الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا حديث منوع ذو شجون، من وحي هذه الأيام التي شُغلت فيها قلوبنا ونفوسنا وتفكيرنا بالزلزال..، فأقول وبالله التوفيق:
– أولا : (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا) هكذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول؛ لتتنزل السكينة على قلوب المؤمنين فيوقنوا أن كل ما يصيبهم هو لهم لا عليهم، وليعلموا حين تقع هذه الأقدار في الدنيا أن هذه الأقدار يحقق الله بها مصالح المؤمنين وإن كانت الأحداث هائلة والآلام مريرة والجرعات كبيرة.
ولقد أخبرنا الله في محكم آياته في سورة الكهف من قصة نبينا موسى عليه السلام مع العبد الصالح أحداثا ثلاثة هي معلم في هذا الطريق، وهي:
– أن خرق السفينة في الظاهر إيذاء وإضرار لأصحابها، لكنه في الواقع حماية لها من غصب الملك الظالم.
– وأن قتل الغلام إزهاق روح في الظاهر، لكنه إيقاف للكفر والطغيان الذي أراد الله عز وجل أن يجنبه هذين الأبوين المؤمنين.
– وأن بناء جدار لأهل قرية لا يستحقون هذا الخير هو في الحقيقة تكريم لرجل صالح برعاية وحفظ حقوق نسله من بعده.
هل يعلم هذه الحقائق إلا الله، ثم مَن علَّمه الله، أي هذا العبد الصالح؟ إن القدر يدبره الله الرحيم اللطيف الرؤوف الودود الحنان المنان.
لذلك كان الحقيق بنا أن نتوكل على الله، وأن نفوض أمرنا إليه، وأن نرضى بأقداره التي نفهمها والتي لا نعرف كامل حكمتها، وأن نطيعه في المنشط والمكره، وأن ننفذ أحكامه سواء فهمنا عللها أم لم ندركها..
كل شيء يقضى في أمر هذا الإنسان إنما يصنعه من جديد ..
كل قضاء يقضيه الله للإنسان إنما هو هبة الله عز وجل له، لكن الناس حيالها نوعان:
مؤمن، رضي بقضاء الله، وارتقى في سلم العبودية، واستغفر من ذنوبه وإسرافه في أمره.
وآخر يقابلها بالسخط والإصرار على المعاصي، والله له بالمرصاد.
– ومن يدري لعل هذا الزلزال يذكرنا بالدار التي قد نكون نسيناها في خضم الانشغال بديارنا الفانية التي لم نعد نأمن عليها إلا إذا رحمنا الله وحفظنا.
وقد قال ابن القيم كلاما لصيقا بواقعنا هذا في أبيات، انتقيت منها قوله رحمه الله:
وإن ضاقت الدنيا عليك بأسرها
ولم يك منها منزل لك يعلم
فحي على جنات عدن فإنها
منازلنا الأولى وفيها المخيم
وقد زعموا أن الغريب إذا نأى
وشطت به أوطانه فهو مغرم
وأي اغتراب فوق غربتنا التي
لها أضحت الأعداء فينا تحكم
وحي على يوم المزيد الذي به
زيارة رب العرش فاليوم موسم
فيا بائعا هذا ببخس معجل
كأنك لا تدري بلى سوف تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة
وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
– ثانيا : لقد ابتلينا نحن في هذه البقعة من بلاد الشام -التي بُذلت الدماء الزكية بسخاء لتعظم فيها شعائر الله- بمن يبيع هذه التضحيات بثمن بخس وعرض من الدنيا قليل، وقدم العجب العجاب من القرابين تلو القرابين حتى سادت المعاصي وعلت وانتفشت وأصبح أصحابها يستهزؤون بمن ينهاهم عنها، فضجت الأرض واهتزت وكثرت الزلازل، فهل يرعوي أصحاب العصيان لله؟ أم يبقون سادرين في غيهم؟
(أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ).
لقد سألت زينب -رضي الله عنها- رسول الله قائلة: أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: «نعم إذا كثر الخبث» يعني إذا كثرت المعاصي؛ عم الهلاك، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي حديث آخر، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقابه».
فهل من سبيل لنجاة الصالحين؟
نعم إذا اختاروا لأنفسهم أن يكونوا من صف المصلحين نجوا من الانتقام، وإن أصابهم شيء ففيه تخفيف ورحمة لهم، ولقد ذ كر الله عز وجل في سورة البقرة قصة أصحاب السبت، وقد انقسم الناس فيها ثلاثة أقسام، نجا منهم من لم يسكت عن المنكر؛ فقد أهلك الله المعتدين، ونجى الواعظين، وسكت عن الساكتين على المنكر، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).
* خلاصة القول أختي المؤمنة: أن نوطن أنفسنا على:
١ – إحسان الظن بالله الرحيم اللطيف.
٢ – وأن نتمسك بأوامر الله.
٣ – وألا نَمَلَّ من النهي عن المنكرات.
أسأل الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفاء منا، وألا يأخذنا مع القوم الظالمين، وأن ينجنا من القوم الكافرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.