الواجب في النصيحة بين أهل الجهاد أن تُقرأَ بعين التجرد والإنصاف؛ بعيدًا عن التعصُّب وتتبع الظنون التي لا تغني من الحق شيئًا؛ فمن جعل الظنون حائلة بينه وبين إخوانه في قَبول النصيحة فإنما يزداد بذلك هلاكًا، وإن ظنَّ في تمسكه برأيه وظنونه: النجاة.
كيف وناصحوكم ليسوا متهمون في دينهم؛ حتى يحتاجوا أن يبينوا دوافعهم مع كل نصيحة ومطلب -ألا وهو الحرص على الخير، وحبُّ تماسك الصف-؛ فمن الغرائب أن الناصح بات يحتاج في كل نصيحة يقولها لبيانِ دوافع مقالته وكلامه.. وكثيرًا ما يُتهم مع ذلك بما يطعن في سلامة مقصده النبيل هذا!
وأما ما يمكن أن يحيك في الصدور من هذه النصيحة؛ فإنما هو من وساوس الشيطان ونزغات النفوس التي لا يُلتفت إليها؛ فكلنا في موضعِ القتل، نترقبُّ هجومَ العدو علينا في كل لحظة، وقد ذهب خيارنا شهداء؛ وما زالت الحرب قريبة منا، والعدو محيطًا بنا، والبلاء نازلٌ علينا؛ فلم يبقَ لنا في أرض الشام من أمر الدنيا شيءٌ يستحقّث أن نحرص عليه ونتحدَّث لأجله أو ننصحَ طلباً لتحصيله.
فلا والله؛ لا يدفعنا لنصيحتنا المتكررة؛ لا طلبُ جاهٍ، ولا تعصُّبٌ لجماعةٍ، ولا منافسةٌ على إمارةٍ، ولا حسدٌ على منصبٍ، ولا غير ذلك مما يمكن أن ينفثه الشيطان في العقول ويتخذه مطيَّةً يمنع لتوهمها قبول القول، فإنما هو النُّصح وكفى؛ فـ(الدين النصيحة؛ لله ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم..).
ونقول ما قاله شعيب عليه السلام: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: 88]..
ويعلمُ الله أننا لا نقصد في نصحنا -سواء في قضية العملاء هذه أو غيرها- إلا سلامة مركب الجهاد؛ الذي نحل على متنه جميعًا، ونشق به هذا البحر المتلاطم من الفتن والظلمات والشبهات والمصائب، وأن نبلغ من خلال ذلك إلى الغاية التي نريدها جميعاً على أحسن حال وأيسره بعيدًا عن التخبط والتخرُّص الذي يؤدي إلى تحطيمها وغرقها بلا شكٍّ؛ فتكون عاقبتنا حين ذلك -عياذًا بالله- خسرًا، ما بين شماتة الأعداء ولعنات الأقرباء في الدنيا، وسوء الحساب في الآخرة، وهل شرٌّ بعد هاتين؟! أعاذنا الله وإياكم من الثنتين..
فاسمعوا اليوم للنصحة قبل أن يأتي يوم نبكي فيه ملكًا كالنساء؛ لم نحفظه كالرجال، ويُنشد القائل فينا مقالة الأول:
بذلتُ لهم نصحي بمنعرج اللوا.. فلم يستبينوا الرشد إلا ضُحى الغدِ!
#الزبير_الغزي