الفرق بين مذهب الإصلاح
و مذهب الترقيع
من كلام الأستاذ “أحمد سمير” في كتابه “معركة الأحرار”
إن “الإصلاحية” تكون مقبولة إذا كنا نعالج واقعا صحيح الأصل لكن وقع الفساد في بعض فروعه فقط، أما في واقع على النحو الذي شرحناه من البطلان وفساد الأصل ومناقضة الدين والدنيا فلا حَل إلا بمفاصلته ومباينته ثم العمل على تغييره من جذوره.
ويمكن تشبيه الأمر بالثوب السليم، والثوب الشفاف البالي الفاسد الذي لا يستر عورة ولا يغطي جسدا، فالثوب إذا كان سليما في أصله وإنما حدث فيه قطع طارئ في أي جزء من أجزائه فإنه من المقبول أن يتم إصلاح القطع أو ترقيعه، لأنه ثوب في أصله سليم وإنما جاء الفساد عَرَضا على بعض أجزائه دون أن يؤثر على الثوب كله، وأما الثوب البالي الفاسد من الأصل الذي أصبح شفّافا لا يستر عورة ولا يغطي جسدا هل يصلح معه الترقيع؟ وما قيمة الترقيع لبعض أجزائه إذا كان الثوب كله يكشف الجسد ويظهر العورات؟ أليس الأولى من بَذل الوقت والجهد والمال في ترقيع ثوب فاسد بالي هو بذل نفس الوقت والجهد والمال في تغييره كله؟ أليس السلوك الترقيعي مع هذا الثوب البالي فيه إهدار للطاقات وفيه نوع من الإقرار بسلامة الثوب نفسه وكأن المشكلة في الجزء المقطوع فقط؟؟ .. ولذلك فإن الأدق هو أن نستخدم كلمة ” المذهب الترقيعي” في مقابلة “المذهب الثوري” بدلا عن كلمة “المذهب الإصلاحي” لما في كلمة “إصلاحي” من معاني الإصلاح والتي قد يُفهم منها المدح، فالمرقّع لواقع فاسد من أصله ليس مصلحا وإنما هو يفسد أكثر مما يُصلح فهو يهدر الطاقات ويُضفي الشرعية على منظومة باطلة في أصلها، وهل هناك فساد أكثر من ذلك؟
وبذلك تعرف معنى التغيير الثوري بدقة، وهو بذلك يمكن أن يكون متدرجا ويمكن أن يهدأ أحيانا ويشتعل أحيانا كل هذا لا يتعارض مع الثورية، لكن ما يميز المذهب الثوري هو أنه دائما مفاصل للمنظومة التي يستهدف إسقاطها من جذورها، ويعمل من خارجها غير معترف بشرعيتها ولا خاضع لها ولا داخل فيها ولا مختلط بها ولا ملتزم بشروطها، بينما التحرك “الترقيعي” لا يجد غضاضة في الاختلاط بالمنظومة والعمل من داخلها والالتزام بشروطها ويعتبر ذلك من التدرج، وشتان بين التدرج الترقيعي والتدرج الثوري!
المذهب الثوري منطلقه هو “منهج واضح وقيم راسخة” وعليه يرسم خطواته الواقعية ولا يوجد لديه أي مساحة للتنازل عن القيم والمبادئ، ولا يجعل الواقع الفاسد يؤثر على مبادئه، بل هو الذي يفرض مبادئه على الواقع، وأما التحرك الترقيعي فمنطلقه “الواقع” وعليه يحدد ما يمكن التمسك به من القيم داخل هذا الواقع الفاسد وما يجب التخلي عنه الآن! فالتغيير الثوري عند فساد الواقع تكون غايته سلامة المنهج، والتغيير الترقيعي تكون غايته منهج السلامة!
المذهب الثوري يبادر بالمواجهة ويدفع ثمن هذه المواجهة باختياره، وأما المذهب الترقيعي فإنه يتجنب دفع هذا الثمن، ويهرب من هذه المواجهة ويحاول تجنبها بتصالحه مع أصل الواقع، ليجد نفسه في النهاية يدفع أضعاف أضعاف ما يدفعه الثائر ولا يحقق شيئا مما حققه الثائرون!
وبذلك تعرف أن التغيير الثوري لا يعني الجمود ولا يعني الاستعجال وعدم الحكمة ولا يعني عدم إدراك الواقع والاستغراق في المثاليات كما يحاول أعداؤه تصويره دائما،، بل عند فساد الواقع فالمذهب الثوري هو الأكثر حكمة وإدراكا للواقع لكنه لا يعرف الترقيع ولا أنصاف الحلول ولا يعرض مبادئه في سوق التنازلات ولا يخالف القيم التي يؤمن بها، فهو يسعى لكسر قيود العبودية لا أن يتصالح معها مقابل تحسين بعض ظروفها كما يفعل “الترقيعيون”!
ومن أمثلة العمل “الترقيعي” في هذا الواقع ما نراه من سعي البعض إلى الوصول للسلطة المتغيرة تحت مظلة ورعاية الطغاة الفاسدين في السلطة الثابتة، فالمذهب الترقيعي يهرب دائما من مواجهة السلطة الثابتة فيفترض أن الوصول للسلطة المتغيرة هو أسلم وسيلة للتغيير المتدرج الهادئ، وكأن الطغاة في السلطة الثابتة سيسلمون رقابهم طواعية لمن يخلعهم مع الوقت، إن الطغاة لا يرسمون من الطرق إلا ما يوصل إلى ما يريدون، وإذا تركوا لك مقعدا او مقعدين في البرلمان بل ولو تركوا لك البرلمان كله أو لو تركوا لك منصب الرئاسة نفسه فإن ذلك حتما سيصب في خطة يريدونها!