الممر الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي.. مشروع اقتصادي أم جيوسياسي؟ – كتابات_فكرية –

الأستاذ: حسين أبو عمر

في قمة العشرين الأخيرة، التي جرت في سبتمبر 2023 في نيودلهي، وقعت كل من الولايات المتحدة والسعودية والإمارات العربية والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا على مذكرة تفاهم بشأن ممر اقتصادي يربط الهند بأوروبا، يمر عبر الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والأردن، وإسرائيل.. يتم الإعلان عن تفاصيله التنفيذية خلال ستين يومياً من توقيع مذكرة التفاهُم..

هذا الاتفاق المبدئي يأتي في ظل توترات اقتصادية ومنافسة جيوسياسية محتدمة بين الولايات المتحدة والصين، التي غاب رئيسها شي جين بينغ عن القمة، والتي استبقت القمة بالإعلان عن استضافة منتدى الحزام والطريق الثالث في بكين في أكتوبر القادم.. توقيت الإعلان عن منتدى الحزام والطريق الثالث قد يوحي بأن الممر الهندي-الشرق أوسطي-الأوروبي أحد أسباب غياب الرئيس الصيني عن حضور القمة.. قبل القمة بشهرين كانت قد تحدثت “يديعوت أحرونت” الإسرائيلية عن خطة أمريكية تقضي بشق طريق بري من الإمارات إلى ميناء حيفا ويمر بالسعودية والأردن، هدفه تصدير بضائع من الشرق الأقصى إلى أوروبا..

احتفى الكتاب السعوديون بالمشروع كثيرا، ووصفوه بالمشروع الذي سيغير المنطقة، وأنه يساهم في تحقيق رؤية 2030، وأنه ليس اصطفافا مع محور ضد آخر، وإنما استثمار التناقضات، والاستفادة من كل الأطراف، وتعزيز النفوذ الجيوسياسي للسعودية…

في الواقع، لا يبدو للمر -بشكله الحالي- أي مزايا اقتصادية.. بل على العكس من ذلك، ستكون تكلفة نقل البضائع بين الهند وأوروبا عبر هذا الممر أكبر من نقلها بحريا عبر قناة السويس، والفوائد التي يمكن أن تجنيها دول العبور من وراء مرور البضائع لن تتناسب أبدا مع التكلفة اللازمة لإنشاء السكك الحديدية والبنية التحتية..؛ الأمر الذي دفع بعض المراقبين لاستبعاد قيام المشروع من الأساس، وبعضهم الآخر أضاف تعديلات حتى ينجح المشروع: كأن يكون المشروع سلاسل إمداد وليس مجرد طرق عبور، وأن يكون المنفذ البحري عبر ميناء جدة السعودي على البحر الأحمر، وليس عبر ميناء حيفا، وغيرها من التعديلات.. وبعضهم قلَّل من شأن المشروع مقابل ضخامة مشروع طريق الحرير الصيني..

في الحقيقة، من الخطأ التعامل مع مشروع “الممر الكبير” كما لو أنه كل ما في جعبة الولايات المتحدة لمنافسة المشروع الصيني.. من الخطأ التعامل مع الجزء كما لو كان كلا!!

وكذلك من الخطأ محاكمة مشروع “الممر الكبير” محاكمة اقتصادية خالصة، دون النظر إلى الدوافع الجيوسياسية الكامنة وراءه..

للمشروع غايتان من وجهة نظر جيوسياسية:

مؤخرا حاولت بعض دول الخليج الخروج من العباءة الأمريكية وتطوير علاقاتها مع الصين، فجاء هذا المشروع لإشراك هذه الدول في عملية احتواء الصين، وهو جزء من سلسلة سياسات وتحالفات تنشئها أو تدعمها الولايات المتحدة في عملية الاحتواء هذه..

الملاحظ أن الولايات المتحدة تعتمد في عملية احتواء الصين على تحالفات متعددة، ولا تسعى إلى إلى بناء تحالف موحد!

كتحالف «كواد» الذي يضم الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان..

وتحالف «أوكوس» الذي يضم كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا..

 وكذلك اتفاق التعاون الأمني الثلاثي بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية الذي تم الاتفاق عليه في قمة كامب ديفيد في 2023.08.18

كما يمكن أن يتكامل مشروع “الممر الكبير” مع مشروع “ممر النمو الآسيوي الأفريقي” الذي أعلنت عنه الهند واليابان في العام 2017، والذي جاء كرد على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية..

الغاية الثانية من المشروع هي ربط الدول العربية بإسرائيل اقتصاديا، وهي خطوة من ضمن خطوات في مشروع أكبر، يتم خلاله دمج إسرائيل في المنطقة سياسيا وأمنيا واقتصاديا؛ وهذا الدمج الاقتصادي لإسرائيل في محيطها سيمنح علاقاتها معهم رسوخا وطول أمد، خاصة إذا كان المشروع يتضمن مرور الطاقة من الخليج إلى أوروبا عبر إسرائيل..

Exit mobile version