الشيخ: محمد سمير
الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛
فلا أدري كم مرة لعنت روح حافظ الهالك وأنا أعد هذا المقال، مع أني أكره كثرة اللعن، ولكن ما كان يمر بي من المآسي العظام والقصص المؤلمة كان يدفعني لذلك، ولا أظن أن أحدا قرأ ما قرأت إلا سالت دموعه ولو كان قلبه من حجر، ولا أريد أن أطيل عليك أيها القارئ الكريم المقدمة، فلندخل مباشرة في صلب موضوعنا.
هذا المقال خصصته للحديث عن سجن تدمر، وعن مجزرته الشهيرة عام 1980، وعن السنوات الطوال العجاف المترعة بالآلام والدماء التي قضاها خيرة شباب المسلمين فيه.
فأما المجزرة المشؤومة فقد كانت في تاريخ 27 / 6 / 1980، فقد دعا المجرم رفعت الأسد مجموعتين من سرايا الدفاع، وألقى فيهم خطابا قال فيه: “راح تقوموا بهجوم على أكبر وكر للإخوان المسلمين، وهو سجن تدمر”.
ثم قامت عشر طائرات هليكوبتر كل طائرة تتسع لأربعة وعشرين عنصرا بنقلهم، وكان قائد العملية المقدم سليمان مصطفى، وصلت الطائرات مطار تدمر الساعة السادسة، وعقد اجتماع لضباط العملية، تم فيه توزيع المهمات وتقسيم المجموعات..، وتم تقسيمهم لثلاث مجموعات:
1 – المجموعة الأولى (80 عنصرا) كلفت بدخول السجن، وسميت بمجموعة الاقتحام.
2 – المجموعة الثانية (20 عنصرا) لحراسة الطائرات.
3 – المجموعة الثالثة بقية العناصر للاحتياط في المطار.
ركبت المجموعة الأولى السيارات، وعند وصولهم للسجن تم تقسيمهم لمجموعات، تتألف كل واحدة من 6 لـ 10 عناصر يقودها أحد الضباط.
كان مدير السجن على علم مسبق بالأمر فسلّم عناصر السرايا مفاتيح السجن وأرسل معهم بعض الجنود (من الشرطة العسكرية العاملين في السجن) مرشدين لهم (لأن عناصر السرايا لا يعرفون مداخل السجن والزنازين..).
يتألف سجن تدمر من 32 زنزانة جماعية موزعة على خمس باحات، عدد المعتقلين وقتها حوالي 800 – 1000 شخص، ونفذت المجزرة على مرحلتين:
1 – بالمرحلة الأولى تم إخراج المعتقلين من الزنازين المطلة على الباحة الأولى والثانية والثالثة، جمع معتقلو الباحة الأولى في زاوية الباحة الشمالية الشرقية، أما نزلاء الباحة الثانية فجمعوا في آخر الباحة مقابل نهاية المهجع رقم (8) ذي الشرفة الواسعة.
أما نزلاء الباحة الثالثة فجمعوا في الزاوية الشرقية الجنوبية من الباحة أمام المهجع رقم (12). تعرض المعتقلون في اليوم السابق لتعذيب شديد فأصيب الجميع بالذهول عندما فوجئوا بالشرطة يفتحون الأبواب ويخرجونهم على هذه الصورة في ذلك الوقت (الساعة السابعة صباحاً)، أعطيت الأوامر بإطلاق النار على جميع المعتقلين، فانهمر الرصاص يحصد أولئك الأبرياء، كما قام المجرمون بإلقاء عدة قنابل يدوية، وخاصة في الباحة الثانية، وتمكّن أثناءها بعض المعتقلين في الباحة الأولى من الهرب والدخول إلى المهجع رقم (4) فتبعهم عدد من المجرمين وأطلقوا عليهم النار وقتلوهم، بعد ذلك قام القتلة بتقليب جثث الضحايا والإجهاز على كل من لاحظوا فيه بقية من حركة أو رمق، وهكذا أجهز المجرمون على المجموعة الأولى من المعتقلين، ثم انتقلوا إلى الباحة الرابعة، ففتحت المهاجع وطلب الشرطة من السجناء الابتعاد عن الأبواب، وقام القتلة بإلقاء القنابل اليدوية على المعتقلين، وفتحوا عليهم أسلحتهم النارية، حتى أجهزوا على الجميع، وخرج القتلة بعد ذلك إلى الباحة الثالثة، ودخلوا الباحة الخامسة وفعلوا بمعتقليها مثلما فعلوه بمعتقلي الباحة الرابعة، ولكن أحد الإخوة تمكن من الاختباء في دورة المياه القريبة من باب أحد المهاجع، وتمكّن من انتزاع البندقية من أحد القتلة، وأجهز عليه، ويدعى الرقيب إسكندر أحمد، وجرح شخصين آخرين، لكن أحد المجرمين أطلق عليه النار وقتله. ثم قلب القتلة جثث الضحايا، فأجهزوا على كل من وجدوا فيه بقية رمق، وتلطخت أيديهم وثيابهم بدماء الضحايا، وهكذا، وفي خلال دقائق قليلة أصبح جميع معتقلي سجن تدمر في عالم الآخرة.
عاد المجرمون من حيث أتوا، ووصلوا مطار المزّة بتمام الساعة الثانية عشرة والنصف، وانصرفت كل مجموعة إلى لوائها… كان الرائد معين ناصيف بانتظار المجموعة التي خرجت من اللواء 40 ليشكرهم على جهودهم، وقال لهم: (أنتم قمتم بعمل بطولة، بعمل رجولة) ثم أمرهم بكتمان العملية وقال (ما لازم تطلع هالعملية خارج منّا! يعني لازم تظل سرية ومكتومة) وفي اليوم التالي وزعت السلطة مبلغ (200 ل. س) على كل عنصر من العناصر الذين شاركوا بالمجزرة. [حمامات الدم ص 67 و 68 و 69].
* هذا جزء مما يتعلق بالمجزرة التي حصدت أرواح قرابة ألف مسلم من الأطباء والمهندسين وحملة الشهادات الجامعية، ومما يجدر بالذكر هنا أن عنصرين من عناصر سرايا الدفاع أرسلا إلى الأردن لاغتيال رئيس وزرائها، ولكن العملية أخفقت وقبض على الجناة فأقرا بجريمتهما واشتراكهما في مجزرة تدمر، ونشرت الأردن تفاصيل مجزرة تدمر وتفاصيل مخطط مضر بدران عام 1981 في كتاب بعنوان: “الوثائق الأردنية 1981 تفاصيل مؤامرة النظام الطائفي الفئوي اللا سوري للاعتداء على حياة السيد مضر بدران رئيس وزراء الأردن” وهذا الكتاب من إصدار وزارة الإعلام في الأردن.
وعلى كل حال فهذه المجزرة يمكن أن نسميها المجزرة الصغرى، ولعلك تسأل: وهل هناك مجزرة كبرى، والجواب نعم، فالمجزرة الكبرى تفوق هذه بأمرين:
الأول: أنها استمرت عشرين سنة كاملة من عام 1980 إلى هلاك المجرم حافظ عام 2000م.
والثاني: أن ضحاياها زادوا على عشرين ألفا، نصفهم تقريبا أعدموا على أعواد المشانق، والنصف الآخر ماتوا عندما انزلقت أرجلهم فسقطوا في الحمام.
ولا بد أن تفغر فاهك دهشة وتقول: لا شك أن هذا ضرب من الكذب!؛ إذ كيف يمكن لما يقرب من عشرة آلاف سجين أن يموتوا نتيجة الانزلاق في الحمام!
والجواب، نعم هو كذب، ولكن هذا ما كان يسجله الزبانية في الأوراق والأضابير عندما يموت السجين تحت التعذيب.
فإذا قتل سجين استدعوا رفاقه في المهجع، وسألوهم: كيف مات؟ فلا يجدون إلا أن يقولوا: تزحلق في الحمام فمات.
وأي قهر أشد من هذا؟ ألا يجرؤ الإنسان على قول الحقيقة للمجرم الذي ما تزال يداه ملطخة بالدماء، دماء الضحية، ولما تجف بعد.
والحديث عما لاقاه إخواننا في سجن تدمر يحتاج إلى مجلدات ضخام؛ إذ كل سجين قصة تنزف دما وتسيل ألما، وقد ألف عدد من الناجين من ذلك الجحيم كتبا تحدثت عن معاناتهم وما لاقوه من الشدائد والأهوال، وسنستعرض بعضا منها في هذا المقال، ونترك بعضا آخر إلى مقال قادم إن شاء الله..
* فمن الكتب المؤلفة في هذا الشأن:
– كتاب تدمر شاهد ومشهود: لمحمد سليم حماد، وهو أردني قدم إلى دمشق ليدرس الهندسة في جامعتها، وكان يعمل مراسلا للإخوان، فقبض عليه عام 1980 بعد مجزرة تدمر، ومكث في السجن أحد عشر عاما، ومما ذكره في كتابه: “لكن عملية الشبح وحدها كانت كافية لتمزق أعصابي وتتلف جلدي وتفقدني الوعي بعد عشر دقائق، غير أن الأمر ما كان كذلك وحسب، فسرعان ما انطلقت تتناوشني مجموعة من الكبلات والعصي تجلدني كأسياخ النار، تبعتها من حيث لا أدري لسعات الكهرباء تتخير أكثر مناطق الحساسية في الجسد فتصعقها بلا رحمة؛ في الأنف مرة، ومرة في الشفتين، في العورة، في شحمة الأذن، في كل مكان تتجمع فيه مراكز الإحساس، انفجرت بالصياح من شدة الألم، فكأنما ازداد الجلادون انتشاء بذلك وازدادت حدة اللسعات والصعقات من غير أن يسألني أحد أي شيء، كنت أسمع وسط دوامة الألم صيحاتهم وهياجهم كالكلاب المسعورة حولي، ومن غير أن أبصر شيئا أحسست أنهم كانوا قرابة العشرة، ومع كل ضربة كانت تطرق أذني شتيمة جديدة وألفاظ كفر بالله تزلزل السموات والأرضين” [ص 14 – 15].
وهذا العذاب الذي ذكره هنا قبل نقله إلى تدمر، فلما نقل إليها كان ذلك شبه لا شيء أمام ما لقي في تدمر.
ويقول: “فتح الباب فجأة ودلفت دفعة جديدة من المساجين الجدد تجاوز السبعين، أغلبهم شباب في مقتبل العمر من طلاب الثانوية العامة أو الجامعة، علمنا لاحقا أنهم كلهم من مدينة حمص، وأنهم نالوا من العذاب مثل ما نلنا”. [ص26].
فانظر كيف قضى النصيريون على خيرة شباب سوريا وزهرتهم، ففي أي بلد يريد الرقي يكرم العلماء وطلبة العلم؛ لأنهم طليعة المجتمع الذين ينهضون به، أما في سورية فمكانهم في القبور أو السجون.
ويقول: “ولم يطل بنا الانتظار كثيرا، فما هي إلا برهة حتى سمعنا أصوات التكبير تتعالى، وسجناء ينادون أسماءهم، ويقولون: أخوكم فلان يوحد الله، ومن بين هؤلاء لا أزال أذكر اسم الأخ محمد ناصر البيك من حمص الذي بلغتنا تكبيراته وعبارته الأخيرة يقول: أخوكم محمد ناصر البيك يوحد الله، فعرفه الإخوة من مدينته في المهجع معنا، وأيقنا أنها عملية إعدامات تجري الآن وأن مجموعة من السجناء يعلقون على المشانق بالفعل، فاحتبست أنفاسنا جميعا واختنقت فينا العبرات، وتجمدت على ألسنتنا العبارات” [ص50].
– ومن الكتب المؤلفة: حمامات الدم في سجن تدمر: لعبد الله الناجي، ولم يذكر في الكتاب شيئا يمكن أن يستدل به على بلده وموطنه، غير أن كتابه من أغزر الكتب فائدة؛ لما حواه من معلومات قيمة عن أساليب المحققين وألاعيبهم وسياسة النظام الإجرامية خارج السجن وداخله، ومما ذكره:
“إن معظم معتقلي تدمر هم من خيرة أبناء سورية علما وخلقا، جمعتهم تلك المحنة ووحدتهم الظروف القاهرة، لقد تكيف الجميع مع تلك الأوضاع الشاذة وتعاملوا معها على قاعدة الحاجة أم الاختراع، وراح الأطباء يساعدون إخوانهم بشتى الوسائل..، وقاموا بتجميع حبات العنب الفاسدة في كيس نايلون وتركوها تتخمر لاستعمالها في تطهير الجروح، وأحيانا كانوا يضعون على الجروح رماد السجائر بهدف تشكيل طبقة عازلة لحمايتها من التعفن، وأجروا عمليات شق وتفجير الخراجات والدمامل الناشئة عن الجروح المتعفنة باستعمال بعض القطع المعدنية الحادة التي أمكن الحصول عليها بطريق الصدفة كأجزاء الساعات المهشمة أثناء التعذيب والتي نجح السجناء بصنع أدوات حادة منها يمكن استعمالها..، وأما دورهم الوقائي فكان ذا أهمية كبيرة عن طريق التوعية والشرح بطرق العدوى والوقاية من الأمراض، كما كان لنصائحهم الدور الكبير في الوقاية ومنع تدهور الحالة الصحية” [ 144 – 145 ].
ومما ذكره في تعداد أساليب التعذيب:
“(وسائل التعذيب الجسدية والنفسية) :
1 – التعذيب بالضرب: لطما ولكما وركلا، ومن الوسائل المشهورة عندما يصل السجين إلى سجن المخابرات: الدولاب.
2 – استعمال السلم: يثبت المعتقل على سلم خشبي وجهه للأسفل وظهره للأعلى، بعد أن يعرى من ملابسه ويجلد على ظهره بالكبلات الكهربائية المجدولة.
3 – استعمال بساط الريح: وهو عبارة عن قطعتين من الخشب تتصلان مع بعضهما البعض بحيث يمكن طيهما لتصبح بشكل زاوية قائمة، يوضع المعتقل عليها ويثبت وترفع رجلاه للأعلى ليضرب عليهما باستعمال أدوات الضرب المختلفة.
4 – ضرب السجناء على مفاصلهم (مفاصل الرجلين خاصة الركبتين) بالمطارق الحديدية وسواطير اللحمة والفؤوس.
5 – التعليق إلى السقف بواسطة سلاسل حديدية من اليدين ويرفع السجين للأعلى أو يعلق من رجليه ورأسه للأسفل كما تعلق الذبيحة.
6 – الضرب بوضعية الوقوف أو الركض.
7 – التعذيب بالماء البارد.
8 – التعذيب بالكهرباء، وله أشكال عديدة؛ منها: ربط الأقطاب الكهربائية بأصابع اليدين أو القدمين أو بالأذنين، وهذا يؤدي لأذيات بالدماغ.
وأبشع هذه الصور هو وضع الأقطاب على الأعضاء التناسلية وإدخال القطب الآخر بالدبر بواسطة الخازوق.
9 – التعذيب بالنار، كاستعمال الأدوات الكهربائية مثل السخان الكهربائي فيرغم المعتقل بالجلوس عليه بعد تسخينه ويوضع على أماكن حساسة ومختلفة من الجسم.
10 – استعمال الخازوق: وهو عبارة عن أداة معدنية لها رأس مدبب وقاعدة عريضة، يؤمر السجين بالجلوس عليها ليدخل رأسها المدبب بالدبر، وقد يوصل بها تيار كهربائي.
11 – استعمال المواد الكاوية والأملاح: وهي أن يذاب الملح بالماء ويسكب على جسم المعتقل الذي امتلأ بالجروح، وقد تستعمل المواد الكاوية (الحموض والقلويات) بدل ملح الطعام.
12 – التعذيب بالكماشة: تقلع أظافر اليدين والقدمين بواسطة الكماشات، وينتف شعر اللحية والشارب وشعر الجسم في مناطق حساسة إما باليدين أو بالكماشات.
13 – الشنق من القدمين: وهي تقييد قدمي السجين بقيود خاصة أو بالسلاسل، وتعليقه من قدميه، رأسه إلى أسفل كما تعلق الذبيحة.
14 – ومن الطرق أن يؤمر السجين بالوقوف لفترة طويلة مع الحرمان من الطعام والشراب والخروج للخلاء يوما وأكثر.
(ومن طرق التعذيب النفسي):
1 – يرغم المعتقل على إغماض عينيه ويشتم ويضرب فور وصوله.
2 – التهديد بالموت بطرق مختلفة كغطس الرأس بالماء حتى درجة الاختناق.
3 – إدخال المعتقل لغرفة التعذيب ليشاهد أدوات التعذيب وآثار العذاب المختلفة مع بقع الدم، وقد يشاهد معتقلا آخر قد عذب بشدة أو يشاهد جثة أحد الذين ماتوا تحت التعذيب، وقد يجعلون المعتقل في غرفة قريبة من غرف التعذيب ليسمع صراخ وأنين المعذبين.
4 – التهديد بالأهل: تقوم المخابرات السورية باعتقال أقارب السجين من النساء كزوجته أو أخته أو ابنته والتهديد باغتصابها أمامه.
5 – التهديد بممارسة اللواطة مع المعتقل، وأحيانا أمام زوجته.
6 – تقييد أيدي المعتقل طوال الوقت” [من صفحة 50 – 56 باختصار].
– ومن الكتب المؤلفة: من تدمر إلى هارفارد: للدكتور البراء السراج، وكان يدرس الهندسة في دمشق عندما قبض عليه، ومما ذكره: “بدأ التفتيش، اخلع ثيابك كاملا إلا الشورت الداخلي، ثم عليك أن ترخي الشورت إلى الركب، “حركتين أمان ولاك” وحركتا الأمان هي أن تضع يديك فوق رأسك ثم تقعي على ركبتيك اليمنى ثم اليسرى، أمان من أنك لم تخبئ شيئا في الدبر”.
يمسك الرقيب المعجم “كان معه معجما عندما قبض عليه” ثم يسألني: ما معنى Dictionary ؟
“معجم”.
لملم أغراضك، يقول ذلك وهو يركل المعجم بقدمه بعيدا.
شاهدت الكتاب يتهاوى بعيدا ببطء، وكأنها لقطة سينمائية مبطأة ويهوي قلبي وراءه، أمضيت سنة وأنا أترجم ذلك المعجم إنكليزي إنكليزي للغة العربية حتى أنهيت ثلثه، ثم يأتي جاهل برفسة حافر ليقذفه بعيدا [صفحة 20].
ويقول: “23 كانون الثاني 1987م أتوا إلينا 25 شخصا من مهجع الأحداث، وهم الذين اعتقلوا تحت سن 18، وكانوا حوالي 400 ، أصبح المهجع مكتظا ب 120 شخص، وصار الجو خانقا رغم الشتاء القارص”.
– ومن الكتب المؤلفة: ضربة الجبان: لرمضان إبراهيم عرب، ومما ذكره: “ما يقرب من عشرين ألفا من خيرة شباب سوريا عُلقوا على أعواد المشانق وقودا للظلم والعدوان وقربانا لعرش الطاغية المجرم بموجب القرار أو قانون العار رقم 49” [صفحة 93].
– ومن الكتب المؤلفة: عائد من جهنم: لشاب لبناني اسمه علي أبو دهن اعتقل في السويداء، ولفق له النظام تهمة التجسس لإسرائيل، ومما ذكره في كتابه أن أحد السجناء ويدعى نزار حلاق أُجبر على أكل فأرة ميتة، أما علي أبو هن فقد أجبر على أكل عصفور ميت وسبعة عشر صرصورا [صفحة 117].
ومما ذكره أيضا أنه جاءهم مرة أرز عليه لحمة، فقام السجان بالبول عليه. [صفحة 72].
– ومن الكتب المؤلفة: نفحات من سجن تدمر: لوليد الشيخ نايف، وهو شاب من تل رفعت تخرج من كلية الآداب، لغة إنكليزية، وكان يريد الذهاب إلى بريطانيا لإكمال دراسته، ومما ذكره: أنه ذهب ليعزي بعض السجناء بعد أن ضرب ضربا مبرحا، فقلت له: الحمد لله عالسلامة، أجر وعافية يا أبو حمود، فتنهد من أعماقه وقال: المشكلة مو هون بس.. المشكلة إنه.. أنا فقدت فحولتي أيضا، فقد وضعوا الكهرباء كثيرا وطويلا أثناء التحقيق في المنطقة الحساسة من جسمي، وأنا فقدت فحولتي.. نعم لقد فقدت رجولتي يا صاحبي.
– ومن الكتب المؤلفة: خمس دقائق وحسب: لوهيبة الدباغ، وهي شابة من حماة كانت تدرس في كلية الشريعة في دمشق، وقد اعتقلت لأن أخاها صفوان من الإخوان، وأثناء اعتقالها جرت مجزرة حماة الكبرى وقتل فيها أبوها وأمها وخمسة من إخوتها، وهي وإن لم تذهب إلى سجن تدمر لكنها التقت بعدد من السجينات اللواتي كن في تدمر، ونقلت شيئا من أخبارهن، كما ذكرت شيئا من أخبار الشباب الذين كانوا يعذبون في ذات الفرع الذي كانت فيه.
ومما ذكرته: “وكثيرا ما صرنا نراهم يسحبون الشاب محطما أو ميتا فيلفونه بالبطانيات ويأخذونه إلى حيث لم نكن نعلم، ولا أزال أذكر كيف أخرجوا أحد هؤلاء المساكين من غرفة التعذيب وألقوه أمام باب مهجعنا ليفسحوا مكانا لغيره حتى يذوق الأهوال، فجعل هذا المسكين وقد تدلى لسانه والدم يغطي جسده كله يسألهم جرعة ماء، ولا من مجيب، فلما طال به الأمر أرقنا له من تحت الباب بعض الماء فجعل يلعقه بلسانه لعقا من على الأرض”.
ومما ذكرته أيضا حادثة ولادة في سجن تدمر: “فلما جاء سلوى الطلق كتمنا الخبر وصياحها معها خشية أن يكون ذلك سبب عذاب جديد لها أو لهن..، وروت الأم بنفسها أنهن قصصن لها الحبل السري بقطعة تنك اقتطعنها من علبة الصفيح”.
* هذا جزء من المآسي والكتب التي ألفت عن سجن تدمر ومجازره، ونكتفي بهذا القدر لنتابع في مقال قادم إن شاء الله.
والحمد لله رب العالمين.
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد 28 اضغط هنا
لقراءة مقالات مجلة بلاغ العدد 28 اضغط هنا