أيها المسلم الغيور: لا تجزع.. رسالةٌ مِن أخيك الغزيِّ مِن تحت أحزمة النار.. مجلة بلاغ العدد ٥٦ – جمادى الآخرة ١٤٤٥ هـDecember 21, 2023

الأستاذ: الزبير أبو معاذ الفلسطيني

 

أيها المسلم..

يا من تظن أنك لا تَملك من أمرِك شيئا، وتتابع مآسينا بحُرقةٍ وألمٍ وغضب، إياك أن يتحول حزنك وغضبك إلى يأس وإحباط لظنك الفاسد في نفسك، فأنت تملك الكثير، وما نريده منك الآن أن تحافظ على غضبك مشتعلًا في صدرك إلى أن تتعرف على مكامن قوتك.

لا تستسلم لهاجس خذلانك لنا في قطاع غزة، نحن خُذلنا نعم، ونُباد بأيدي كفرة أهل الكتاب وأعوانهم المرتدين من بني جلدتنا؛ وأمةُ محمد صلى الله عليه وسلم تتفرج على إبادتنا، ونحن الذين خرجنا لندحض بالدم زعم يهود أنّ “محمدا مات وخلّف بنات” كما كانوا يصرخون في باحات الأقصى، فاكتفت أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم بالدعاء لنا ولم تتحرك جموعُها، كل هذا نتجرع مرارته اليوم تحت أحزمة النار والقصف المميت.

لكننا لا نلوم المسلمين، لأننا نعلم كمّ العجز الذي يكبّل الجماهير، ولأننا نحن أيضا في قطاع غزة وفلسطين لم نكن نفعل شيئا في الأمس القريب والبعيد أمام مشاهد الدماء والقتل في المسلمين في شتى بقاع الأرض، ليس لأننا لم نكن نكترث، بل لأننا لم نكن نجد سبيلا للنصرة، فلن نلومكم في أمر وقفنا أمامه عاجزين من قبل.

ولكن هل تعلمون على من يقع اللوم؟! هل تعلمون من يَملكون أدوات تحريك الجماهير؟! ليس الحكامُ الطواغيتُ المرتدون وجيوشُهم التي صُنعت على عين إبليس، فهؤلاء أعداءٌ لله ولرسوله ولدينه وللمؤمنين؛ لا ننتظر منهم نصرةً ولا مددًا، إنما اللوم والملامة والتقريع والتثريب على قادة الأحزاب والجماعات والتيارات “الإسلامية”، والمصَّدَّرون والمبرَزون من العلماء والهيئات والمؤسسات العُلمائية، فإنّ جماعةً واحدةً من هذه الجماعات التي أثقلت كاهل الأمة لها أتباعٌ بمئات الآلاف، وبعضُها بالملايين، وعالمٌ واحدٌ في مصر أو الشام أو بلاد المغرب أو جزيرة العرب أو الهند وبلاد خراسان لو أشار بإصبعه لتحرك ملايين المسلمين، لكنه الجبن والخور والإخلاد إلى الأرض، بكل صراحة ووضوح، ودُون مجاملاتٍ لا يَحتملها واقعنا الملطخ بدماء أطفالنا.

إنها حصيلةُ عقودٍ طويلةٍ من التدجين والإخلاد إلى الأرض، ونتيجةُ الدخولِ على الطواغيت ومسايرَتهم وإسباغ الشرعية عليهم والدخولُ في طاعتهم، والرضا بما يعطيه الطاغوت لهم من فتات الدنيا، إنها عاقبةُ الطعن في المجاهدين وتشويههم وخذلانهِم والافتراء عليهم طيلة عقودٍ خلت، يوم أن كانت هذه الجماعات والتيارات والعلماء يَخطبون ودّ الطواغيت والمجتمع الدولي الكافر الملحد ويتقربون إليهم بالبراءة من “الإرهابيين”، فما نراه اليوم كلَّه من خذلانٍ شديدٍ للمسلمين في فلسطين هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لمن كان حالُه طيلة عقودٍ ماضيةٍ قاعدًا عن الجهاد وطاعِنًا في أهله ومداهنًا للطواغيت، لقد كرَه الله انبعاثَهم اليوم؛ وثبّطهم وأقعدَهُم مع القاعدين، وأثقلَ كاهلَهُم بآثام الخذلان كما أثقلوا كاهل الأمة بسياساتهِم ومشاريعِهم المدجّنة.

وإننا اليوم نُحسن الظن بالله أن دماءنا وأشلاءنا وواقعَنا الذي تحول إلى ركام= ستَكون بوابة العبور نحو تغييرٍ حقيقيٍّ في الأمة، وستَكون الثمن المدفوع الذي به ستَعرِف الأمة طريقَها، بعد أن يَستبدلَ اللهُ من خَذلنا وهو قادرٌ على نصرتنا بقومٍ يحبهم ويحبونه؛ يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم، ويقودون جموع المسلمين بلا تهيبٍّ وترددٍ وخشيةٍ من دفع فاتورة العزة والكرامة والجهاد والجِلَاد، فإنّ معركة طوفان الأقصى كانت كاشفةً لسوأة المتخاذلين، ممن كانت الأمة تَرفعُهُم إلى الصدارة، والواحد منهم لا يَصلح أن يَكون ساقيا أو على أبواب الحراسة، فهذا يومُ تصديق العلم بالعمل، وما أقلَّ مَن صدَّق وصدَق.

فخزّن أيها المسلم غضبَك في صدرك، وأبقِ نار فؤادك ملتهبة، لا تيأس ولا تجزع، فلحظة الانتقام والتحرير باتت قريبة جدا، لا تَعُد إلى ملاهيك الحياتية، ولا تنصرف إلى حياتك الطبيعية، فهذه ليست لك منذ اليوم؛ إن أنت أردتَ دورا قادما لنصرة إخوانك المسلمين في قطاع غزة وقضية المسجد الاقصى، جدّد توبتك، واعزِم أن يكون لك دورٌ في الملاحم القادمة، أكثِر من التقرب إلى الله بالنوافل والأذكار وقراءة القرآن والدعاء، مارس الرياضة بنيّة الإعداد، تعلّم وحدك بالمطالعة والمتابعة أنواع الأسلحة وكيفية التعامل معها، حتى لا تكونَ معيقا لإخوانك عندما ينادي منادي الجهاد، وحرّض المسلمين، واعرف عدوك جيدا، فهذه أهم قضيةٍ اليوم، قضيةُ الوعي، إياك أن تنقضي المعركة ثم يخدعنّك مرةً أخرى علماءُ السوء وقادةُ الجماعات والتيارات المدجنة، إياك أن ترتاب أو يتلجلج في صدرك أن عدونا الأول هم الطواغيت الحاكمون لديار المسلمين وجيوشُهُم وشُرَطُهُم وإعلامهُم وقضاتُهُم وشيوخُهم، هؤلاء هم الاحتلال الحقيقي الذي يجب أن يجاهَد بالحديد والنار، هؤلاء هم الأذى العالق في طريق المسلمين الذي يجب أن يُماط ويُزال.

إننا اليوم في قطاع غزة بتنا نعلم أن الذي سيبقَى منا حيا في قابل الأيام لن يعيش حياةً طبيعية، فكيف يفعل ذلك من فقد أهله جميعا وهُدِم بيتُه؟ كل شيءٍ انتهى في لحظة، لم يَعد هناك أهلٌ ولا بيت، فأيُّ حياة طبيعيةٍ تنتظرنا بعد انتهاء المعركة!؛ إن انتهت، ومن لم يفقد أهلا فقد بيتا، ومن لم يفقد بيتا فقد أهلا، ومَن لم يَفقد هو فقدَ أحبابُه وجيرانُه ومعارفُه، فالحياة تغيرت، والمعالم تبدّلت، والمعاناة القائمة مريعة، حتى هذه الكلمات أكتبُها بلا تركيز مما أجدُ من الجوع، فلقد وصلنا إلى مرحلة التجويع حقيقةً، حتى أننا نتذكرُ أكثر ما نتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ربط على بطنه الشريف حجريْن من شدة الجوع، وما كنتُ قادرًا على كتابةِ شيءٍ، واستغللتُ فرصةً دخلتُ فيها الانترنت بعد انقطاعٍ لأعتذر لإخواني في المجلة، إلا أنهم أصروا أن أكتب ولو بضع كلماتٍ رسالةً من داخل غزة إلى خارِجِها، وهُم يظنون فيّ خيرا! ولستُ كما يظنون، نسأل الله الستر والمغفرة، فكانت هذه السطور بلا ترتيبٍ للأفكار، وكيف تنتظم الأفكار في واقعٍ فيه مئات الآلاف من المسلمين باتوا في العراء والبرد الشديد يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، أمراضٌ وأوجاعٌ وآلامٌ وجوعٌ وعطشٌ وجراحٌ وقصفٌ وقتلٌ وتشريدٌ وتهجيرٌ وهدمٌ وردمٌ للحياة برمتها، أما أقسى المَشاهِد ألمًا عندما أرى وأسمع بكاء الأطفال من الخوف والبرد والجوع! فيا ربي رحماك؛ والحمد لك على كل حال.

ونسأل الله أن نَكون قد أدّينا شيئًا مما علينا، فتجهزوا أيها المسلمون للملاحم المقبلة، وانتقموا لنا من الحكام الطواغيت المرتدين قبل يهود والصليبيين.

اللهم إنّا نَشهد لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، ونسألك الموتَ على ذلك..

Exit mobile version