لسبب ما يظنّ الكثير من الكرد انتساب صلاح الدين الأيّوبيّ ونسله إلى الأكراد، لكنّ آل أيّوب أنفسهم نكروا على أنفسهم نسباً كرديّاً وصرّحوا بأنسابهم العربيّة… وأظنّ أنّ ما من وثيقة أبلغ في هذا الشأن غير كتاب وضعه الأيّوبيّون أنفسهم في تاريخ دولتهم وأنساب أمرائهم والملوك.
خلال القرن 13 كلّف أمير حلب الأيّوبي قاضي قضاته على حماة ابن واصل، بكتابة ديوان تاريخ الأيّوبيّين، وقد زالت الخلافة العبّاسيّة في بغداد وبات حال المنطقة كلّها على مطلع نظام سياسيّ جديد. وتنبّه حدس الأمير الأيّوبيّ إلى ضرورية ترك وثيقة للتاريخ تسجّل تاريخ أسرته العظيم ومنجزاتها.
وابن واصل قاضٍ ومؤرّخ وأديب ومفكّر عربيّ، وهو أبو عبد اللّه محمّد بن سالم بن نصر اللّه المازني التميمي الحمَوي الشافعي والملقّب بـ”ابن واصل الحموي”. وُلد في حماة سنة 1208 وتوفّى فيها سنة 1298 عن تسعين سنة. عَنِي بالأدب والتاريخ وعمل قاضياً وأديباً. وأنجز دراسته التي سمّاها “مفرّج الكروب في أخبار بني أيّوب” في خمس مجلّدات، أتركها هنا بين يديك لتنزيلها وقراءتها مجّاناً. وتناولت دراسة ابن واصل خلفاء صلاح الدين من سنة 1194حتّى 1250.
أرى أن ما من وثيقة أبلغ في إثبات نسب صلاح الدين الأيّوبي غير كتاب آل أيّوب أنفسهم، حياضاً لهذا النسب عن السرقة والتزوير. وأقتبس عنهم إذ يقول ابن الصالح أيّوب وقد سأله ابن واصل، وكان آنذاك أميراً على حلب، “إنّما نحن عرب نزلنا بين الأكراد وتزوّجنا منهم فما دام الأيّوبيّون أنكروها فلماذا لا ننكرها نحن؟”.
وفي اقتباس آخر عن السلطان خليل الأيّوبي أنقل قصيده في مدح والده الملك الأشرف الأيّوبيّ عقب دمار بغداد وحزناً عليها:
لم يبق في الدنيا ملاذ يُرتجى
في العالمين ولا نصير كاف
إلا ابن أيّوب الذي صدق الوعود
هو الأمين ومجمع الألطاف
الأشرف السلطان بالنسب الذي
بالنقل متّصل بعبد مناف
وعبد مناف المقصود هنا هو عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة وهو الجد الثالث للنبي محمّد بن عبد الله من القرن الخامس الميلادي. أحد سادة مكّة وقريش وله ينسب بنو عبد مناف. وهو الذي أخذ لقريش الإيلاف. ويعرف عقبه بـ”بنو عبد مناف”. فإذا افتخر سلطان أيّوبي بالنسب إلى رجل من سادات قريش، فأين النسب الكرديّ هنا؟ إلا إذا كانت قريش في الأساس من الأكراد!.
وهناك ثلاث من الملوك الأيّوبيّين تكلّموا عن النسب الأيّوبيّ في فترات زمنيّة مختلفة وقد تطابقت أقوالهم مع بعضها وأكّدوا نسبهم العربيّ وهم:
1. الملك المعزّ لدين اللّه إسماعيل بن سيف الإسلام ظهير الدين طغتكين بن الملك الأفضل نجم الدين أيّوب بن شادي سنة 1196 ميلاي.
2. الملك خليل بن الأشرف أحمد بن الملك العادل سليمان بن الملك الصالح أبو بكر بن الملك العادل شهاب الدين غازي بن الملك العادل مجير الدين بن الملك العادل سيف الدين شادي بن الملك الأوحد عبد الله بن المعظّم غياث الدين توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن شادي.
3. الملك الأمجد حسن (أبو محمّد) ابن الملك الناصر صلاح الدين داوود بن الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر محمّد بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن شادي.
بكلّ حال لم يتكلّم الأيّوبيّون لغة كرديّة ولم يعلّموها إلى أبنائهم، ولم يتقرّب الأكراد إلى الأيّوبيّين ولم يقرّبوهم ولم يرفعوا من شأنهم. ولم يقل أحد من الأيّوبيّين أنّهم من الأكراد وما رأيت مصدراً من المصادر يذكر بأنّ أيّوبيّاً قال بأنهم أكراد. ولم يمارسوا العادات ولا الطقوس الكردية. ولم ينسبهم أحد إلى الأكراد أيام نجم الدين أيّوب، ولا تربطهم بالأكراد إلّا رابطة الخؤولة من جهة النساء.
تناولت دراسة ابن واصل في طيّاتها شؤون الدولة الأيّوبيّة بعد صلاح الدين رحمه الله، حيث قُسّمت إلى خمس فصول:
– الفصل الأوّل: حياة ابن واصل ومنهجه في كتابة التاريخ، حيث تحدّث عن نسبه وكنيته، ومولده ونشأته، وعصره، وعقيدته ومذهبه، ومكانته العلميّة، ومصنفاته، وكتابه مفرّج الكروب.
– الفصل الثاني: انقسام الدولة الأيّوبيّة والصراعات بين أبناء صلاح الدين.
– الفصل الثالث: الدولة الأيّوبيّة وإعادة توحيدها في عهد الملك العادل.
– الفصل الرابع: الدولة الأيّوبيّة في عهد خلفاء الملك العادل.
– الفصل الخامس: المظاهر الحضاريّة للدولة الأيّوبيّة عند ابن واصل: ففي الجزء الأول من الفصل الخامس تمّت مناقشة المظاهر الإداريّة والاقتصادية، والمظاهر الاجتماعية. وفي الجزء الثاني تمّت مناقشة المظاهر العلميّة والثقافيّة، والنظام العسكري.
– وانتهت الدراسة بخاتمة ذكر فيها ابن واصل أهم النتائج التي توصّل إليها، إلى جانب الملاحق، وإدراج قائمة المصادر والمراجع، وفهرس الموضوعات.
اقرأ آملاً لك كل المتعة والفائدة. ولتنزيل الكتاب انقر هنا
https://go.monis.net/Mt5kVH
_
كتبه مؤنس بخاري.
أبو يحيى الشامي