الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد؛
اتخاذ السلاح فطرة بشرية وطبع في عامة المخلوقات؛ فهو للجهاد في سبيل الله عز وجل ولدفع الشر عن الدين والنفس والأرض والعرض من الأشرار واللصوص، وحتى الحيوانات والنباتات لكل منها سلاحه الخاص به من قرون، أو أسنان حادة، أو أنياب قوية، أو سم قاتل، أو قرصة مميتة، أو فخ يصطاد به، أو أشواك حادة، أو رائحة كريهة، أو تغير لون..، لتدافع بهذا السلاح عن نفسها عند وقوع الخطر عليها.
لذا فإن المسلم الفطن العاقل يتسلح بسلاح يدرأ به الخطر عن نفسه وأهله وأمته، ويكون شوكة في حلوق الكفار والمشركين والمنافقين ومن يريد به ذلًّا وشرًا، من قطاع الطرق والسراق والمجرمين..، كيف لا وقد قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف…» وهو بذلك يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، الذي اتخذ من الأسياف سبعة أو تسعة، وقد نظم الشيخ عبد الباسط سبط السراج البلقيني فيها عدة أبيات، فقال:
لهادينا من الأسياف تسع
رسوب والمخذم ذو الفقار
قضيب حتف والبتار عضب
وقلعي ومأثور الفجار
وحكمتها تناسب آي موسى
وكلّ للعدا سبب البوار
فحمل السلاح عز وشرف وإباء ورفعة وأنفة، وكما يقول الشاعر:
فليس تطيق الضيم نفسٌ أبيةٌ
ولن يقبل الإذلال في دينه حرُّ
ففي الأرض منأى للكريم عن الأذى
وفي الموت منأى عنه إن لزم الأمرُ
ولا بد للمسلم الذي يحمل سلاحًا أن يتحلى بآداب وأخلاق وضعها الشرع الحنيف، وسنها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ليكون هذا السلاح منفعة للمسلم وأهله وأمته، لا ليصبح ضررًا يؤذي به الناس ويتسلط به على رقابهم وأرزاقهم وأعراضهم..
* ومن أهم الآداب التي ينبغي أن يتسم بها حامل السلاح:
– الإخلاص لله عز وجل:
على المسلم أن يحمل سلاحه بنية نصرة دين الله عز وجل ثم حماية لنفسه من العدوان المحتمل عليه، وحماية لمقدساته والمستضعفين من المسلمين، لا يحمله لينصر به قبَليَّةً أو عشيرةً أو جاهًا، أو يبتغي رياءً أو مالًا، أو يحمله لغاية دنيوية تافهة دنيَّة، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: عَنْ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، أَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ».
– ألا يستعمل إلا في نصرة دين الله عز وجل ونصرة المستضعفين ورفع الظلم وإقامة الحدود وتأمين الناس وإغاظة الأعداء من الكفار والمنافقين:
فهذا حق السلاح وتلك وظيفته، ولا يستعمل السلاح في قتال محرم من عصبية أو قبلية أو لتحصيل مال أو اكتساب جاه أو بغية رياء أو ابتهاجًا في الأعراس أو عند تشييع الشهداء أو تحرير الأسرى أو إيجاد المفقودين وغير ذلك من الأمور التي لا ينبغي استخدام السلاح فيها..، فعن أنس رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ سَيْفًا يَوْمَ أُحُدٍ، فَقَالَ: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي هَذَا؟» فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ، كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ يَقُولُ: أَنَا، أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟» قَالَ فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ. فَقَالَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ. قَالَ: فَأَخَذَهُ فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِين.
– العناية بالسلاح والتأكد من جاهزيته:
على المسلم الذي يحمل سلاحًا أن ينظف سلاحه ويهتم به الاهتمام الجيد من غسل ومسح وتزييت وتشحيم، عناية ورعاية تحافظ عليه لأطول مدة، دون أن يمسه الصدأ أو الضرر أو التآكل أو العطب، وعليه التأكد من سلامة جميع أجزائه وأقسامه بين كل فترة وأخرى، وكذلك عليه أن يتفقد ذخيرته أيضًا من أن تتعرض للرطوبة فتتأثر فعاليتها، يقول الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: “صونوا سيوفكم كما تصونوا وجوهكم، لا أعلمن امرءا كسر سيفه واستبقى نفسه، فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل”، ويقول أبو حمزة المهاجر:
فالْزَمْ سِلاحكَ لا يغيبُ بريقهُ
إنَّ السلاحَ وسامةُ الفرسانِ
– التدرب على السلاح:
وهو أن يتقن استعماله فيعطيه حقه من الممارسة والتدريب والمتابعة بكافة أشكاله وأنواعه حتى يصبح ماهرًا به لا يشق له غبار، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا بَنِي إسماعِيلَ فَإنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا».
– أخذ الحذر والنوم بجوار السلاح عند الخطر:
قال تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا).
وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم غزا قِبل نجد فلما جان وقت النوم «نَزَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تَحْتَ سَمُرَةٍ وَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ» متفق عليه.
– عدم توجيه السلاح للمسلمين مازحًا:
فعَن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَن أَشَارَ إِلى أَخِيهِ بحَدِيدَة: فَإِنَّ المَلاَئِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتىَّ يَدَعَه، وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لأَبِيهِ وَأُمِّه» رواه مسلم.
– تأمين السلاح ضد الإضرار:
على حامل السلاح أن يُأَمِّن سلاحه ويتفقد ذخيرته وحربته حين يمر في أسواق المسلمين أو يصلي في مساجدهم أو يدخل بيوتهم أو يحضر أماكن تجمعاتهم، حرصًا منه ألا يصيب أحدا من الناس بأذى، خاصة وأن السلاح فتنة قد يغري بعض الناس فيلهون به أو يجربونه.. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَرَّ في شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنا أَوْ أَسْوَاقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ، أَوْ لِيَقْبِضْ عَلَى نِصَالِهَا بكَفّه؛ أَنْ يُصِيبَ أحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْء» متفق عليه.
– عدم العبث بالسلاح:
فعن عبد الله بن مُغَفَّل المزنِي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخَذْفِ، وقال: «إِنَّهَا لَا تَصِيدُ صَيْدًا، وَلَا تَنْكَأُ عَدُوًّا، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ» متفق عليه.
– تسمية السلاح:
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسمي خيله وناقته وسلاحه، فكان من جملة أسماء سيوفه: الرسوب / المخذم / ذو الفقار / البتار / القلعي / المأثور / البوار / المعصوب / الصمصامة..
* أسأل الله عز وجل أن يجعل سلاحنا وذخيرتنا وعتادنا ورجالنا وقرارنا في يد من خافه واتقاه واتبع رضاه، وأن يرزقنا سلاحًا قويًا فتاكًا نذيق لظاه لأعداء الدين الكفار من الروس والمجوس والنصيرية وعباد الصليب والأوثان وأذنابهم وأشياعهم من ملل الكفر والردة، وأن ينصرنا نصرًا عزيزًا مؤزرًا على أنفسنا وعلى شهواتنا وعلى القوم الكافرين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد الله رب العالمين..
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣٣ رجب ١٤٤٣ هـ