؟ أي عَلَّمَهُ قدْرَ نفسهِ وما ينفعها وما يضرها، ثم علمه بدرسٍ عَمَلِيٍّ: من هو عدوه؟ وما هو قدْرُه؟ كيف ينتصر على الإنسانِ؟ وكيف ينتصر الإنسانُ عليه…؟ هذا هو المثالُ الأول والأكبر في هذا الباب.

ثم ذرأ الله البشر في الأرض، وأيدهم بنصره وبهم إن آمنوا واتقوا يَتناصَرون ويُنصَرون، بعمومٍ لا بخصوصٍ، {وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62]، وهكذا كل معركة مصيرية من معارك الإنسان الفرديَّةِ والجماعيَّةِ تحتاج إلى عونٍ إلهي يُعزِّزُ المؤهلات الذاتية، لكن على هذا الإنسان فرداً أو جمعاً أن يعرف هذه المؤهلات، وأن يعقد النية على إعمالها، وأن يتوكل على الله الذي وهبه إياها ووعده بالعون والنصر.

– كيف استطاع آدمُ عليه السلام أن يتوب ويفوز بالمغفرة؟،

– وكيف صبر نوحٌ عليه السلام على سِنِيِّ الدعوة الطِوال ثم صنع سفينة النجاة الضخمة بمفرده؟،

– وكيف واجه إبراهيمُ عليه السلام بمفرده أعتى طغاة العالم؟،

– وكيف استطاع جيشُ طالوتَ القليل العدد والعدة أن يهزم جيشَ جالوتَ الضخم العرمرم؟،

– وكيف حرَّرَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم ومن معه الجزيرة العربية من الشرك؟، ثم حررها أبو بكرٍ رضي الله عنه ومن معه من الردة؟، ثم حطم عمرُ رضي الله عنه ومن معه تلك الإمبراطوريات القديمة؟،

– وكيف استطاع صلاحُ الدين رحمه الله ومن معه تحرير بيت المقدس؟،

– وكيف استطاع قطزُ رحمه الله ومن معه كسر التتار ودحرهم؟،

– كيف قامت الثورات ضد المحتلين ثم ضد عملائهم في البلدان العربية والإسلامية؟،

– وكيف؟ وكيف؟ وكيف؟.

إن نهضة أهل الحق لقتال أهل الباطل والانتصار عليهم ليست قرينة المعجزات الخارقة والدفع الإلهي، فالله يبتلي الناس بالناس ويدفع الناس بالناس، إنما هي نتيجة علم المكلفين بقدراتهم وإمكان إعمالها والإفادة منها، وعند ذاك لا تتحقق المعجزات الخارقة للعادة، بل المعجزات الممكنة التي يمنعها فقط الجهل بالقدرات والإمكانات.

وكما أنه {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} و{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}، لا يكلف الله أمةً إلا وسعها وإلا ما آتاها.

بحثت في التاريخ لكي أجد انتكاسةً للأمة سببها الجهل بالعدو فلم أجد، وإن كانت فهي لحظيَّةٌ، وفي الغالب تكون داخليةً حيث تقوم طائفةٌ معاديةٌ تنتسب إلى الأمة بخداعِ أبنائها وطعنها غدراً، أما أكبر سببٍ للانتكاسات فهو الجهلُ بالذاتِ والقدراتِ والواجبات، وربما نسيانِها أو تناسيها، وبذلك يكون الوهنُ والإخلادُ وما يرافقه من ذِلَّةٍ وخُسران.

إن أمة الإسلام العظيمة بمكانتها وإمكاناتها ينطبق عليها اليوم مثل الرجل الذي حمل صخرة النبعِ فشرب منها أمام قاطع الطريق الخائف، ثم قال: “الحمد لله، القوة موجودة، أما الجرأة فلا”، فأغار عليه اللص وسلبه، ولهذا إن ما يحرصُ عليه أعداء الأمة ولا يغفلون عنه لحظةً هو تغييبها ومنعها من معرفة قدراتها الهائلة الكافية لدحرهم جميعاً، ومنعها من امتلاك الجرأة، ولذلك نرى سرعة الالتفاف على كلِّ حركةٍ جهاديةٍ أو ثوريةٍ تكون نتيجتها صحوةٌ عامةٌ تحرر العملاق من قيود الوهم والوَهَنِ.

نجد أنفسنا اليومَ أمام استحقاقِ تقييم العَقْدِ الماضي، الذي حاولت فيه جموع أبناء الأمة الإفلاتَ من القيود ومرابط الاحتواء، ما الأسبابُ وما النتائجُ لكل ما حدث في هذه السنوات من انتصار وانكسار وتقدم وتراجع؟، لماذا لا ينتفض من قام بالمعجزات (كان يظنها)، ليحقق ما يظن اليوم أنه من المعجزات؟!

إن طليعةً ونخبةً من أبناء الأمة تعي جيداً ومنذ زمنٍ طويلٍ أن معركة الأمة الأكبر هي معركة الوعي والفكر، وأن القيود الأكبر التي تقيدها هي قيود الغفلةِ والجهل، وأن ما بعد الصحوة نهضةً وانتصاراتٍ عظيمة، لكن انتصار الأمة على نفسها في معركة الوعي هذه ليس بالأمر اليسير، فكلما استيقظ عضوٌ أو بعض عضوٍ من أعضائها غابت بقية الأعضاء في سُباتٍ أو انفصام.

الكل يراقب تطورات الأحداث ويعلم أن أهم ساحة من ساحات الثورة والجهاد هي ساحة الشام، ولقد ضُغِطت وحُصِرت من قبل النظام الدولي الجاهلي، مما يؤدي منطقياً إلى يقظةٍ ووعيٍ ليس آنياً بل مستمراً عميقاً بفعل التراكم على مدى هذه السنوات ودروسها، فهل تحقق هذا الوعيُ واقعاً؟.

– لماذا قامت الثورة؟،

– من قام بها؟،

– من خذلها؟،

– من خانها؟،

– من حاربها؟،

– ما هي وسائلها المفيدة؟،

– ما هي قدراتها الذاتية؟،

– ما عُونها وما الجهات التي تؤديه حقاً؟،

– ما الأخطاءُ المكررةُ التي صنعت دوامةَ التَّنازُعِ والضَّررِ والضِّرارِ والفشلِ والرُّكونِ؟،

هناك تساؤلات كثيرة مبتداها ومؤداها “لماذا قامت الثورة؟”، ما هي غايتها العظمى؟.

 جَهْلُكُمْ بِكُمْ أخْطَرُ مِنْ جَهْلِكُمْ بِعَدُوِّكُمْ ||كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢   الأستاذ: أبو يحيى الشامي

جَهْلُكُمْ بِكُمْ أخْطَرُ مِنْ جَهْلِكُمْ بِعَدُوِّكُمْ ||كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢
الأستاذ: أبو يحيى الشامي
 جَهْلُكُمْ بِكُمْ أخْطَرُ مِنْ جَهْلِكُمْ بِعَدُوِّكُمْ ||كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢   الأستاذ: أبو يحيى الشامي

جَهْلُكُمْ بِكُمْ أخْطَرُ مِنْ جَهْلِكُمْ بِعَدُوِّكُمْ ||كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢
الأستاذ: أبو يحيى الشامي
Exit mobile version