الشيخ سفر الحوالي وحماس وتحكيم الشريعة

 كان الشيخ سفر الحوالي فك الله أسره من الداعمين ماديا علنا وبقوة لحماس زمن الحملة الإسرائيلية على غزة آخر سنة ٢٠٠٨ وأول سنة ٢٠٠٩، وكان أغنياء مكة ووجهاؤها يأتون بتبرعاتهم له، وهو يرسلها لهم.

 بعد توقف الحملة زرته، وقد كانت هناك زمالة قديمة بينه وبين والدي رحمه الله أول التسعينات في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين جامعة أم القرى، وفي الزيارة سألته عن رأيه في تأخير حماس تطبيق الشريعة رغم سيطرتها على غزة منذ سنين ورغم ثباتها ضد الحملة الإسرائيلية.

 فقال: لا يجوز تأخير تطبيق الشريعة ولا ليوم واحد.

 فلم تمنعه نصرته لحماس في قتال اليهود، من نصرة تحكيم الشريعة التي لم تطبقها حماس.

 وكان جوابه هذا مما شجعني على كتابة مقال:
《هلموا إلى تحكيم الشريعة
نِداءٌ إلى أهل الحَلِّ والعَقد، وحركةِ حماس، وعمومِ المسلمين في غزَّة العِزَّة 》
https://www.alukah.net/sharia/0/5771/

■ وعرضته وقتها على عدد من المشايخ فاستحسنوه ونشرته في تلك الأيام..

● إن تحمل حماس اللأواء وصبرها على الشدائد نصرة للقدس الشريف وعدم الالتفات لدعاوى الخنوع بزعم عدم القدرة يتعارض مع بقاء محاكم غزة تحكم بالطاغوت إلى الآن بزعم عدم القدرة، مما يؤكد أن تطبيقهم لمفهوم المصالح والمفاسد صحيح في نصرتهم القدس باطل في خذلانهم تحكيم الشريعة.

* أسأل الله أن يصلح الحال.

الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

المقال

هلموا إلى تحكيم الشريعة

نِداءٌ إلى أهل الحَلِّ والعَقد، وحركةِ حماس، وعمومِ المسلمين في غزَّة العِزَّة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم.

وبعد، فيا أَحبِّتَنا في أرض غزَّة الحبيبة، أرضِ الرِّباط والجهاد، في أكناف بيتِ المقدس الذي بارَك الله حولَه:

هنيئًا لكم وبشرى، لقد اجتاحتْكم عواصفُ وزلازلُ تهزُّ الجِبال الرواسي، وانتابتْكم خطوبٌ فوقَ خطوب، ولكن هيهات هيهات أن تُوهِنَ تلك المحنُ عزائمَ الصابرين! الذين استشعروا عظمةَ الله وصِدْق وعدِه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لاَ تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 153-157].

وهيهات هيهات أن تَفُتَّ تلك المؤامراتُ في عَضُد مَن استجاب لأمرِ الله! فلم يَهِن، ولم يحزنْ، متدبِّرًا عظيمَ النِّعم، ووفيرَ المنح التي تُسدَى مع المحن؛ ﴿ وَلا تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 139 – 142].

إخوةَ الإيمان:

لا يَخفى عليكم أنَّ الإسلام دينُ الله الذي ارتضاه لعباده، وهو استسلامٌ لله – جلَّ وعلا – وانقيادٌ لشَرْعه، ودخولٌ في الإسلام بكافَّة شرائعه، خلافًا لسبيل مَن اتبع الشيطان الرجيم، وآمن ببعض الكِتاب، وكَفَر ببعض؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 208].

ولا يَخفى عليكم أنَّ من ركائزِ دين الإسلام تطبيقَ شَرْعه، والاستسلامَ لحُكمه؛ ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10]، ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ [النساء: 105].

وقد نهى الله – جلَّ وعلا – المؤمنين عن اتِّباع أهواء المنافقين الذين يُريدون فتنتَهم عن بعض ما أنزل الله، ووضَّح حالهم؛ قال – تعالى -: ﴿ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 49 – 50].

وقال – سبحانه وتعالى -: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾ [النساء: 60 – 62].

وحذَّر الله – جلَّ وعلا – المؤمنين من ترْك تحكيمِ الشريعة خشيةً من الناس؛ قال – تعالى -: ﴿ فَلاَ تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44]، وبيَّن أنَّ الكفَّار يتركون الهُدَى متعلِّلين بزعمِ الخوف من الأذى والمحاربة؛ قال – تعالى -: ﴿ وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ [القصص: 57]، وطمأن الله – جلَّ وعلا – أهلَ الإيمان بقوله: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ﴾ [الزمر: 36، 37].

إنَّ الأمر بتحكيم الشَّرْع والتحذير مِن خِلافه واضحٌ جلي، وهو مِن مُحْكَمات الشريعة الغرَّاء، ولا يَسوغُ تعطيلُ أحكام الشَّرْع لشُبهٍ واهية، تخدع العقولَ بكلام مُنمَّق، وفنونٍ مِن الجدل، وقلبٍ للحقائق، بعيدًا عن إحكامِ نصوص الشَّرع؛ ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]، ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 11].

والنوايا الطيِّبة لا تُصحِّح العمل الفاسد، ولا تُغيِّر حقيقةَ الفِتنة، وإحسانُ الظنِّ بالمسلمين لا يعني التهاونَ في ركائز الشَّرع، وتقليدُ الأكابر ليس حَكمًا على الشَّرع؛ بل إنَّ الشَّرْع حَكمٌ على الأقوال والأعمال، ومسايرةُ القواعد الإداريَّة – التي ينادي بها الغرب – ليس حُجَّة في دِين الله – جلَّ وعلا – وليحذرْ كلُّ امرئ تَرَكَ الاستجابةَ لأمر الله أن يَحُولَ الله بينَه وبين قلبه؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 24 – 27].

إخوانَنا المسلمين في حركة حماس:

إنَّ في تحكيم الشَّرْع المطهَّر استجابةً لأمر الله، واعتصامًا بحبله، وجمعًا لشتات أهلِ الخير، وفضحًا للمنافقين، وإغاظةً للكافرين، وبشرى للمسلمين أجمعين، ومعرفةً بقدر الدِّماء التي أُريقت في شتَّى بقاع الأرض؛ لأنَّها تطالب بتحكيمِ الشريعة، فهَلمُّوا إلى تطبيق شرْعِ الله حكمًا عدلاً، واصْدُقوا ما وعدتم، ألستُم القائلين: “حركة المقاومة الإسلاميَّة: الإسلامُ منهجُها، منه تستمدُّ أفكارَها ومفاهيمَها وتصوراتِها عن الكون والحياة والإنسان، وإليه تحتكم في كلِّ تصرُّفاتها، ومنه تستلهم ترشيدَ خُطاها”.

واعلموا أنَّ شَرعية الحُكمِ تُستمدُّ من تحكيم الشريعة، والفُرقان تمييزٌ بين سبيل الله وسبيل الشيطان؛ ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51]، ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/5771/#ixzz6voRPWSdP

Exit mobile version