اللهم أمض لأصحابي هجرتهم[1]
هذا هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بعد أن أتم الله دينه وأكمل نعمته ودخل الناس في دين الله أفواجا؛ حين مرض سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وخشي أن يموت بمكة بعد أن هاجر منها إلى المدينة وتركها لله جل وعلا، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتمم الله جل وعلا الهجرة لأصحابه ولا يُنقصها فقال: «اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد ابن خولة» فوصف سعد ابن خولة بالبائس أي الفقير سيئ الحال رثاء له وحزنا عليه؛ لأنه مات بمكة وهي الأرض التي هاجر منها.
قال ابن حجر: “قال القرطبي:.. من فر بدينه من موضع يخاف أن يفتن فيه في دينه فهل له أن يرجع إليه بعد انقضاء تلك الفتنة؟ يمكن أن يقال: إن كان تركها لله كما فعله المهاجرون فليس له أن يرجع لشيء من ذلك، وإن كان تركها فرارا بدينه ليسلم له ولم يقصد إلى تركها لذاتها فله الرجوع إلى ذلك. انتهى، وهو حسن متجه”.
هذا أيها المهاجرون كلام أهل العلم فيمن هاجر من بلده فرارا بدينه ونصرة للإسلام ثم جاء الفتح وأمن في بلده وتمت نصرة من هاجر إليهم، فكيف بمن هاجر ولم تكتمل بعد الغاية من هجرته فلا زال الأعداء يحاربون الإسلام ويقتلون المسلمين وينتهكون الأعراض ويسلبون المال ويهجرون الشعوب ويحرقون المدن ويسرقون المال ويجاهرون بالكفر والعصيان.
ولا زالت البلاد التي هاجر منها المهاجرون تحت قهر الطغاة وغصب المجرمين، أيعقل أن يرتد مهاجر على عقبه ويخذل إخوانه ويخون أمانته بعد أن من الله جل وعلا عليه فاصطفاه واجتباه واختاره ليكون من عباده المهاجرين المجاهدين!!
إن المهاجرين الثابتين الصابرين هم الذين عرفوا حقيقة الدنيا فباعوها وحقيقة الآخرة فعملوا لها، تركوا العوائد، وقطعوا العلائق، وتخطوا العوائق، فهم الفائزون في الدنيا والآخرة.
إنهم المهاجرون: الذين خرجوا يبتغون: ﴿فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾.
وهم المهاجرون المجاهدون الذين ينتظرون ثواب الآخرة الجزيل: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾.
ورغم أن هؤلاء المهاجرين لم يطلبوا دنيا بهجرتهم إلا أن الله جعل هجرتهم سببا للبركة في دنياهم ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً﴾، ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
وقد رزق الله المهاجرين أنصارا أوفياء ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾.
أيها المهاجر: ما تركت أهلك رغبة عنهم، ولا جئت أرض الجهاد تفضلا، إنما لبيت النداء المقدس وبعت الروح الغالية، فتقصيرك ليس كتقصير غيرك، لقد عرفت الطريق فالزمه، وليس من ذاق واغترف كمن هو دونه.
أيها المهاجر: لا تجزع لتدخل الروس ولا الأتراك، ولا يفتن في عضدك ما لم يخطر ببالك قبل كقتال الغلاة وتأديب المميعة، ولا تحزن إن وجدت أثرة أو فاقة، ولا تلتفت لقيل ولا قال.
أيها المهاجر: ﴿اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾.
والحمد لله رب العالمين.
كتبها
أبو شعيب طلحة محمد المسير
لتحميل نسخة كاملة من كتاب مائة مقالة في الحركة والجهاد bdf اضغط هنا
للقرأة من الموقع تابع ⇓