التهجير والحسابات الواهمة كلمة نشرت قبل حملة التهجير الأخيرة…. قبل أكثر من سنة

مجلة بلاغ- العدد الثامن- جمادى الآخرة- ١٤٤١January 28, 2020

كلمة التحرير

لو كان الصبر يباع لأفاضت إدلب منه على شتى البلاد، فقد صبر وصابر الثابتون فيها صبرا لا مثيل له في دنيا اليوم؛ فهم الذين تكالب عليهم العدو من أقطارها، ونازلتهم جيوش الغاصبين في كل شبر من ديارهم فنازلوها ونازلوها ولا زالوا ينازلونها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

– لم يثنهم عن جهادهم مغنم ولا مغرم ولا نصر ولا هزيمة ولا دعم ولا حصار..

– فهم هم الذين وقفوا بحناجرهم أمام الرصاص..

– وهم هم الذين فجَّروا في عدوهم المفخخات..

– وهم هم الذين حرروا شرق البلاد وغربها..

– وهم هم الذين هُجروا من أقصاها وأدناها..

– ثم هم هم اليوم يقفون أمام الحملة الروسية النصيرية الجديدة على إدلب ومعرة النعمان وريف حلب.

* آلات دمار شامل أزالت الجبال من أماكنها وصدعت الأرض وهدت المدن، ومع ذلك ثبتت قلوب الصادقين وأقدامهم ينتظرون نصرا أو شهادة.

حرْقُ الأطفال وتناثر الأشلاء هو المشهد القديم الجديد في الثورة، ولكن هيهات هيهات، فهذه طرائق الصليبيين والتتار قبل هؤلاء الكفار، فهل نفعهم إجرامهم؟ وأين اليوم ملكهم؟

إدلب الآن هي ميراث: حلب ودمشق وحماة وحمص ودرعا..، وهي بقايا ثورات: تونس ومصر واليمن..، وهي كذلك تاريخ عريق تشهد عليه: جدران معرة النعمان وأسوار حارم وثغور جسر الشغور..، والصبر فيها صبر على أمانة ثقيلة جليلة.

* واليوم، وقد عادت موجات تهجير السكان في الجزء الباقي من إدلب المحررة؛ حيث ينتقل المستضعفون من مكان لآخر ومن قرية لأخرى خوفا من مجازر النصيريين والصليبيين -يعول البعض على “الآخر” والحسابات والموازنات السياسية التي توهم المخدوعين بها أن العالم عامة والغرب خاصة يخشى من موجات تهجير جديدة لدوله إن استمرت المجازر، وأنه لذلك سيسعى في تحجيم قصف العدو، وأنه كذلك يخاف أن يتخلل تلك الموجات التي قد تأتي لبلادهم مجموعات مسلحة مصنفة عندهم على قائمة الإرهاب..

لذا يهدد البعض بأنه يمكن كسر الحدود إن استمرت تلك المجازر، فيصيب الغرب ما يحذره..

والحقيقة: أن المعركة في الشام ليست وليدة اليوم، وأن تلك الحسابات هي حسابات عارضة محدودة التأثير ضعيفة الفاعلية، لم تكن في يوم من الأيام حاسمة ولا جازمة.

– فكم أغلقت الدول المجاورة الحدود وقتلوا كل من اقترب منها، فما استطاع أحد العبور؟

– وهل يشق على الدول المتآمرة أن تجعل مسار التهجير إلى مناطق درع الفرات وغصن الزيتون وشرق الفرات؟

– وإن كان العالم لا يريد لاجئين، فلماذا منحت تركيا ودول الغرب مئات الآلاف من السوريين جنسيات تلك الدول، فأصبحوا من المواطنين الأتراك والألمان والإيطاليين..؟!

– وهل بالى الغرب الكافر بتهجير الملايين من غرب العراق وشرق سوريا في قتاله لتنظيم الدولة، رغم علمه بخطورة تسلل مقاتليهم إلى بلاد أوربا؟

– إن استخدام العدو المجرم لأسلوب حرق المدن الذي تترتب عليه موجات التهجير لا بد أن يواجه في الأساس بناء على مبادئ الحرب التي تقتضي: النكاية في العدو، وردعه، واستحداث الوسائل الدفاعية التي تمنع كثيرا من جرائمه، وكذلك الثقافة العسكرية في المجتمع والمتعلقة بالإنذار والاحتماء وفض التجمعات والتي تقلل من خسائر الأمة.

وبعد ذلك لا بأس من استخدام ورقة الضغط على الحدود، والتهجير بين الدول، والأزمات الإنسانية، وتعاطف الشعوب..، وغير من ذلك من وسائل مساندة لم تكن في يوم من الأيام أساسا قويا من أسس ثورات الشعوب المسلمة.

– حفظ الله إدلب وأهلها من كيد الكفار وتآمر الأشرار، وما لنا غيرك يا الله يا جبار.

الشيخ أبو شعيب طلحة المسير

 

Exit mobile version