الأستاذ: حسين أبو عمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المجاهدين، وعلى آله وصحبه الأبطال الميامين، وعلى من سار على نهجهم إلى يوم الدين.. أما بعد؛
أثارت قضية الحرب بين الكيان والحزب نقاشاتٍ حادةً في الأوساط السُّنية، أحدثت شرخًا بين أهل السُّنة.. صحيحٌ أنه وُجدت أصواتٌ بحكمةٍ وعدلٍ، فلم يدفعها ضغط الواقع والخوف من المستقبل للتكلم بمدح الظالمين الذين أذاقوا أهل السُّنة الويلات، وفي نفس الوقت لم تُغفل خطورة العدو الصهيوني وخطورة المرحلة التي نحن فيها؛ أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور إياد قنيبي والأستاذ أحمد السيد -حفظهما الله-
إلا أن الحالة العامة لم تكن كذلك؛ وإنما تحولت إلى تخندقٍ، واستقطابٍ حادٍّ، وتنازعٍ، وتراشق تهمٍ بين أهل السُّنة؛ ففريقٌ راح يمدح أكابر مجرمي الحزب، ويؤسلمهم، ويجعل منهم أبطالًا!! وفريقٌ آخرُ مشغولٌ بالشماتة وغافلٌ عن خطورة اللحظة التي نحن فيها!!
من المغالطات التي يدندن حولها الفريق الأول:
المغالطة الأولى:
القول بأن إيران وميليشياتها دخلوا الحرب كجبهة إسناد لغزة، وأنهم قدموا التضحيات الجسام نصرةً لأهل غزة..
وهذا الكلام مجانبٌ للصواب، وفيه تضليلٌ للرأي العام، وإعادة فتنة الناس بالحزب؛ والحقيقة أن إيران وميليشياتها لم يشاركوا في الحرب كجبهة إسناد لغزة، وإنما شاركوا فيها لأسباب خاصةٍ بهم:
أولًا: هم دخلوا لأن مشروعهم التوسعي قائمٌ على المتاجرة بقضية فلسطين وبالمقاومة، وبقاؤهم متفرجين يضعهم في حرجٍ كبيرٍ وتشكيكٍ أمام الأتباع.
ثانياً: دخلوا لأنهم رأوا في حرب غزة ابتداءً فرص / مخاطر:
فرصٌ في تحقيق بعض المكاسب الخاصة: الحزب في قضية ترسيم الحدود مع الكيان، وفرض واقعٍ يمنع الكيان من مهاجمتهم؛ وقد جاء ذلك صريحًا على لسان أمينه العام حسن نصر الله في خطابه عقب اغتيال الكيان للقيادي في حماس صالح العاروري، حيث قال: “إننا أمام فرصةٍ تاريخيةٍ للتحرير الكامل لكل شبرٍ من أرضنا وتثبيت معادلةٍ تمنع العدو من اختراق سيادتنا”، والطرف الآخر لعب عليهم في ذلك، فكان يعطيهم أملًا زائفًا ويمنيهم بمكاسب لو بقوا عند قواعد الاشتباك؛ فالتزموا هم بقواعد اشتباكٍ صارمةٍ، لا يتخطونها، ولم يسمحوا حتى لغيرهم بتخطيها -حتى انتقدهم أكثر من واحد من قيادات حماس على مشاركتهم الخجولة- وهذا أعطى الكيان فرصة التفرغ لغزة، حتى خرج نتنياهو في مؤتمر صحفي في 7 نوفمبر 2023 ليقول: “إن الحزب لم يعد يشكل تهديدًا من الشمال”.
وأما المخاطر التي رأوها في حرب غزة: فيتحدث عنها أحد المقربين منهم، الدكتور حسام مطر، أستاذ العلاقات الدولية، حيث قال في مقابلة على تلفزيون الجديد في 5 أكتوبر 2024: “نحن كنا ذاهبين إلى الحرب سواءٌ كان في جبهة مساندةٍ وإلا لم تكن”، وأضاف أنهم دخلوا الحرب بهذه الطريقة الملازمة بقواعد اشتباكٍ صارمةٍ لغاية: “محاولة تقليل احتمالات الحرب من خلال إظهار قدرات”، فهذا من المقربين منهم يتحدث عن أن سبب الدخول الاستعراضي هو محاولة تقليل احتمالية الحرب عليهم، بينما تريد بعض “النخب” السُّنية إجبارنا على الاقتناع بأنهم دخلوا من أجل غزة!!
والعجيب! الآن يكرر الإيرانيون نفس الاستراتيجية التي فشلت في تجنيب الحزب الحرب!!
المغالطة الثانية:
أن الصهاينة كانوا سيتوقفون عن استهداف الحزب إن تخلى عن غزة، وأن الحزب هو من كان يرفض! وهذه أكبر من تلك..
في بداية الحرب كان عند الأمريكيين واليهود تخوفٌ حقيقيٌّ من توسع الحرب؛ ولذلك مارسوا استراتيجيتين لإبقائهم عند مستوىً معينٍ من الاشتباك:
الأولى: حشد واستعراض القوة والتلويح باستعمالها لأبعد حدٍ في حال تدخلهم بشكلٍ حقيقيٍّ.
الثانية: أعطوهم أملًا زائفًا، فكان المبعوث الأمريكي هوكشتاين أكثر الوقت في لبنان، ويتحدث عن أن: “الكل متفقٌ على تجنيب لبنان الحرب”، بل وغالبًا كان يمنيهم بمكاسب لو التزموا بقواعد الاشتباك؛ فأبقوهم خارج المعركة حتى دمّر الصهاينة غزة، ثم استداروا عليهم، ولن يتوقفوا حتى لو أوقف الحزب القصف، وضبط الحدود..
والعجيب! أن الأمريكيين طرحوا مبادرة هدنة لـ 21 يومًا قبل اغتيال حسن نصر الله بيومين فقط!! وقرار تصفيته تم اتخاذه قبل ذلك بأيام، كما خرج في التسريبات.. مارسوا عليهم التضليل والتخدير إلى هذا الحد!!
وحاليًا؛ يتعرض الحزب لعملية إزالة وجود، وتتعرض حاضنته لمجازر، ومن البديهي أن يكون هو نفسه قد جهز سلاحًا غير تقليديٍ لمثل هذه اللحظة لردع “الأعداء”؛ فلِم لا يُمطر الحزبُ تل أبيب وغيرها من مدن الكيان بأسلحةٍ غير تقليديةٍ، أو حتى على الأقل يُهدد بما يُفهم منه النية باستعمالها؟! أم أن الكيماوي مخصصٌ فقط للاستعمال ضد مدن أهل السنة وأطفالهم ونسائهم وشيوخهم؟!
المغالطة الثالثة:
أنهم عمدوا إلى بطون الكتب والتاريخ للبحث عن أي دليلٍ يعينهم على إثبات أسلمة الرافضة، وإثبات أنهم جاهدوا الكفار؛ ليسقطوا هذا الكلام على إيران ومليشياتها!!
وأنا لا أقلل أبدًا من الاختلاف مع الرافضة في أبواب العقائد، لكن اختزال الاختلاف مع إيران ومليشياتها بهذه الجزئية تدليس؛ إذ أن ما لا يجهله عاميٌّ فضلًا عن مدعي علم أن إيران والمليشيات التابعة لها لهم مشروعهم الخاص، الذي يتضاد مع شريعة الإسلام، وأنهم حربٌ على أهل السنة في عامة البقاع الإسلامية، وأنهم ناصروا الأمريكيين والروس وغيرهم من الكفار على المسلمين، ومازالوا إلى ساعتهم هذه يوالونهم، في 2016 كتب فهمي هويدي مقالًا تحت عنوان: «هل تصبح إيران شيطان العرب الأكبر» قال فيه: “إن الدولة القومية في إيران مستعدةٌ للتفاعل مع الغرب والتقارب مع إسرائيل بأكثر من استعدادها للتفاعل مع العالم العربي”، هذا رأي واحدٍ من الذين كانوا متحمسين جدًا للثورة الإيرانية، وألّف عنها كتابًا «إيران من الداخل»، وصل إليه بعد تجربةٍ طويلةٍ..
وننبه على أن رفضنا للترويج لهم لا يعني أننا لم نتمنى تورطهم في الحرب، بل على العكس؛ كنا نتمنى تورطهم منذ البداية في الحرب، وأن يَستنزفوا الكيان، ويخففوا عن أهلنا في غزة؛ والآن نتمنى أن يستنزف الحزبُ الكيانَ، وأن تدخل إيران في حربٍ مع الكيان..
ضرر خروج الكيان بانتصارٍ كبيرٍ في هذه الحرب ضد محور إيران لن يقتصر على أهلنا في غزة -نصرهم الله على عدوهم-، أو على أهلنا في باقي المناطق الفلسطينية، إنما سيشمل المنطقة برمتها، وحتى مناطقنا المحررة لن تسلم منه في المدى المتوسط وليس حتى البعيد؛ ولو رأى البعض في الواقع فائدةً آنيةً، ولو عاش البعض نشوة اللحظة غافلًا عن المآل..
وهنا ننبه على أننا لا نعلم أحدا من أهل الفضل أثنى على الكيان، أو روج له حتى نستطرد في الرد عليه.. وإنما لم يفرح بما فعله الكيان في غزة إلا منافق ظاهر المنافق..
ختاماً: أمام ما حصل لإخواننا في غزة، وأمام المخاطر المحدقة بمنطقتنا برمتها، كان تعاطينا وتفاعلنا عجيبًا!! علماء ورؤساء وأعضاء هيئات علمائية كبيرة ونخب ومثقفون، وأصحاب مراكز ودراسات أمنية واستراتيجية، وإعلاميون، يتحدثون عن خطورة الوضع، ويلومون أهل السنة على تقصيرهم في نصرة أهل غزة، وعلى عدم استعدادهم للحظة الحرجة؛ ولا أدري مَن يقصد هؤلاء بلومهم؟!! آلعوام؟!! وإذا لم يتصدر هؤلاء العلماء وهذه النخب الجموع ويبادرون إلى فعل ما ينبغي فعله فمن سيبادر؟!! وهل تبرأ الذمة عند الله بمجرد إصدار الفتاوى أو الدراسات؟!!
وآخرون، جعلوا من عمالة الحكام شماعةً يُعلقون عليها، ويبررون بها، هذا التثاقل والقعود وهذا الخذلان!!
وقسمٌ منهم، وبدلًا من أن يقوموا بالواجب المناط بهم، أضافوا إلى توجيههم اللوم إلى أهل السنة، الثناء على إيران وعلى مليشياتها!! يحاولون غسل جرائم القوم بحق أهل السنة، بحجة أنهم ناصروا أهل غزة؛ فهم يساهمون بفتنة الناس في دينهم، ويتحملون إثم من يضلُّ من الناس، وكذلك ما يمكن أن ترتكبه مليشيات إيران من جرائم مستقبلاً.
نسأل الله أن يهيئ لأهل السنة أمرَ رشدٍ، وأن يرزقهم نخبًا واعيةً عاملةً، تقودهم إلى الهدى والنصر.
لتحميل نسخة من المجلة BDF اضغط هنا