العقلية الجبرية وإفرازاتها – مجلة بلاغ العدد ٦٠ – شوال ١٤٤٥ هـ • April 20 at 07:20 م

د. أبو عبد الله الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فهذا مضمون مقال قديم رأيت من الجيد إعادة نشره لتوضيح آثار العقلية الجبرية البعثية وسلوكياتها التشبيحية التي باتت واضحة في واقع ثورتنا خاصة بعد تصاعد وتوسع التيار الإصلاحي الهادف لاستعادة روح الثورة ومبادئها والحفاظ على مكتسابتها في مواجهة التعنت الشرس للثورة الزائفة التي تسلطت على الثورة وضيعت تضحياتها ومقدراتها ونفذت أجندة أعدائها فأقول وبالله التوفيق: روى الإمام أحمد رحمه الله عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال:”كنا جلوسًا في المسجد، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد، أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافةً على منهاج النبوة»”.

وإن المتأمل لواقع جماعات الإسلام الحركي وسلوك أفرادها، يرى بوضوح آثار العقلية الجبرية على مستوى الرؤية والاستراتيجيات والتطبيقات، ولذلك أصبح معتادًا رؤية نماذج عملية تحاكي نماذج الواقع الجبري، الذي كرسه حكم الطواغيت، علمًا أن بذور هذا الواقع ارتبطت بالجبرية السياسية وإفرازاتها العقدية، التي برزت خلال مراحل مختلفة من التاريخ الإسلامي، غير أنها نمت وتجذرت في أواخر الملك العثماني، لتزداد تكرسًا وتجذرًا في ظل حكم الطواغيت، الذين سلطتهم المنظومة الدولية الجاهلية بعد إحكام سيطرتها على العالم إثر سقوط الملك العثماني، والحربين العالميتين الأولى والثانية.

هذا وإن من أخطر نتائج هذه العقلية الجبرية؛ هو تشويه المفاهيم السنية المرتبطة بالحكم الإسلامي الراشد، وتقديم تجارب حكم مستنسخة عن الحكم الجبري الطاغوتي، مع إلباسه لبوسًا شرعيًا.

وفي سياق ما سبق؛ فليس مستغربًا رؤية نماذج عملية تحاكي نماذج الواقع الجبري في تجارب جماعات الإسلام الحركي عامة، وجماعات الإسلام السياسي والإسلام الجهادي خاصة، ومن أبرز هذه النماذج:

 

1- العقلية الفرعونية المستبدة: وهي تقوم على قاعدة: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) على حساب العقلية الراشدة القائمة على قاعدة (وأمرهم شورى بينهم) وقاعدة (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

2-العقلية البراغماتية: وهي تقوم على أساس أن الشرع والدين لا يعدو كونه وسيلة يتم من خلالها تحقيق المنافع والمصالح، ولذلك فالتناقض والاضطراب وعدم الاطراد والتلون، هو ما يحكم أطروحات أصحاب هذه العقلية، بخلاف العقلية الراشدة التي تجعل الدين والشرع حاكمًا لتصوراتها وسلوكها، فينعكس ذلك ثباتًا واتزانًا واطرادًا، دون ادعاء عصمة.

3-العقلية الجامية: وهي عقلية علماء الطواغيت، الذين يشرعنون للطواغيت سلوكياتهم وانحرافاتهم، ويدأبون على محاربة خصومهم بالبيان والسنان.

4- العقلية المرجئة: وهي عقلية العامة من الأتباع، حيث تسود العقلية الجبرية والإرجاء الحركي، الذي يجعل العامة ترضى بدور وظيفي يكرس الواقع الجبري.

وفي ضوء ما سبق؛ يتضح الآتي:

 

1- طغيان العقلية الجبرية وإفرازاتها على حساب العقلية الراشدة في تجارب الإسلام الحركي؛ سبب رئيس في تشويه المفاهيم السنية المرتبطة بالحكم الإسلامي الراشد، وتقديم تجارب حكم فاشلة بنسخ غالية وجافية، يستثمرها الأعداء في التشويه والإسقاط.

 

2- المشروع الإسلامي الراشد يحتاج إلى عقلية راشدة، تقوم على تصور صحيح وسلوك سني لا إفراط فيه ولا تفريط، وبناء هذه العقلية يحتاج إلى تحرر من العقلية الجبرية، والتربية على معاني الحكم الراشد من خلال تطبيق (فعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ).

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٠ شوال ١٤٤٥ ه

Exit mobile version