الأستاذ: حسين أبو عمر
العين تعرف من عينَي محدِّثها
إنْ كان من حزبها أو من أعاديها
تفضح العيون مشاعر صاحبها وحالته العاطفية، مهما حاول التخفي وراء الكلمات، وكذلك تمثل باقي تعابير الوجه وإيماءات الجسد انعكاسا ظاهريا حقيقيا لحالة الشخص النفسية والعاطفية، مهما حاول إخفاءها.
منذ خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم أُجريت الكثير من الدراسات، وكُتبت الكثير من الكتب والأبحاث، التي تتكلم عن أهمية فهم لغة الجسد، وما لها من تطبيقات في التأثير والإقناع وفي التحقيق وفي معرفة الحالة النفسية للشخص المقابل، وإمكانية الاستفادة منها في حالة التعلم..، وضرورة استخدامها في الخطابات واللقاءات والحوارات..، كما أثبتت بعض الدراسات أن الجزء الأكبر من التأثير الكلي لأي فكرة يُراد إيصالها للطرف الآخر يتحقق عبر الشق غير اللفظي من أساليب التواصل، وأن الشق اللفظي من وسائل التواصل لا يستحوذ إلا على جزء يسير من نسبة التأثير.
في كتابه “صائد الجواسيس” ذكر بيتر رايت أن من ضمن الأشياء التي كانت الاستخبارات البريطانية (MI5) تراقبها في شخصه عندما دخل اختبار الانتساب هي دراسة تعابير وجهه؛ هذا في منتصف القرن الماضي، أما في وقتنا الحاضر فأصبح للغة الجسد تطبيقات كثيرة في عالم الاستخبارات والتحقيق الأمني والجنائي وغيرها من الأفرع.
العجيب، أن في جماعاتنا ما زالت هذه المفاهيم تُعتبر عند الكثيرين من الأوهام والخيالات..، ومن يتحدث عن أهمية لغة الجسد، يتحدث عنها فقط في سياق أدوات التأثير في فن الخطابة والحوار، دون التنبيه على أن لغة الجسد منها ما يدعم موقف الخطيب أو المتحدِث ويعطي قوة تأثير وإقناع في كلامه ويترك انطباعا إيجابيا في نفس المتلقي، ومنها ما يترك انطباعا سلبيا في نفس المتلقي، فيُظهر المتحدث متسلطا متكبرا، أو ضعيفا غير واثقا، أو كاذبا مخادعا..؛ لذلك تجد المتحدِث منهم ما إن يمارس الكذب حتى تظهر عليه معظم إشارات الكذب مباشرة، أو إن كان مضطربا فتظهر عليه مباشرة علامات الضعف والارتباك والاستسلام أو غيرها من الايماءات السلبية!.
هذا فضلا عن الجهل الكامل بالاستعمالات الأخرى لهذا العلم، التي لا تتعلق بإيماءات المتحدث فقط خطيبا كان أو محاورا، وعدم الاستفادة منها.
أنواع ايماءات الجسد:
الإيماءات الجسدية منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي: فمنها ما يدل على الثقة بالنفس والقوة، ومنها ما يدل على المحبة والحميمية، ومنها ما يدل على الفرح والسرور، ومنها ما يدل على الانبساط والانفتاح، ومنها ما يدل على الصدق والصراحة، ومنها ما يدل على الكذب والخداع، ومنها ما يدل على الضعف والاستسلام وعدم الثقة، ومنها ما يدل على الخوف والارتباك، ومنها ما يدل على الملل والحزن والاكتئاب، ومنها ما يدل على التحفظ والانغلاق، ومنها ما يدل على الهيمنة والتسلط والغرور، ومنها ما يدل على التهديد..
فمثلا، توسع حدقتي عيني المتحدث وفتح راحتي اليدين مع توجيههما للأعلى يدل على الصدق والصراحة وعدم التهديد.
تضيق حدقتي عيني المتحدث ولمس أماكن معينة من الوجه أثناء الكلام عن موضوع معين يدل على الكذب والخداع أو المبالغة وعدم التأكد من المعلومات.
ثني الذراعين واحتضان النفس مع تشبيك القدمين تدل على الشعور بالخوف وعدم الأمان..
مجالات الاستفادة من لغة الجسد:
كما أسلفنا في المقال يمكن الاستفادة من فهم لغة الجسد في كثير من المجالات، منها:
أولا: الاستفادة من الإيماءات في تعديل الحالة النفسية: فمثلا هناك إيماءات تدل على الاكتئاب، وهناك إيماءات تدل على السرور؛ فيمكن لمن يسعى لمعالجة نفسه أن يتجنب الإيماءات التي تترافق مع حالات الحزن، ويكثر من استعمال الإيماءات المرتبطة بشعور الفرح كوسيلة مساعدة لمعالجة الاكتئاب.
ثانيا: الاستفادة من إيماءات الجسد في التعلم: حالة الانفتاح والانبساط تعين على عملية التعلم، وحالة التحفظ والانغلاق تصعب من عملية التعلم؛ فيمكن لمن يمارس عملية التعلم الاستفادة من فهم الإيماءات، وأن يتجنب إيماءات التحفظ والانغلاق أثناء عملية التعلم، ويكثر من إيماءات الانفتاح.
ثالثا: معرفة صدق وثقة المتكلم: عن طريق معرفة الإيماءات التي تدل على الصدق والصراحة والثقة، ومعرفة ما يضادها من الإيماءات التي تدل على الكذب وعدم الثقة؛ وهذه من الأشياء التي تستخدم اليوم في التحقيق.
رابعا: قراءة المتحدِث لإيماءات الجمهور المخاطَب: فإذا أظهر الجمهور للمتحدِث مثلا إيماءات ملل أو تحفظ أو عدم تصديق؛ ولاحظها المتحدث، فهذا يعطيه مجالا لتعديل أسلوبه، أو أن يزيد من الأدلة التي تثبت صدق فكرته..