بذل الوسع في جهاد الدفع|| من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد للشيخ أبو شعيب طلحة المسير

بذل الوسع في جهاد الدفع[1]

لم يكن يعلم الناس أن سفر المجد على موعد بإدلب يحط فيها رحاله ويشيد فيها بنيانه ويكتب فيها معاني العزة والكرامة..

فإدلب رغم عراقتها إلا أن حلب أشهر ودمشق أعظم وبلاد الشام ملأى بالمدن العريقة، ولكنه القدر المكتوب، أن تكون إدلب اليوم هي فسطاط المجاهدين وليس غيرها ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾..

ولأنها اليوم هي خط الدفاع الأول والثاني عن مشرق الإسلام، وهي محط آمال المسلمين، كان التكليف على قدر التشريف، والمسؤولية على قدر الأهمية، والواجب على قدر الأمانة، فبذل الوسع في جهاد الدفع بإدلب من أوجب الواجبات في هذا الزمان.

* لقد تكررت كلمة “جهاد الدفع” في العصور الأخيرة كثيرا وكثيرا جدا، حتى فقدت عند الكثيرين بريقها، ولم تعد عند أكثر سامعيها محفزا لمزيد من التضحية والبذل والجهاد في سبيل الله تعالى، خاصة بعد تضخم التصورات المغلوطة لمفاهيم القدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة، وتزاحم الأولويات…

وليست مناقشة أعذار المتخلف عن ميادين جهاد الدفع هي محل الكلام هنا، ولكن الكلام هنا عن مقدار الجهد الواجب على من خرج في سبيل الله تعالى يدافع عن دين ودماء وأعراض وأراضي الأمة الإسلامية في إدلب وما حولها..

لقد نفر للجهاد في سبيل الله تعالى شباب وشيب وبذلوا وقدموا..، ولكن! لم تكن الحرب في سوريا يوما ولا يومين، ولا شهرا ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتين، بل امتدت تسع سنين متواصلة، ولا أحد يدري متى تضع الحرب أوزارها في سوريا، وهذا الطول في الأمد الذي لم يكن في حسبان الكثيرين جعل الوسع المبذول والجهد المقدم في جهاد الدفع يختلف مع الأيام، فالغالب أن من كان يغيب عن بيته شهورا ما عاد يغيب أكثر من أيام معدودة، ومن كان ينشغل بالجهاد عن عمله ومهنته اتكاء على مال مخزون أو أهل أو جيران أصبح يشغل كثيرا من وقته بعمله وقليلا منه بالجهاد..، وهكذا لم يعد الأمر كما كان ولا الجهد كما سبق، وأصبح التحذير متعينا من حال من قال الله تعالى فيهم: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ﴾..

* وقد نتجت عن ذلك ظاهرتان سلبيتان:

الأولى: أصبح أكثر المجاهدين يعتقد أن مجرد ذهابه خمسة أيام أو عشرة في الشهر للرباط التقليدي هو إسقاط للواجب المكلف به، أو أن مجرد عمله الوظيفي في التدريس أو التمريض أو المعابر أو الإغاثة أو ما شابه ذلك هو قيام بكل ما أوجبه الله تعالى عليه، أو أن مجرد انتسابه لفصيل أو شراءه لبارودة أو دعمه لمجموعة هو جهاده الذي فرضه الله عليه..

الثانية: ظهر مع الأيام تفريغ كثير من الثغور العسكرية من أصحاب الخبرات الحياتية سواء كانوا أكاديميين أو تجارا أو حرفيين..، وشغلهم بالأعمال الخدمية والتنظيمية، وأصبحت كثير من الثغور العسكرية مكانا لمن لا مكان له في تلك الأعمال، مما أنتج ضعفا في الإعداد القتالي والتخطيط العسكري والتحصين وغير ذلك، والعذر الدارج لهجر الثغور العسكرية أن “كله جهاد”..

* إن تلك الظاهرتين تدفعان لمزيد التأمل في معنى جهاد الدفع ومقصوده ودرجاته ومرتبته في الحياة، والوسع الواجب بذله فيه، ومما يعين في ذلك معرفة:

– أن الجهاد ليس مجرد وظيفة بل هو رسالة، فالمطلوب في جهاد الدفع هو بذل الوسع في حماية بيضة الأمة وسد الثغور قدر الإمكان والطاقة، فمن استطاع سد ثغرين فارغين فهو مكلف بهما، ومن استطاع سد ثلاثة أو أربعة من الثغور الفارغة تعين ذلك عليه، وليعلم المجاهد أن الثغر الذي يمكن لغيره أن يقوم فيه مقامه، ويوجد له فيه بدائل، فإن القيام فيه فرض كفاية، خلافا للثغر الذي لا يجد من يسده فإن القيام فيه فرض عين، وليس من السداد الانشغال بفروض الكفاية عن فروض العين.

– وهذا لا يعني انكفاء المرء عن وظائفه ولا عن مصالحه، ولكنه يسعى فيها بقدر ما تعينه على القيام بواجب سد الثغور، فدراسته وزواجه وعمله هو فرع عن جهاده لا أصل له، فيتزود من ذلك بما يساعده على إكمال مسيرة الجهاد، وهو يرتب حياته وأعماله تلك بناء على أولويات ما يستطيع سده من الثغور التي لا تجد من يسدها، ولا يرتب الثغور بناء على مصالحه الشخصية التي يريد القيام بها خاصة إن كانت مرتبة مصالحه كمالية لا ضرورية، والجمع عند التعارض أولى من الترجيح، فإن تعذر الجمع ففروض الأعيان أولى.

– أما التنظيمات الإدارية والتكاليف الشخصية التي توضع داخل كتيبة أو فصيل في جهاد الدفع، فهي أمور مساعدة للدفع ومعينة للمجاهد، ولكنها ليست أوامر جامعة مانعة تُعفي المجاهد في سبيل الله تعالى عن سد الثغور الأخرى الفارغة التي يستطيع سدها؛ فالقدرة التي أعطاها الله جل وعلا للمرء هي مناط التكليف، فطالما وجدت القدرة على العمل ووجد الثغر الفارغ تعين سده، وإن كان المرء قد سد غيره كذلك، ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾، ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾..

* إن معرفة المجاهد بحقيقة الصراع وخطورته يدفعه لمضاعفة الجهود وحمل هم الثغور والمسارعة لكف بأس العدو، فليست المعركة نزهة عابرة ولا صراعا محدودا ولا معركة مؤقتة، فاليوم له ما بعده، والسعيد من وجد صحيفته ملأى بالخيرات ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾..

فيا أيها المجاهد في إدلب العز، الهمة الهمة والجد الجد والبدار البدار:

قد رشحوك لأمر لو فطنت له

 فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

([1]) كتبت سنة 1441هـ.

كتبها

أبو شعيب طلحة محمد المسير

لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد  bdf اضغط هنا 

للقرأة من الموقع تابع

مائة مقالة في الحركة والجهاد الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

Exit mobile version