الآنسة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
كأني بك أختي المؤمنة حرّانة القلب سكيبة الدمع حائرة النفس أمام أحداثٍ وفتنٍ تترك الحليم حائرًا في أمره لا يدري هل يفرح بالنصر!!! أم يحزن لما آل إليه الأمر!!!
قبل أن تُفتح المناطق:
كانت المؤمنة الغيورة على حرمات الله من أن تنتهك المعظمة لشعائر الله في أوامره ونواهيه تستنكر التبرج في الحجاب وتراه أمرًا جللًا – وهو كذلك – وإذ بها تفاجأ في صبيحة النصر إن صح القول بانتشار السفور وكشف الشعور وهتك الستور يغزو مناطقنا ولا مُنكر ولا مستنكر ولا دفع ذي بال.
كنا نستنكر هجمات التغريب والنسوية وإذ بنا نُفجع بإذلال المحجبات بل وعدم التورع من خطفهن ولولا لطف الله الذي هيأ أسبابًا قدريةً نتيجة الضغوط ما خرجن.
بل رأينا رفع شأن السافرات الكاسيات العاريات المحادَّات لله المحاربات لشرعه واستقبالهن في الشام بالابتسامات والترحيبات رغم الصلف والغرور واستفزاز مشاعر المسلمين والمسلمات بملابس الضيق الغربي الذي جاءت به هذه الحملات التغريبية وإلى الله المشتكى.
كنا نعمل جاهدين لنشر التوحيد ونبذ البدع وإنشاء جيلٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله وإذ بالشرك والتثليث والوثنية تقام له الأعياد!!
طوام ومفارقات بُلينا بها صبيحة النصر… فكيف السبيل!!
هل هذا هو الإسلام الذي سالت الدماء في سبيل تحكيمه؟
هل هذه نتيجة القتال بمقتضى الآية القرآنية: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [البقرة:39].
أين السمع والطاعة لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118].
ثم أليس الاختلاط من الكبائر التي نهى الله عباده عنها!!! فلماذا نترك أوامر الله خوفًا وحياءً من الغرب!!! أليس الله أعلم بما يصلح للبشر وما لا يصلح لهم؟!! وأن الله المبدع في خلقه وأمره خلق المرأة بمواصفاتٍ لا تصلح للجمع والجماعات والمؤتمرات والاجتماعات مع شتى أنواع الرجالات بحجة البناء والإصلاحات في حين خلق الرجل بصفاتٍ تهيؤه لهذا العناء وجعله أمانةً في عنقه مسؤولًا أمام الله عنه، وحملها هي أمانة البيت تكون فيه زهرةً لزوجها فقط لا يجوز قطعيًا أن يشاركه بها أحدٌ ليحافظ عليها ويرعاها ويهيئ لها الأجواء الطاهرة لبناء الأجيال وصناعة الرجال تعبدًا لله وبناءً للأمم وعمارةً للأرض، فإذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان وجعلها من سهامه المسمومة.
فكيف ترضون باستقبالها بين جمعٍ من الرجال وقد خالفت أمر الله وتخلت عن مهمتها التي خلقها لها العليم الحكيم الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، قال ابن القيم: “ومن ذلك أن ولي الأمر يجب عليه أن يمنع اختلاط الرجال بالنساء في الأسواق والفرج ومجامع الرجال”.
وقد اتفق فقهاؤنا بعدم صحة ولاية امرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لن يُفْلِحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهَمُ امرأَةً»، ولكي يتمكن من مخالطة الرجال ويتفرغ لتصريف شئون الحكم، ولأن هذا المنصب تناط به أعمال خطيرة، وأعباء جسيمة، تلائم الذكورة، قل أأنتم أعلم أم الله!!
ثم هل وصل الحال بأن يظن بالله ظن السوء أنه لا ينصر أولياءه الذين ينصرونه لذلك يجب أن يتزلفوا للغرب طلبًا للنصر والتأييد!! وأين نذهب بقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]، هل الغاية تبرر الوسيلة وما هي الغاية هل هي الملك وسكنى القصور؟!!
أين عزة المؤمن وإخلاصه وأهدافه في رفع راية التوحيد؟!!!
حقًا ما يحصل يحزن القلب ويُدمع العين حزنًا وخوفًا على أرضنا وأهلنا من كيد الكائدين ومكر الماكرين الذين لا ينالون منا ما يريدون إلا عندما نبتعد عن النهج الصحيح ونترك الاعتصام بالله ونسعى لإرضاء الناس بسخط الله.
لذلك لا حل لكل هذه المعضلات التي حصلت بعد النصر إلا بالاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه فهما العاصمان بإذن الله من كل قاصمٍ ضدنا، روى الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا، كتابَ اللهِ، و سُنَّةَ نبيِّه» صححه الألباني.
فهل نفلح بطاعة الغرب وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101-100] يقول صاحب الظلال رحمه الله في تفسير هذه الآية: “لقد جاءت هذه الأمة المسلمة لتنشئ في الأرض طريقها على منهج الله وحده، متميزةً متفردةً ظاهرةً، لقد انبثق وجودها ابتداءً من منهج الله؛ لتؤدي في حياة البشر دورًا خاصًا لا ينهض به سواها، لقد وجدت لإقرار منهج الله في الأرض، وتحقيقه في صورة عملية، ذات معالم منظورة، تترجم فيها النصوص إلى حركات وأعمال، ومشاعر وأخلاق، وأوضاع وارتباطات.
وهي لا تحقق غاية وجودها، ولا تستقيم على طريقها، ولا تنشؤ في الأرض هذه الصورة الوضيئة الفريدة من الحياة الواقعية الخاصة المتميزة، إلا إذا تلقت من الله وحده، وإلا إذا تولت قيادة البشرية بما تتلقاه من الله وحده قيادة البشرية، لا التلقي من أحد من البشر، ولا اتباع أحد من البشر، ولا طاعة أحد من البشر، إما هذا وإما الكفر والضلال والانحراف”، فإن اعتصمنا بالله كان الله معنا وذلل لنا كل المصاعب مهما تداعت علينا الأمم.
قال تعالى: {إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ} [آل عمران:120]، قال سيد قطب رحمه الله: “ومرة بعد مرة تصفعنا التجارب المرة، ولكننا لا نفيق.. ومرة بعد مرة نكشف عن المكيدة والمؤامرة تلبس أزياء مختلفة ولكننا لا نعتبر، ومرة بعد مرة تنفلت ألسنتهم فتنم عن أحقادهم التي لا يذهب بها ود يبذله المسلمون، ولا تغلسها سماحة يعلمها لهم الدين، ومع ذلك نعود، فنفتح لهم قلوبنا ونتخذ منهم رفقاء في الحياة والطريق! وتبلغ بنا المجاملة، أو تبلغ بنا الهزيمة الروحية أن نجاملهم في عقيدتنا فنتحاشى ذكرها، وفي منهج حياتنا فلا نقيمه على أساس الإسلام، وفي تزوير تاريخنا وطمس معالمه كي نتقي فيه ذكر أي صدام كان بين أسلافنا وهؤلاء الأعداء المتربصين! ومن ثم يحل علينا جزاء المخالفين عن أمر الله، ومن هنا نذل ونضعف ونستخذي، ومن هنا نلقى العنت الذي يوده أعداؤنا لنا، ونلقى الخبال الذي يدسونه في صفوفنا.
وها هو ذا كتاب الله يعلمنا – كما علم الجماعة المسلمة الأولى – كيف نتقي كيدهم، وندفع أذاهم، وننجو من الشر الذي تكنه صدورهم، ويفلت على ألسنتهم منه شواظ: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:120] فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء؛ وأمام مكرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخداع، الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل؛ ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها اتقاء لشرهم المتوقع أو كسبًا لودهم المدخول، ثم هو التقوى: الخوف من الله وحده ومراقبته وحده هو تقوى الله التي تربط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تعتصم بحبل إلا حبله، وحين يتصل القلب بالله فإنه سيحقر كل قوةٍ غير قوته؛ وستشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يواد من حادّ الله ورسوله طلبا للنجاة أو كسبا للعزة!
هذا هو الطريق: الصبر والتقوى، التماسك والاعتصام بحبل الله، وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة الله وحدها، وحققوا منهج الله في حياتهم كلها إلا عزوا وانتصروا، ووقاهم الله كيد أعدائهم، وكانت كلمتهم هي العليا، وما استمسك المسلمون في تاريخهم كله بعروة أعدائهم الطبيعيين، الذين يحاربون عقيدتهم ومنهجهم سرًا وجهرًا، واستمعوا إلى مشورتهم، واتخذوا منهم بطانةً وأصدقاء وأعوانًا وخبراء ومستشارين إلا كتب الله عليهم الهزيمة، ومكن لأعدائهم فيهم، وأذل رقابهم، وأذاقهم وبال أمرهم والتاريخ كله شاهد على أن كلمة الله خالدة؛ وأن سنة الله نافذة، فمن عمي عن سنة الله المشهودة في الأرض، فلن ترى عيناه إلا آيات الذلة والانكسار والهوان”.
أسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يستعملنا ولا يستبدل بنا ويهيئ لهذه الأمة أمر رشد يعز به أهل طاعته ويذل به أهل معصيته إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.