أبو يحيى الشامي
ألغى النظام النصيري منصب المفتي الذي كان ملغىً عملياً أو مستعملاً كأداة إعلامية لا أكثر، لكن بقيت رمزيته السنية، وهذه الرمزية مستهدفة كما الوجود السني كله في الشام، وهذا معروف للعالم البصير منذ زمن، وعرفه اليوم كل الناس.
تنبه السوريون الثائرون لما لم يتنبهوا له سابقاً، حيث بقي المفتي المرتزق العميل يدعي تمثيل أهل السنة في الشام مدة وعلماء الشام لا يتحركون لسحب هذه الرمزية منه، وبعد أن ألغى النظام المجرم هذا المنصب انتخب عدد من علماء الشام وطلبة العلم في المجلس الإسلامي الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً لسوريا، وأيد هذه الخطوة أكثر الهيئات والنخب الثورية على ما أعلم، وصمت من صمت، ولم يعارض أحد.
ولقد باركنا بالإجمال هذه الخطوة الهامة، وسألنا الله أن يعين الشيخ أسامة على القيام بهذه المسؤولية العظيمة التي ترتبط بالهوية وأن يلهمه الحق والرشاد، وهذا التأييد لا بد منه فلا يترك لغير أهله، ولا يزهد فيه أهل دعوة الجهاد في سبيل الله، ثم لا بد من بيان بعض الأمور بتفصيل مختصر.
إن منصب المفتي أمانة دينية عظيمة تناط بأهلها، ويُسأل عنها في الدنيا قبل الآخرة، وليس منصباً سياسياً ولا عسكرياً، فلا يقبل من أهله إلا الحق أبلجُ لا مواربة ولا مناورة ولا مداراة فيه، {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران : 187].
لم يتفق السوريون الثائرون على مرجعية دينية جامعة إلى الآن، وهذا يثبته الواقع لا الادعاءات العاطفية، وإن ظهور هذه المرجعية ما أجلِّ ما نرجو، ليلتف حولها وتحت عباءتها أهل الشام المجاهدون، ولعل نشاط المفتي الحر الوسط بين كل التيارات الإسلامية يجمعها على كلمة سواء طال انتظارها، ولا يقدم هذه الجهة ولا يؤخر غيرها قربٌ أو بعدٌ من هذه الشخصية الاعتبارية، فالمفتي إن لم يعامل جميع المسلمين معاملة الأب العادل بين أبنائه لن يحقق ما يُرجى من هذا المنصب ذي الرمزية الإسلامية.
بعض الإخوة أرسل كلمات وآراء للشيخ أسامة – حفظه الله وسدده- منها تأييده للديمقراطية إن كانت ستوصل السوريين إلى الحرية والعدالة!، وبعضهم يستغرب من انتخابه يظن أن الانتخابات محرمة في الإسلام، فأما الأولى وهي الديمقراطية فمعناها معروف وهو حكم الشعب لنفسه بقانون يضعه بالتصويت، وهذا لا يجوز شرعاً وإن قال به من قال، ولا يعني تأييد وجود مفتٍ لأهل السنة في الشام أن يكون معصوماً متبعاً على كل حال، وهاهم الإخوان المسلمون في مصر أصبحوا عبرةً، تبرأنا من عملهم ولم نتبرأ منهم وأحزننا حالهم ومآلهم، والثانية وهي الانتخابات فهي حلال شرعاً إن كانت بضوابطها الشرعية، وهذا له أدلته التي بحثها وأقرها عدد من أهل العلم وما عليك إلا أن تقرأ في المسألة.
تأييداً لهذه الخطوة الدينية الهامة أعلن الكثيرون مباركتهم بعبارة ” نبارك انتخاب الشيخ أسامة الرفاعي مفتياً للجمهورية العربية السورية”، وهذا فيه خطأ واضح لم يتنبه ولم يهتم له أصحاب العلم الشرعي وقادة الفصائل والنخب الثورية، فإنما نحن قمنا بثورة لنستعيد من النظام المجرم أرض الشام لتحكم بما يرضي الله، ولسنا ننازعه على مسمى”الجمهورية العربية السورية”، ثم إن أهل الثورة يجب أن يعلموا مساوئ النطام الجمهوري الدخيل على أمتنا، حتى فقهاء القانون الوضعي يفضلون الأنظمة الأخرى في مقدمتها النظام البرلماني على النظام الجمهوري الذي تقترن به الدكتاتوريات المجرمة.
هذا الموضوع الهام يحتاج إلى نقاش موضوعي عميق وصادق بين أهل الثورة للتأكيد على أن الثورة قامت للتغيير نحو الأفضل، لا تكرار السيء أو الوصول إلى الأسوأ، فالأصل في بلادنا الإسلام والحكم بالشريعة لا العلمانية، ومنصب المفتي عند المسلمين ليس كهنوتياً روحياً منفصلاً ومنفصماً عن الواقع وقول الحق والعمل لإحقاقه، وهنا لا بد من مطالبات ببيان صلاحيات مؤسسة المفتي وبيان الموقف من القضايا الأساسية التي تظهر الهوية الإسلامية والأهداف الثورية، ولا يُكتفى بالصفة التمثيلية المجردة مع تفريغ المنصب من محتواه وإلا فلا فائدة من هذه الخطوة، ويلجأ المستفتي إلى طلبة العلم المقلدين إن أراد الفتيا في العبادات.
اللهم ولِّ علينا خيارنا واجمع كلمتنا على ما تحب وترضى، اللهم آمين.