الأستاذ حسين أبو عمر
منذ أسابيع وإلى الآن مازالت تخرج معلومات عن اختراق عدة جهات لفصيل هيئة تحرير الشام. المعلومات تقول أن روسيا والنظام العميل و”حزب الله” ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA). كل هؤلاء اخترقوا الهيئة، وجنَّدوا عددا كبيرا من أفراد جهاز الأمن التابع للهيئة، وعناصر من بعض الألوية العسكرية التابعة للهيئة، وكذلك من حكومة الإنقاذ، وبعض المدنيين عملاء لصالحهم؛ ذكرت بعض المصادر أن من بين المجنَدين شخصيات قيادية.. إلى أن أخرجت الهيئة في النهاية، في السادس عشر من الشهر الجاري، تصريحا مقتضبا لضياء العمر، المتحدث الرسمي باسم جهاز الأمن التابع للهيئة، تحت عنوان:((تصريح مرئي حول الأنباء المتداولة عن محاولة اختراق صفوف جهاز الأمن العام))، أكد فيه حصول الاختراق، وإن كانت المعلومات التي أدلى بها عامة؛ لا تحدد هوية الجهة المخترِقة، أو أعداد العناصر الذين تم تجنيدهم أو أسماءهم أو مراكزهم..
قبل البحث في الأسباب التي دفعت كل هذه العناصر للعمالة أود التنبيه على أنه لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادةً في تجنيد عملاء حقيقيين لكانت الطريقة مختلفة، ولكان أمن العملاء مختلفا تماما -الذي يبدو أن غالب العملاء يعرفون بعضهم مما سهل عملية كشف الكثير منهم -لم تراع أبسط الاحتياطات الأمنية!-، ولكان تعاطيها مع إلقاء القبض عليهم مختلفا نوعا ما أيضا…
إن جنّدت الولايات المتحدة العدد الكبير، فالهدف هو توريطهم فقط، بالإضافة لحصولها على معلومات مجانية عن طريقهم.
الأمر الآخر الذي أود الإشارة إليه هو أن الولايات المتحدة لو كانت بحاجة لعدد كبير من العملاء، وأردات حقا تجنيدهم، لاستطاعت فعل ذلك بسهولة -للأسف-؛ لعوامل داخلية تتعلق بالساحة سنتناولها في هذا المقال، ولما تملكه هي من أدوات وإمكانيات.
أما لماذا قلت أنها ليست بهذه الدرجة من الحاجة للعملاء: فلضعف هذه الساحة والجماعات العاملة فيها؛ حيث لا يشكل العاملون فيها أي مصدر تهديد، أو حتى قلق، للولايات المتحدة من جهة، بل باتت أقرب للمحرقة لمن كانت تخشى منهم يوما ما، ولانكشاف هذه الساحة أمنيا من جهة ثانية؛ فكل شيء فيها على الهواء (النت)!!
الساحة ضعيفة لدرجة أنه تم تجنيد كل هذا العدد من العملاء، ولم يستطع أحد اكتشافهم لولا إبلاغ “جهات خارجية” بذلك!!
بل وصل الضعف لدرجة أن استطاع شخص أن يخترق حسابات بعض قيادات الهيئة على التليجرام بطريقة لا أدري ما ينبغي أن يُقال فيها؟! طلب منهم رمز التحقق بخطوتين لحساباتهم على التليجرام، فأعطوه إياه؛ فقط لأنه قال لهم أنه من شركة تليجرام!! فأخذ كل المعلومات الموجودة على حساباتهم -تاركين معلومات على حسابات تليجرام!!-
فلا أظن أن الولايات المتحدة بحاجة لعدد كبير من العملاء، وأنها مستعدة لضخ الكثير من الأموال في ساحة هكذا حالها.
أسباب العمالة
العوامل التي دفعت هذا العدد الكبير من العناصر للعمالة متنوعة، منها ما يتعلق بالعناصر أنفسهم، ومنها يتعلق بوضع الساحة والجماعات العاملة فيها؛ أهم هذه العوامل من وجهة نظري:
١- عدم تحصين الجبهة الداخلية ضد العمالة (وهذا ينطبق على عناصر الفصائل كما ينطبق على المدنيين)؛ فغياب الوعي الشرعي والقيمي والأخلاقي بخطورة هذا العمل، وضعف التقوى والوازع الديني، لهما الدور الأبرز في سهولة تجنيد العملاء.
٢- الارتهان للخارج الذي وصلت له الساحة، وتحول الجماعات من جماعات مجاهدة لجماعات تصدر نفسها للخارج على أنها جماعات ضامنة للأمن أمام الخارج، ومحاولة كل جماعة تشويه سمعة الجماعة الأخرى عند الأطراف الخارجية، والافتراء والكيد ببعض؛ يهوِّن من قضية العمالة في نظر الشباب.
٣- الضعف والهوان الذي وصلت له الساحة يدفع البعض للبحث عن طُرق لـ”تظبيط أمورهم” قبل سقوط المتطقة؛ فيبدأ ضعاف النفوس بالبحث عن علاقات مع هذا الطرف أو ذاك، وتأتي الإغراءات والوعود من هذا الطرف بمال، ومن ذاك بمنصب، ومن الآخر بتأشيرات دخول وإقامات في بلدان معينة، وهكذا…
٤- غياب العقوبة الرادعة لمثل هؤلاء؛ يقول الذين خرجوا من سجون الهيئة أن تعاملها مع العملاء متسامح جدا، أما إذا كانت “التهمة” حراس دين أو غيرها من الفصائل التي تعاديها الهيئةُ فإن المعاملة شديدة!
٥- كثرة ارتكاب الموبقات في هذه الساحة: من سفك الدم الحرام، وأكل المال الحرام، واتهام كل طرف للآخر بالعمالة، ووقوع البعض في الخيانة، وتقديم هوى النفس على مصلحة الساحة عند الغالبية، وكثرة التقلبات، وغيرها… كل هذه الأعمال تهوِّن المعاصي في عيون الناس المعايشين لهذه الأحداث، وتسهِّل عليهم ارتكابها؛ فكيف بمن هو مشارك في غالب هذه الأعمال؟!
٦- التنافس على الدنيا وزخرفها، والتباهي بالمظاهر؛ فبعد الركون إلى الهدن، وتغير البوصلة من التنافس على الجهاد والاستشهاد والتحرير إلى التنافس على المناصب، وعلى جمع الأموال، وقني السيارات الفارهة، وارتياد المولات والمنتزهات والمطاعم الفاخرة؛ صار الكثير يبحث عن سبل كسب المال السريعة، الأمر الذي سهَّل عمل المجنِّدين..
٧- عدم الوعي بطرق ومكائد الأعداء، الأمر الذي يسهِّل وقوع الشباب في أمور تجعلهم عرضة للابتزاز فيما بعد؛ ولعل أبرزها توريط الشباب عن طريق النساء؛ وما أسهل وقوع الشباب عندنا في هذه الحبال -للأسف-؛ وذلك لضعف التقوى.
نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل سوء، وأن يول عليهم التقي القوي الأمين، وأن يصرف عنهم من سواه.. آمين.. امين
والحمد لله رب العالمين
هنا بقية مقالات العدد الحادي والخمسون من مجلة بلاغ لشهر المحرم ١٤٤٥هـ
https://fromidlib.com/مقالات-مجلة-بلاغ…٥١-_-المحرم-١٤٤٥/