هل هي محاولة لتكميم الأفواه في إدلب المحررة أم ما الذي يحدث؟ مقال لأبي يحيى الشامي

الحياديَّةُ الإعلاميَّةُ وانعدامُ الضَّميرِ

الحياديَّةُ الإعلاميَّةُ وانعدامُ الضَّميرِ

هذه الصورة التُقطت في مجاعة السودان عام 1993م، و حصلت على جائزة بولتزر حيث تزحف هذه الطفلة ذات المسغَبَة باتجاه مخيم للأغذية يبعد عنها كيلو متر. النسر الذي لا يأكل الا الجيف يقف على مقربة منها و ينتظر موتها حتى يأكلها، غادر المصور كيفن كارتر، وترك الطفلة لمصيرها الذي لم يعرفه أحد ممن تفاعل مع الصورة بعدها، لكن المصور انتحر بعد ثلاثة أشهر من استلامه جائزة بولتزر عن الصورة.

الحمد على نعمة الإسلام، ماذا لو كان هذا الإعلامي مسلماً؟، هل سيسمح له دينه بانتظار النسر يقترب ويأخذ أفضل وضعية ليلتقط الصورة بكل حيادية وينصرف بقلب ميت وانعدام ضمير؟، هل استثنى الله الإعلاميين من واجب فعل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟، حاشا لله.

إن الحيادية التي تُطلب من المُعلِمين عن الله والمُعلِمين عن الناس حياديةٌ إيجابية، تحقق مقاصد الشرع، وتؤدي إلى فائدة الناس في معاشهم ومعادهم، وفائدة العقول بتبيان الحق واضحاً جليًّا لا يُحابى فيه أحد خوفاً ولا طمعاً.

(وأن نقول الحقَّ حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم)، هكذا بايع الصحابة الكرام النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وصدعوا بالحق فما أخفوه لا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد مماته، وإلا لما صرحوا بما فعل خالد وتناقلوه (وهذا مثال)، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد”، علانية حتى وصلت إلينا.

فالإعلامي المسلم مجاهد مؤتمن على ثغر هام، ينقل الأخبار بقلب وضمير حي، ومثال على ذلك إذا دُهِسَ المسلمون عمداً بسيارة أو أطلق النار عليهم مباشرة، فلا يختلف نقله للحدث وتعليقه عليه إن كان الفاعل مسلماً أو كافراً، ولا يلام إن نقل، بل يلام المجرم المسلم، ولا عتب على الكافر، أم انقلبت الأفهام والأحكام؟.

قامت الثورات العربية ومنها ثورة الشام ضد الاستبدادية وتكميم الأفواه وقلب الحقائق، وكان المحرك لثورة الكرامة هم الإعلاميون وخطباء المساجد (المُعلِمون عن الله)، فبجهادهم علم الناس الحق وخرجوا يطالبون به ويضحون في سبيله، ثم عدنا كما بدأنا، بعد أن ربطت الثورة بمرابط الاحتواء والملك الموهوم والسياسة الفردية الجبرية التبريرية.

وما ظننا أن يأتي علينا يوم، يعاب على الإعلامي أنه نقل خبر دهس المسلمين وقتلهم، ويُعزل الخطيب الذي يعرف المعروف وينكر المنكر ويغضب لله، وأين؟، في إدلب آخر معقل للثورة السورية الحرة.

{{{عُزل الشيخ أبو الوليد الحنفي من الخطابة في مسجد سعد، واعتقل الشيخ أبو محمد الفاتح خطيب مسجد الروضة ثم أخلي سبيله بوساطة، واستدعي الشيخ أبو مسلم العنداني خطيب مسجد الفرقان، وتكتب تقارير أمنية تمهيداً لعزل أشهر أئمة إدلب الشيخ محسن غصن.}}}

ماذا حل بالقوم؟، وقد قدَّموا مُقدِّماتٍ فجَّر مثلها ثورة عجز العالم عن وأدها، لكن علَّمنا التاريخ أن الثورة لا تُوأد إلا بأيدي أبنائها… فالصحوة الصحوة.

فهل يصم الإعلام الأذن ويعمي البصر ويقطع اللسان عن هذا؟، أو ينقل الصورة بحيادية سلبية لا دينية ولا أخلاقية ويترك الثورة لمصير الطفلة المسكينة؟.

إن في أهل الجاهلية وكفار العصر من تأبى عليه إنسانيته وأخلاقه أن يقصر في نقل الحقيقة ولو دفع الثمن حياته، كالصحفية ماري كولفين التي قتلها النظام المجرم في حمص المحاصرة، فكيف بالإعلامي المسلم إن كان مُعلِماً عن الناس وأخبارهم، أو كان مُعلِماً عن الله ورسوله وورثة الأنبياء؟!.

في الوقت الذي وظَّفت الكيانات إعلاميين ينطقون باسمها وينقلون روايتها، كان لزاماً على الإعلاميين الأحرار أن ينقلوا صوت أهل الثورة وأصل مادتها، الذين ما قصروا في التضحية، وما انغمسوا إلا في نيران العدو ومخيمات اللجوء، ولا ناصر لهم إلا الله.

اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه والجهر به، ولو كره الكارهون.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود : 88]

أبو يحيى الشامي (بروج-برهان)

 

Exit mobile version