وقفات مع طوفان الأقصى – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٥٤ – ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ⁩

د. أبو عبد الله الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد؛

 فتأتي كتابة هذه السطور متزامنة مع خبر المجزرة الرهيبة التي نفذها المحتل الصهيوني بحق أهلنا في غزة، حيث استهدف مشفى الأهلي المعمداني ونتج عن ذلك مقتل المئات – تقبلهم الله في الشهداء – وإصابة المئات – عافاهم ربي – يأتي ذلك كله عقب عملية طوفان الأقصى المباركة التي كسرت ــ بفضل الله ــ قواعد الاحتواء، وكشفت عورات الأعداء، وعرت وهنهم وضعفهم، الأمر الذي جعل أسيادهم يتسارعون لإنقاذهم وتثبيت كيانهم، وفي سياق ما سبق أكتب هذه الوقفات التي أسأل الله أن ينفع بها كاتبها وناشرها وقارئها، فأقول وبالله التوفيق:

الوقفة الأولى: حقيقة الصراع والعقيدة الجهادية

أثبتت عملية طوفان الأقصى وضوح حقيقة الصراع مع المحتلين وداعميهم، ورسوخ العقيدة الجهادية في القلوب والأنفس، وعدم شرعية وواقعية خيار الذل والديمقراطية ومنهج سلميّتنا أقوى من الرصاص، كما أنها شكلت ضربة قاصمة لمسار أوسلو المشؤوم ومسار التطبيع الحالي الهادفان لتصفية القضية الفلسطينية، وبالإضافة لذلك فقد كسرت العملية ــ بفضل الله ــ قواعد الاحتواء التي فُرضت على غزة بعد استلام حماس للحكم فيها، والأمل بالله كبير أن تشكل العملية بداية نهاية العلاقة المشؤومة بحلف الصّفويين الجدد الذين تاجروا بالدم السني والقضية لخدمة أجندتهم ومشروعهم التدميري في العراق والشام واليمن.

الوقفة الثانية: وهن العدو الصهيوني وبيت العنكبوت

كشف الطوفان بفضل الله عورات المحتل الصهيوني، وعرّى وهنه، وفضح ضعفه الاستخباراتي، وكسر أسطورة جيشه الذي لا يقهر، الأمر الذي جعل أسياد الكيان الغربيين يتسارعون لإنقاذه وتثبيت وجوده، خاصة وأن الكيان كان يعيش قبل الطوفان المبارك تفككاً داخلياً غير مسبوق، وفتوراً ظاهراً في العلاقات مع داعميه، يقول تعالى: ((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖ وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ ۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ))، ويقول جل في علاه: ((لَا يُقَٰتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ)).

الوقفة الثالثة: موقف أمريكا والدول الغربية

 

تعيش المنظومة الغربية بقيادة أمريكا ضعفاً غير مسبوق داخلياً، حيث التفكك الظاهر وخارجياً، حيث انحسار النفوذ والتراجع فبعد هزيمة أفغانستان النكراء انشغلت المنظومة بالحرب الأوكرانية الروسية من ناحية، واحتواء الصعود الصيني من ناحية ثانية، ورغم كل ذلك فقد سارع الغرب إلى الوقوف بجانب الكيان الصهيوني بعد الطوفان الذي شكل ضربة وجودية موجعة لرأس حربته في الصراع مع العالم الاسلامي لتكشف المواقف والتصريحات طبيعة الصراع وطبيعة العلاقة مع الكيان، ومنها:

– وزير الخارجية الأمريكي بلينكن يشارك في اجتماع لمجلس الحرب الإسرائيلي.

– وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، لقد أوعزت إلى مجموعة حاملة الطائرات الهجومية “فورد” بالإبحار إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، لتكون مستعدة لمساعدة إسرائيل.

-بايدن يزور الكيان ويتبنى روايته بخصوص قتل الأطفال وبخصوص تبرير مجزرة المشفى.

 -بيان أمريكي بريطاني ألماني فرنسي إيطالي مشترك: سندعم إسرائيل في جهودها للدفاع عن نفسها.

 -وزير العدل الفرنسي: كل من يتعاطف مع حماس أو الجهاد الإسلامي سيحكم عليه بالسجن 5 سنوات.

 -وزير الدفاع الألماني: وافقنا على طلب إسرائيلي لاستخدام طائرات مسيرة تمتلكها ألمانيا في القتال للدفاع عن نفسها.

– وعلى خطى بوش وماكرون اللذان أعلناها حربا صليبية ثم ناورا وزعما كونها زلة لسان أو تحريف فكان الواقع ما أعلن لا ما زعم النائب الجمهوري الأمريكي ليندسي غراهام يعلنها صريحة مدوية بدون اعتذار أو تراجع هذه المرة فيقول: نحن في حرب دينية، سووا أماكنهم بالأرض.

الوقفة الرابعة: موقف المحور الصفوي وأدواته

لم تفضح محنة طوفان الأقصى هشاشة ووهن الكيان الصهيوني الذي تسارع أسياده الصليبيون لإنقاذه فحسب بل كشفت أيضا طبيعة الصراع بين الصهاينة والصفويين الجدد (إيران خميني و خامنئي) خاصة مع تصريح ترامب الذي قال فيه: “لن أنسى كيف خيب بنيامين نتنياهو أملي فيه حينما رفض المشاركة في اغتيال قاسم سليماني”، ولذلك فمن الملاحظ حتى الآن عدم الانخراط الجدي للمحور الصفوي وأدواته في الصراع خلا بعض المناوشات على جبهة حزب إيران في لبنان، والتي لازالت ضمن قواعد الاشتباك بين الطرفين كل ما سبق يشكل فرصة حقيقية لحماس للخروج من المحور الإيراني الإجرامي وهو ما سيكون إذا وقع بإذن الله منحة من المنح الكثيرة لطوفان الأقصى المبارك.

الوقفة الخامسة: موقف طغاة العرب وأنظمتهم العميلة

الدور الوظيفي لطغاة العرب ومنظوماتهم العميلة معلوم، ولذلك مواقفهم المعهودة معلومة مسبقاً “شجب وتنديد إعلامي وعلى الواقع تنسيق وأدوار متفق عليها ” لكن المختلف هذه المرة المرحلة المتقدمة في التطبيع العلني التي بلغها عدد من الطغاة، ولذلك كانت تصريحاتهم داعمة للمحتل أكثر منها منددة، ولعل أبواق الطغاة تمثلوا حالة الصهاينة العرب بشكل مفضوح جدا، وهذا ظهر جليا في موقف الإمارات والبحرين بخلاف السعودية التي حاولت أن تظهر بشكل داعم للقضية، أما في مصر والأردن وسلطة عباس فدور المنظومات متكرر “الالتزام بحماية المحتل وحفظ عروشهم ومنظوماتهم”.

الوقفة السادسة: واجب الأمة المسلمة

لازال طوفان الأقصى يعتمد في استمراره و مقارعته لأحزاب الكفر والنفاق الحاقدة – بعد توفيق الله وإكرامه – فقط على الدماء الزكية لأهلنا في غزة وتضحياتهم الجسيمة وغير المسبوقة علماً أن معركة القدس والأقصى هي معركة الأمة، ومع حجم الإجرام والحقد غير المسبوقين بات تحرك طوفان الأمة واجباً شرعياً وضرورةً حركية، خاصة والمتاح من الوسائل أمام هذا الطوفان كثيرة بفضل الله ومنها النصرة الاعلامية، والنصرة المالية، و النصرة الإيمانية بالدعاء، والنصرة بالزحف إلى حدود الكيان والنصرة بتهديد سفارات المحتل وأسياده وقنصلياتهم ومصالحهم وغير ذلك كثير فالبدار البدار

أخيراً؛ فإن طوفان الأقصى:

-يؤكد على أهمية ترسيخ حقيقة الصراع واعتماد منهج الجهاد ونبذ منهج الذل والاحتواء والديمقراطية وسلميتنا أقوى من الرصاص.

-يكشف حقيقة وهن وضعف الكيان الصهيوني ودوره الوظيفي المدعوم من قبل المنظومة الغربية بقيادة أمريكا.

-يعري المحور الصفوي وأدواته، ويكشف طبيعة صراعهم المصلحية مع المحتل والوجودية الإجرامية مع أهل السنة.

-ينسف مسار التطبيع ومسار أوسلو المشؤومين، ويفضح الدور الوظيفي لمنظومات الحكم العميلة في بلداننا الإسلامية.

-يؤكد على دور الأمة وشعوبها في دعم قضايا المسلمين المستضعفين ليس في الشام (سوريا وغزة) فحسب بل في كل العالم الإسلامي.

اللهم كن لأهلنا في غزة وللمستضعفين من المؤمنين في كل مكان حافظاً ومثبتاً ومعيناً، اللهم أبرم لنا ولهم ولجميع المسلمين أمر رشد تعز فيه أولياءك وتذل فيه أعداءك، حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين.

Exit mobile version