تعليق الزبير الغزي على فتح الكنيسة في اليعقوبية وإظهار مظاهر الكفر فيها

الزبير الغزي

الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد..
فقد بعثَ الله نبيه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدينِ كله، ومن ظهور دينه في بلاد المسلمين: أن لا يبقَى في ديار الإسلام دينان ولا قِبلتان؛ فلا تُقام في بلاد المسلمين كنائس محدثة للنصارى، ولا تُشيد معابد للأديان الكفرية.
ولم يزل علماؤنا في كتبهم يقررون هذا المعنى في عموم كتبهم في السياسة والفقه والأموال وأهل الذمة، بل وكتب الاعتقاد.
وقد صُنِّف في هذا المعنى جملةٌ وافرةٌ من المصنفات المختصة، خاصة مع تساهل دولة المماليك في مصرَ والشام مع النصارى والسماح لهم بتشييد وبناء بعض الكنائس لهم -فضلا عن مئات المؤلفات التي تضمنت هذه المسألة في ثناياها-.

فمما كُتب في ذلك من الكتبِ المختصة:
– “النفائس في هدم الكنائس” و”رسالة في الكنائس والبِيع”: للإمام ابن الرفعة؛ حامل لواء الشافعية في زمانه (ت 710 هـ).
– مسألة في الكنائس: لشيخ الإسلام ابن تيمية الحنبلي (ت 728 هـ).
– كشف الدسائس في ترميم الكنائس: للشيخ تقي الدين السبكي الشافعي (ت 756 هـ).
– “القول المتبع في أحكام الكنائس والبِيع” للعلامة ابن قطلوبغا الحنفي (ت 879 هـ).
– وعشرات الرسائل الأخرى في الباب؛ كرسالة ابن شكم الدمشقي (ت 893 هـ)، وابن نُجيم (ت 970 هـ)، والتمرتاشي الحنفي (ت 1004 هـ).. الخ.

وخلاصة ما قرره العلماء كافةً في هذه الرسائل؛ أنَّ البلادَ التي يقطنها النصارى على ثلاثة أقسام:
1- بلاد أنشأها المسلمون؛ كالبصرة والكوفة.
2- بلادٌ أُنشئت قبل الإسلام، وفتحها المسلمون عنوة بالسيف.
3- بلاد أُنشئت قبل الإسلام، وفتحها المسلمون صُلحًا.

فالقسمان الأولان لا يجوز بناء كنيسة فيها اتفاقًا، ولا ترميم كنيسة قائمة؛ بل تُهدم الكنائس فيها أو تُحول إلى مساجد.
وأما التي فُتحت صلحًا فعلى ما عاهدهم عليه عمر رضي الله عنه، بأن تُقرّّ معابدهم على ما هي عليه؛ على ألا يُظهروا شيئًا من شعائر دينهم لا بالتصوير ولا في الإعلام ولا بدق الناقوس أو رفع الأصوات الخارجية التي يُذاعُ بها شركهم.

وإن بلاد الشام المحررة اليومِ -أدام الله عز الإسلام فيها- من جملة البلاد التي فتحها المسلمون عُنوةً، وكثيرٌ من كنائسها نشأ بأخرةٍ بعد الفتوح، كتلك التي في القنية واليعقوبية، فهي من جملة البلاد المنشأة كنائسها بعد فتح الشام.
فما أحدثوه بعد الصلح معهم -سواء على حين ضعف من المسلمين أو غرة منهم- فلا يجوز إقرارهم عليها؛ بل يجب هدمها وتأديبهم.
فالواجب في هذه الكنائس التي في مناطقنا اليوم؛ الهدمُ وعدم الإذن بترميمها؛ على هذا كانت العهدة العمرية مع نصارى الشام، والتي فيها:
“أن لا يتخذوا من مدائن الإسلام دَيْرًا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة لراهب، ولا يجددوا ما خرب منها”.
ولئن سلمنا أنَّهم يُقرُّون على ترميمها لضعفٍ أو هنة فينا، أو لقول مرجوح -لم أقف عليه-!؛ فإنهم لا يُقرون على نشر صورهم في تعبداتهم الكفرية وشركهم على الإعلام فهذا هو عين الإظهار.
فإقرار هذا وعدم إنكاره من أعظمِ الإثم، فكيف يلقى الله ويجيبه من أذن بترميمها، ثم ظهر في الإعلامُ صور ذلك؟!
أصلح اللهُ أحوالنا..

فرعٌ:
الأصل فيما ذكرناه فعل الصحابة -رضي الله عنهم- في الفتوح، والعهدة العمرية، وما جاء عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: سُئِل ابن عباس ‌هل ‌للمشركين ‌أن ‌يتخذوا ‌الكنائس ‌في ‌أرض ‌العرب؟
فقال ابن عباس: “أما ما مصر المسلمون، فلا ترفع فيه كنيسة، ولا بيعة، ولا بيت نار، ولا صليب، ولا ينفخ فيه بوق، ولا يضرب فيه ناقوس، ولا يدخل فيه خمر، ولا خنزير، وما كان من أرض صولحت صلحا، فعلى المسلمين أن يفوا لهم بصلحهم، قال: تفسير ما مصر المسلمون: ما كانت من أرض العرب، أو أخذت من أرض المشركين عنوة” [مصنف عبد الرزاق: 10845].
وليحذر المسلم من الإعانة على هذا المنكر العظيم؛ فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “من اعتقد أن الكنائس بيوت الله، وأن الله يعبد فيها،  أو أن ما يفعله اليهود والنصارى عبادة لله وطاعة لرسوله، أو أنه يحب ذلك أو يرضاه، أو أعانهم على فتحها وإقامة دينهم، وأن ذلك قربة أو طاعة؛ فهو كافر” [الإقناع 4/287].

وقد جاء في الشروط العمرية مما شرطوه على أنفسهم: “ولا يجدد ما خرب من كنائسنا”.اهـ
ولأنه بناء لا يملك إحداثه، فلا يملك تجديده كالبناء في أرض الغير بغير إذنه.
قال القاضي الشافعي في تعليقه: “مسألة في البيع والكنائس التي يجوز إقرارها على ما هي عليه: إذا انهدم منها شيء أو تشعث فأرادوا عمارته فليس لهم ذلك..”.
وقال الإمام الخلال رحمه الله: “أخبرني عبد الله قال: قال أبي –أي الإمام أحمد-: وما انهدم فليس لهم أن يبنوه”، وقال الإمام الخلال أيضاً: “إن انهدمت كلها بأسرها فعنده –أي الإمام أحمد- أنه لا يجوز إعادتها”.

وقال في الجواهر –وهو من أصحاب مالك-: “أما إذا فتحت صلحاً على أن يسكنوها بخراج ورقبة الأبنية للمسلمين وشرطوا إبقاء كنيسة جاز. وأما إن افتتحت على أن تكون رقبة البلد لهم وعليهم خراج ولا تنقض كنائسهم فذلك لهم ثم يمنعون من رمها..”. [انظر النقول كاملة في: أحكام أهل الذمة، 2 / 314].
وقال الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله: “وهكذا قال الحسن البصري قال: من السنة أن تهدم الكنائس التي في الأمصار القديمة والحديثة ويمنع أهل الذمة من بناء ما خرب” اهـ [سراج الملوك، ص 138].

وبعد؛ فإنَّ مقصد هذا الكلامِ النصحَ لمن ولَّاهم الله أمرنا أن يأخذوا الأمر بحزم وعزم، وأن لا يأذنوا بمثلِ هذا؛ فإنا لنرجو أنها زلةٌ لا تُقر، ومنكر لا يُرتضى، نسأل الله السلامة، وقد قال ابن القيم رحمه الله، في أحكام أهل الذمة (2 / 305):
“فالواجب على ولي الأمر فعلُ ما أمره الله به، وما هو أصلح للمسلمين من ‌إعزاز ‌دين ‌الله وقمع أعدائه وإتمام ما فعله الصحابة من إلزامهم بالشروط عليهم، ومنعِهم من الولايات في جميع أرض الإسلام. ولا يَلتفِت في ذلك إلى مُرجِفٍ أو مُخذِّلٍ يقول: إنَّ لنا عندهم مساجدَ وأسرى نخاف عليهم، فإنَّ الله تعالى يقول: {وَلَيَنصُرَنَّ اَللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اَللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40]. وإذا كان نَورُوز في مملكة التتار قد هدم عامة الكنائس على رغم أنف أعداء الله، فحزب الله المنصور وجنده الموعود بالنصر إلى قيام الساعة أولى بذلك وأحقُّ، فإنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أخبر أنَّهم لا يزالوا ظاهرين إلى يوم القيامة، ونحن نرجو أن يحقِّق الله وعدَ رسوله حيث قال: «يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يجدِّدُ لها دينها» ويكون مَن أجرى الله ذلك على يديه وأعان عليه من أهل القرآن والحديث داخلين في هذا الحديث النبوي، فإنَّ الله بهم يُقيم دينَه”.

ولله در القائد المظفر محمود سبكتكين رحمه الله؛ لما أراد أن يهدم صنم “سومنات” المعظم عند الهنود، وكانوا قد بذلوا له الأموال ليترك لهم الصنم، فقال رحمه الله: “حتى استخير الله عز وجل”، فلما أصبح قال: “إني فكرت في الأمر الذي ذكر، فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة: أين محمود الذي كسر الصنم؟ أحب إليّ من أن يقال: الذي ترك الصنم، لأجل ما يناله من الدنيا”، ثم عزم فكسره.. [البداية والنهاية 12/22].

الهم اجعل لنا فرجًا ومخرجًا، واغفر لنا ذنوبنا، وثبتنا على دينك حتى نلقاك.
والحمد لله رب العالمين

Exit mobile version