«يوم جاء الإسلام أول مرة وقف في وجهه “واقع” ضخم. واقع الجزيرة العربية، وواقع الكرة الأرضية!… وقفت في وجهه عقائد وتصورات؛ ووقفت في وجهه قيم وموازين؛ ووقفت في وجهه أنظمة وأوضاع؛ ووقفت في وجهه مصالح وعصبيات..
كانت المسافة بين الإسلام- يوم جاء- وبين واقع الناس في الجزيرة العربية وفي الكرة الأرضية، مسافة هائلة سحيقة، وكانت النقلة التي يريدهم عليها بعيدة بعيدة…
وكانت تسند “الواقع” أحقاب من التاريخ؛ وأشتات من المصالح؛ وألوان من القوى؛ وتقف كلها سداً في وجه هذا الدين الجديد؛ الذي لا يكتفي بتغيير العقائد والتصورات، والقيم والموازين، والعادات والتقاليد، والأخلاق والمشاعر… إنما يريد كذلك – ويصر- على ان يغير الأنظمة والأوضاع، والشرائع والقوانين، وتوزيع الموال والأرزاق. كما يصر على انتزاع قيادة البشرية من يد الطاغوت والجاهلية، ليردها إلى الله وإلى الإسلام!.
ولو أنه قيل لكائن من كان – في ذلك الزمان- ان هذا الدين الجديد الذي يحاول هذا كله، في وجه ذلك “الواقع” الهائل، الذي تسنده قوى الأرض كلها، هو الذي سينتصر، وهو الذي سيبدل هذا الواقع في أقل من نصف قرن من الزمان، لما لقى هذا القول إلا السخرية والاستهزاء والاستنكار!.
ولكن هذا “الواقع” الهائل الضخم، سرعان ما تزحزح عن مكانه، ليخليه للوافد الجديد. وسرعان ما تسلم القائد الجديد مقادة البشرية ليخرجها من الظلمات إلى النور، ويقودها بشريعة الله، تحت راية الإسلام!»
🖌 سيد قطب هذا الدين
حسين أبو عمر