تنشئة الأجيال الجديدة على تحمل المسؤولية – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٤٤

الشيخ: إسماعيل بن عبد الرحيم حميد أبو حفص المقدسي

الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

يقول تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).

لا يخفى على أحد، ما تعرضت له الأمة خلال القرنين الماضيين، من غزو عسكري غربي صهيوصليبي، ثم تلا ذلك الغزو الفكري والثقافي والاجتماعي، لتفريغ المجتمعات العربية والإسلامية من دينها وقيمها وأخلاقها وأعرافها، ليسهل عليهم السيطرة على العالم، دون أي منافسة قوية من المنطقة العربية خاصة، لما لها من أهمية سياسية واقتصادية وعسكرية على العالم، والناظر إلى الخريطة يعرف ما أعني جيداً.

ومن المظاهر التي لا تزال مزروعة في شعوب الأمة، أنها ما زالت متأثرة بما زرعه الاحتلال العسكري في كافة مناحي الحياة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يزال الشعب الجزائري، وشعوب المغرب الإسلامي، يُدخلون في كلماتهم الكثير من الكلمات الفرنسية، ولا يستطيعون التحدث بلغة عربية صحيحة، بل إنهم في بعض الكلمات لا يعرفون معناها باللغة العربية، وكذلك الشعب الليبي مع اللغة “الإيطالية”، والشعب الفلسطيني مع اللغة “العبرية”.

وهنا يجب علينا أن نقف وقفة جادة نعيد بها حساباتنا جيداً، وكيف لنا أن نبنيَ جيلاً فريداً نستطيع من خلاله تحرير الأفكار والإنسان والأوطان، جيلاً متشبعاً بهويته العربية والإسلامية، جيلاً يحمل هموم أمته ويفكر في قضاياها مجتمعة، معتمداً على طاقاته وما يمتلك من إمكانيات، ومتوكلاً على الله لا يخشى في الله لومة لائم.

ولهذا علينا أن نعود إلى ذلك الجيل الفريد، الذي لم ترَ الأرض له مثيلا منذ أن خلق الله آدم -عليه السلام-، إلى قيام الساعة، وبالنظر إلى هذا الجيل جيداً، نعرف السبب الذي جعل هذا الجيل فريداً بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.

إن هذا الجيل تربى على يد النبي صلى الله عليه وسلم، والذي زرع فيه القيم والأخلاق الحميدة، والمبادئ السامية، وسوف أذكر بعض الأمثلة وبشكل سريع لكي لا أطيل عليك أخي الحبيب.

– لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم بتعزيز الثقة في نفوس الأطفال ليبدأ الطفل حياته بداية قوية في المجتمع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكني الصغار فنجده ينادي مداعبا في رحمة أخا أنس: «يا أبا عمير ما فعل النغير» (رواه البخاري ومسلم)، وفي موقف مشابه نجده يلاطف صبيّة لبست ثوبا جديدا فيقول لها: «يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَاهْ» وَسَنَاهْ بِالحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ، (رواه البخاري)، وهناك الكثير من الأمثلة المشابهة.

– بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعزز في أطفال المجتمع المطالبة بحقوقهم، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الأَشْيَاخُ، فَقَالَ لِلْغُلاَمِ: «أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلاَءِ؟»، فَقَالَ الغُلاَمُ: لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، لاَ أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا، قَالَ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِهِ. (رواه البخاري)، فهل استقبح أو استنكر النبي صلى الله عليه وسلم إصرار هذا الصبي على البُداءة وبركة السبق وقام بطرده في ذلة وصغار بدعوى أنه لم يحترم من هو أكبر منه سنا؟!.

– وقد قبِل النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصبية في جيشه، ومن هؤلاء الغلامان اللذان قتلا أبا جهل فرعون هذه الأمة، اللذان لبَّيا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: بينما أنا في الصف يوم بدر إذ رأيتُ غُلامَيْنِ من الأنصار حديثةً أسنانهما -ما بين الاثنتي عشرة سنة والأربع عشرة سنة- قال: فجاءني أحدهما فغمزني، وقال: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ فقلت: يا ابن أخي، وما تريد منه؟ قال: أُخْبِرت أنه يسب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والذي نفسي بيده لئن التقى سوادي بسواده -أي: جسمي بجسمه أو شخصي بشخصه- ما أتركه حتى يموت الأعجل منا.

قال: وجاءني الغلام الآخر فغمزني وقال لي مثلما قال الأوَّل، وكل منهما حريصٌ على أن يقتل أبا جهل قبل أخيه، قال: فلم أنشب -أي: لم يمر إلا وقت قصير- حتى رأيت أبا جهل يجول في الناس -أي: يضطرب، قلق، يَذْهب ويأتي ليس له مكان ثابت- قال: فلمَّا رأيته، قلتُ لَهُما: هذا صاحبُكما، قال: فابْتَدراه فضربه كلٌّ بِسَيْفه فقتلاه، ثُمَّ اختَصَما على سلبه، فذهبا إلى النَّبيّ -صلى الله عليه وسلَّم- كلّ يقول: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل مَسَحْتُما سيفَيْكُما؟ قالا: لا، فقال: أرِياني، فلمَّا نظر إلى سيفيهما، قال: كلاكما قتله».

الغلام الأول: معاذ بن عمرو بن الجموح، والغلام الآخر: معاذ ابن عفراء، وفي رواية أخرى أن اللَّذَيْنِ قتلا أبا جهل: هُما معاذ ابن عفراء ومعوذ ابن عفراء.

– ومن التربية النبوية لأصحابه تعزيز الشورى في المجتمع، وإشراك الفتيان وسماع آرائهم، جاء عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه مرَّ على حلقة من قريش فقال: “ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا، أوسعوا لهم في المجلس وأسمعوهم الحديث وأفهموهم إيّاه، فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم، فأنتم اليوم كبار قوم”.

وكان ابن شهاب الزهري -رحمه الله- يشجع الصغار ويقول: “لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتتبع حدة عقولهم”.

 

– بل إن النبي صلى الله عليه وسلم عزز في فتيان المجتمع ما هو أكبر من ذلك، وهو قيادة الجيش، وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنها ولاَّه النبي صلى الله عليه وسلم على صغر سنِّه قيادة جيش المسلمين المتوجه لغزو الروم في الشام، وقال له: «يا أسامة، سر على اسم الله وبركته، حتى تنتهي إلى مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد وليتك على هذا الجيش، فأغر صباحًا على أهل أُبْنَى وحرق عليهم، وأسرع السير تسبق الخبر، فإن أظفرك الله فأقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاء، وقدم العيون أمامك والطلائع» ثم عقد الرسول لأسامة اللواء، ثم قال: «امض على اسم الله».

وقد اعترض بعض الصحابة على استعمال هذا الغلام على المهاجرين الأولين، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك غضب غضبًا شديدًا، فخرج وقد عصب على رأسه عصابة وعليه قطيفة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، يا أيها الناس، فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة بن زيد؟ والله لئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله، وايم الله إن كان للإمارة لخليقًا، وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليَّ، وإن هذا لمن أحب الناس إليَّ، وإنهما لمخيلان لكل خير، فاستوصوا به خيرًا؛ فإنه من خياركم».

* وبناء جيل يحمل هَمَّ أمته ويسعى لتحريرها لا بد له أن يمتلك أدوات الصراع ومن أهمها المعرفة التي لا يمكن أن تواجه أعداءك دونها، ولا بد لهذا الجيل أن يعرف مكر أعدائه، وكيف يحاربون، وما هي أساليبهم في إدارة سياساتهم الداخلية والخارجية، وما هي إمكانياتهم ومهاراتهم العسكرية، وطرق قتالهم، ومع من يتحالفون، ومن هم أهم أعدائهم، فمن يمتلك المعرفة يسهل عليه امتلاك القوة.

لقد عمل أعداء الأمة على زعزعة ثقتها بنفسها وزعزعة ثقة شبابها، وما يمتلكون من قدرة على التغيير والتحرر من براثن الاحتلال بكافة أشكالها وأنواعها، إنهم زرعوا في القلوب الوهن والركون إلى الدنيا وأرادوا أن ننسى ونتجاوز ما تعرض له الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال اليهودي لفلسطين من مجازر، والتي على كل شاب وشابة من أهل فلسطين أن يعلموا بها وبمن ارتكبها، والتي كان أشهرها:

– مذبحة بلدة الشيخ 1947.

– مذبحة دير ياسين 1948.

– مذبحة قرية أبو شوشة 1948.

– مذبحة الطنطورة 1948.

– مذبحة قبية 1953.

– مذبحة قلقيلية 1956.

– مذبحة كفر قاسم 1956.

– مذبحة خان يونس 1956.

– مذبحة المسجد الأقصى 1990.

– مذبحة الحرم الإبراهيمي 1994.

– مذبحة مخيم جنين 2002.

بالإضافة إلى الحروب الأربعة على قطاع غزة خلال الأربعة عشر عاماً الأخيرة، والتي قتل وجرح فيها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني.

وعلى شباب الأمة العربية والإسلامية أن يكون على اطلاع بكافة المجازر والجرائم التي ارتكبها النظام الدولي والأنظمة الوظيفية بحق شعوب الأمة في سورية والعراق ولبنان واليمن والأحواز وأفغانستان ومالي ومصر وليبيا والسودان والشيشان وتركستان الشرقية، والكثير من بقاع الأرض من مشارقها إلى مغاربها.

وعلى شباب الأمة الإسلامية أن يثقوا بربهم، وأن يعمل كل واحد منهم على نصرة دينه وقضايا أمته، وأن يرى في نفسه صلاح الدين الأيوبي، وأنه المخلص لهذه الأمة، وأن يتعاون مع إخوانه، وعليه أن يتجاوز الخلافات كلها التي تؤدي إلى زيادة فرقة الأمة.

وعلى الجميع أن يتذكر قصة الغلام الذي كان موته سبباً لإيمان قومه، وسأذكرها ليزداد الشباب يقينا وقوة وإرادة وثقة بالنفس.

قال الإمام مسلم رحمه الله: حَدَّثَنا هَدَّابُ بْنُ خالِدٍ، حَدَّثَنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنا ثابِتٌ، عَنْ عبد الرحمن بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالَ: «كانَ مَلِكٌ فيمَنْ كانَ قَبْلَكُمْ، وَكانَ لَهُ ساحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ قالَ لِلمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلامًا يُعَلِّمُهُ، فَكانَ في طَرِيقِهِ إِذا سَلَكَ راهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلامَهُ فَأَعْجَبَهُ، فَكانَ إِذا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقالَ: إِذا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذا خَشِيتَ أَهْلَكَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ.

فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: اليَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ اليَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الغُلامُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى المَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الغُلامِ، فَجِيءَ بِالغُلامِ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالمِئْشَارِ، فَوَضَعَ المِئْشَارَ في مَفْرِقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ المَلِكِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى المَلِكِ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ في قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ البَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلاَّ فَاقْذِفُوهُ. فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى المَلِكِ، فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ. قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَقَالَ لِلمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ. قَالَ: وَمَا هُوَ. قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ في كَبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي. فَجَمَعَ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ في كَبْدِ القَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الغُلامِ. ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ في صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ في صُدْغِهِ في مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الغُلامِ، فَأُتِيَ المَلِكُ، فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ في أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلامُ: يَا أُمَّهِ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ».

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٤٤ جمادى الآخرة ١٤٤٤هـ 

Exit mobile version