بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
(اللَّهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ فاطرَ السَّمواتِ والأرضِ عالِمَ الغيبِ والشَّهادةِ أنتَ تحكُمُ بينَ عبادِكَ فيما كانوا فيهِ يختلِفونَ اهدِني لما اختُلِفَ فيهِ منَ الحقِّ بإذنِكَ إنَّكَ تهدي من تشاءُ إلى صِراطٍ مستقيمٍ)… إنه لخير أن تحفظ هذا الدعاء النبوي وتكرره طالباً الهداية من رب العالمين، واصدُقِ النية وأكدها.
💢 الجهاد والهجرة صنوان من أصل الإيمان لا يبذلان إلا لغاية أغلى من النفس واستقرارها الدنيوي.
الجهاد بالنفس والهجرة، إنهما أصعب ما يمكن أن يفعله المرء في سبيل شيء، وإنهما مقترنان في أياتٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم، ولقد قرن الله عز وجل القتل بالخروج من الديار، كلاهما لا يقدم عليهما المرء إلا في سبيل غايةٍ أسمى وطموح أرجى من بقاء النفس واستقرارها، فيا حسرةً على من رهن جهاده وهجرته لشياطين الجن والإنس.
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء : 66]
وللحث على الهجرة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء : 97]
وأي جهادٍ وأي هجرةٍ، إن دنسهما المرء بالقعود والركون؟!، بذلك يكون نجح في امتحان ليسقط فيما يليه، وإن الفتن تُعرض على المرء عرض الحصير عوداً عوداً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، نسأل الله أن يثبتا على قول الحق والعمل به… اللهم سلم اللهم سلم.
أرسل بعض الإخوة المقطع الذي يتحدث فيه الصحفي الفرنسي عن تطور اللهو والترفيه والشغل الدنيوي في إدلب، ومع أنه يبرز المظهر اللاديني للجولاني ومن معه، إلا أنني لم أتحدث عن ذلك لأن الكثير من الأتباع يظنون هذه المظاهر “فهلوة” و”شطارة” تعجبهم، أما ما نقله الصحفي من قول القحطاني أن الجهاد انتهى وأنهم يضيقون على المهاجرين حتى يخرجوا من إدلب أو يكونوا تحت سيطرتهم، فهذا النقل صحيح بشواهد كثيرة من قول وفعل الجولاني وعصابته، فهذا ما حذرنا منه منذ سنوات، ولكن “المجاهدين” و”المهاجرين” الذين بقوا مع “الهيئة” لتخوفهم من غير الجولاني لم يأخذوه على محمل الجد أو اتهموا من حذرهم، فأتاهم العطب من مأمنهم، هداهم الله وغفر لهم.
ألم يقل رئيس المجلس البلدي لمدينة إدلب التابع للهيئة أن الحرب انتهت عندما نزع بسطات بعض المساكين من سوق الخضار؟!، ألم تعلموا أن الجولاني سلم عدداً من المهاجرين إلى مخابرات عدة دول على دفعات؟!، وهل غاب عنكم كيف أخرج الجولاني عدداً من المهاجرين إلى أوكرانيا؟! وهل جهلتم أنه طلب علناً من مسلم الشيشاني وغيره الخروج من إدلب؟!.. عليكم أن تروا وتسمعوا جيداً.
💢 إلى المجاهدين والمهاجرين:
رسالتي إلى المجاهدين والمهاجرين الذين ما زالوا يضحون بقضيتهم في سبيل سلامة أنفسهم من غدر الجولاني وقد غدر بهم وهم يعلمون، أقول لهم إن ما ينتظركم مع الخنوع أصعب بكثير مما تخشونه مع ترك الهيئة والالتجاء إلى فصائل وعوائل وعشائر تحتمون بها وتحمونها، فلقد استمرأ هذا ومن معه التنازل عن المقدسات من أجل رضا من يعتبرونه قوةً استراتيجيةً (مؤقتةً) لهم، وهو الذي كان يُكَفِّرُ على الرائحة وبلا بينةٍ ولا دليل، وما أكثر استدلاله ضد غيره بأية: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ… } [البقرة : 120]، فهل سترضى عنه أو عنكم هذه الدول التي يخطب ودَّها ويسوِّق نفسه عندها؟!، أم أنها تجره بجزرة الوهم وعصا التصنيف وتجركم معه؟!، بل ليجعلكم قرابين يقدمها إليها، والعاقل يعلم أنها تطلب لتستعبد لا لترضى.
يظهر لك يا مجاهد ويا مهاجر جريمة ربط القطيع بحبلٍ واحدٍ وجره إلى نهاية أصبحت معلومة للجميع، فهذا الآبق من أجل الإبقاء على نفسه وكبرها وشهوتها مستعدٌّ لبيع كل شيءٍ، كما أنت تفعل الآن عندما تفكر بسلامتك المؤقتة في مكانك، وهو شرٌّ مكاناً أن تكون عوناً للظلمة، والأكثر شراً والأخطر إعانةُ الخونة، تخشى أن تخلع القيد تريد أن تتجنب غضب من قيدك، وهو يسير بك إلى حظيرة الاستعباد والمقايضة، فبادر وكن في ركاب وجمع أهل الشام الصادقين، ومدَّ جسور الثقة والتعاضد معهم تكن منهم وبهم، قال الله تعالى: {قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ۚ بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص : 35]
إن عدداً كبيراً من المهاجرين هم صِهرٌ لأهل الشام، لا يمكن التفريق بينهم وبين أزواجهم وبنيهم وأهل أزواحهم، ولا يحل لهم أن يكونوا مع الظالم ضدهم، بل إن المأمول أن يكونوا منهم ومعهم في مدافعة الباطل والظلم والفساد، أو أن يعتزلوا فلا يعينوا الباطل والظلم والفساد عليهم، وهذا أقل الواجب وأضعف الإيمان، والمعيار القدرة، وإنها يسيرةٌ على من نوى النية الصالحة وطلب العون من الله ثم من عباده الصالحين.
هذا، وإن من يظن أن إخراج المجاهدين المهاجرين من الشام، بسهولة الخلاص من الجولاني، فإنه واهمٌ وهو بنيته هذه ظالمٌ، وبفعله إن حاوله آثمٌ، فليس كل المهاجرين مع الجولاني، وإن خاطبنا عدداً منهم بالابتعاد عنه فإنما نخاطب من بقي قريباً منه يظن أنه يحتمي بالهيئة أو يتقي من شرِّ الجولاني الذي سيصبه عليه إن تركها، وهذا الظن عجزٌ تأباه الأنفس الكريمة، ولا يخلد إليه من جاهد في الله حق الجهاد.
وكما أنه لا يجوز شرعاً الركون إلى الجولاني وعصابته وأدلة ذلك كثيرةٌ، منها قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ} [هود : 113]، فإنه لا يجوز شرعاً خذلان من ترك الذين ظلموا وانحاز إلى أهل الشام الصادقين، أو اعتزل فكفاهم مؤونته، ولا يجوز شرعاً إلجاء المهاجرين الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً بالتحريض والتحريش ضدهم حتى لا يجدوا خياراً إلا هذا الخائن وعصابته، قَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ علَى أخِيكُمْ“. رواه البخاري.
💢 هل انتهت الثورة؟
💢 ما هو مصير اللاجئين؟!
يأخذ الحديث عن مصير اللاجئين السوريين في دول اللجوء -خاصة المجاورة منها والتي طبَّعت العلاقات مع النظام المجرم- يأخذ حيزاً كبيراً من الشأن والهمِّ العام، فهناك تخوُّفٌ كبيرٌ عليهم، ورفضٌ لإعادتهم إلى النظام المجرم الذي يتوعّدهم بالقتل والأسر، أو حتى إعادتهم إلى المناطق المحررة المكتظة المضيَّق عليها، يخسرون أعمالهم، وتخسر الثورة مورداً اقتصادياً مدنياً، وتتعرض للحصار والضِّرار، هذا الحديث عن الذي ترك بلده نازحاً هارباً إلى بلدٍ آخر، لا يريد القتال دفاعاً عن نفسه وأهله ودياره، ولا مزاودات إذ الظروف مختلطة، لكنها حقيقةٌ تذكر، وهذا حكم الغالب وهناك استثناءات.
هذا الهم أعلاه إن لم يكن شاملاً المهاجرين الذي قدموا إلى الشام غيرةً على الإسلام والمسلمين وقتالاً في سبيل الله، فهو همٌّ أبتر، وكيلُ ظلمٍ وجنفٍ واضحٌ لصاحبه ولغيره، وإن من يفعله فيدافع عن اللاجئين ويرفض إعادتهم إلى بلدهم، ويسعى في إخراج المهاجرين من الشام كي يقاتلوا في أوكرانيا أو يسلموا إلى سلطات بلدانهم تأسرهم وتقتلهم، إنما هو جولاني بالذات أو بالنية والصفات، وإلا كيف يستقيم قبول بلاد الكفر للاجئين من المسلمين، ثم تعمل على دمجهم في المجتمع واستهداف عقيدتهم وسلوكهم، وسلب أطفالهم منهم، ولا يستقيم قبول قلب الإسلام وعقر دار الإيمان للاجئين إليها لا فراراً من الحرب بل دخولاً فيها دفاعاً عن الدين والمقدسات، ودفعاً لصيال من جلب الدخلاء والمرتزقة من كل حدب وصوب لقتال المسلمين وإبادتهم؟!.
إن من يكيل بمكيالين ويتذرع بأن في الشام كفايةً من الرجال، يتناسى أن هؤلاء أصبحوا من رجال الشام، وهم أصهارها، وإنه يهدر وقته ووقت غيره في أمر تخطاه الزمن، ويسعى إلى افتعال المشاكل لا حلها، وإن كنت لم أسمع هذا الحديث النَّكِد منذ زمن إلا أن الجولاني يطبقه ضد المهاجرين عملياً فرادى وبالتدريج، مخالفاً تعهداته الكاذبة بحماية المهاجرين، وهو أهل للكذب والغدر والخيانة.
💢 دايتون- بيغوفيتش
إن عدد المهاجرين الصادقين الصالحين كبيرٌ، ولا يمكن تعميم الأحكام عليهم، وهذا العدد أضعاف المجاهدين الذين دافع عنهم علي عزت بيغوفيتش -رحمه الله- ضد “دايتون”، حيث منحهم الجنسية ورفض إخراجهم من البوسنة، ونحن في هذا كلنا علي عزت بيغوفيتش، والشام أولى من البوسنة التي في أوروبا باحتضان المسلمين، وذلك فيها أيسر.
والآن بعد هذه السنوات على المجاهدين المهاجرين أن يكثفوا جهودهم في الاستقرار والتعامل والتواصل وزيادة الروابط مع أهلهم في الشام الفصائل والعشائر والعوائل وكل المناطق على أنهم من أهل البلد، وهم كذلك فعلاً، وعلى الشاميين التعامل والتواصل مع المهاجرين من هذا المبدأ، هذا الحل الأمثل لكل المشاكل التي اختلقها الجولاني وعصابته ومن شاكلهم.
💢 هل انتهى الجهاد؟
💢 ما هو مصير المهاجرين؟
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْكِنْدِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذَالَ النَّاسُ الْخَيْلَ وَوَضَعُوا السِّلَاحَ، وَقَالُوا: لَا جِهَادَ قَدْ وَضَعَتِ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: “كَذَبُوا الْآنَ جَاءَ الْقِتَالُ، وَلَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أَمَةٌ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ، وَيُزِيغُ اللَّهُ لَهُمْ قُلُوبَ أَقْوَامٍ، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ، وَالْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ يُوحِي إِلَيَّ أَنِّي مَقْبُوضٌ غَيْرُ مُلَبَّثٍ، وَأَنْتُمْ مُتَّبِعُونِي أَفْنَادًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ، وَعُقْرُ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ الشَّامُ “. رواه النسائي وصححه الألباني.
وأحاديث كثيرةٌ تُعلِم أن الطائفة المنصورة مستمرةٌ بالجهاد إلى قيام الساعة، من هذه الأحاديث ما خصص مكان الطائفة المنصورة في الشام، وإنها أحاديث معروفة يضيق المقال عن سردها، كما أن الشام خيرُ مُهاجرٍ مندوبٍ إليه في آخر الزمان، ورد في ذلك أحاديث كثيرةٌ أيضاً.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ“. رواه أحمد وأبو داوود والحكام، وصححه الألباني.
فمن قال انتهى الجهاد فكذبوه وأسِفُّوهُ المَلَّ، ومن قال انتهت الهجرة فكذبوه وأسِفُّوهُ المَلَّ، ومن أصر على البقاء مع الجولاني خوفاً أو طمعاً، رغباً أو رهباً، فإنه زائلٌ بزواله، والعاقبة للمتقين.
إن الانحياز في آخر الزمان إلى الشام، هو انحياز بكل ما تعني الكلمة من معنى، وهو هجرة في المصطلح الشرعي، وإن الطائفة المنصورة في الشام تجتمع وتقاتل بانحياز أهل الصدق والصلاح إلى بعضهم البعض، صالح أهل الشام وصالح من هاجر إليهم، وإن انحياز الصالحين إلى بعضهم هو دليل صدقهم، ومن شذَّ وابتعد عن الصادقين فليس منهم، أو مشى في ركاب الظالمين وأبى أن يبتعد عنهم فإنه منهم، وإن ادعى وادعى.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة : 119]
كتبه أبو يحيى الشامي إذ لم يكتبه غيره ممن هم أعلم منه، والله أعلى وأعلم.
الأربعاء 18 ذو القعدة 1444
الموافق 7 حزيران 2023