من “أبو غريب” إلى “سدي تيمان” نفس الإجرام ونفس الوحشية – مجلة بلاغ العدد ٦٤ – صفر ١٤٤٦ هـ

الأستاذ: حسين أبو عمر

ما خرج من صور وفيديوهات وشهادات وتقارير عما يحدث من انتهاكات وتعذيب -بل وصل الأمر إلى الاغتصاب- في المعتقلات الصهيونية بشكل عام، ومعتقل “سدي تيمان” بشكل خاص يعيد إلى الأذهان انتهاكات الأمريكيين بحق المسلمين في سجن “أبو غريب”، سيّء السمعة -هذا إن كانت كلمة سيّء تكفي للتعبير عما حصل من انتهاكات في ذلك السجن اللعين..

لم يكن سجن “أبو غريب” المثال الوحيد الذي يعبر عن الحضارة وعن الأخلاق الأمريكية ويفضح طبيعتهم الإجرامية، بل سبقته ولحقته أمثلة أخرى مثل سجن باغرام، ومعتقل غوانتانامو، وغير ذلك من الأمثلة… إلا أن صور التعذيب والشهادات عن التعذيب واغتصاب الرجال، وغير ذلك من الانتهاكات التي حصلت من سجن “أبو غريب” جعلت له صورة وذاكرة لا يمكن أن تمحى من الأذهان..

وحشية يقف الخيال أمامها *** متضائلا وتمجها الأذواق

كما لم يكن سجن “أبو غريب” الحالة الوحيدة التي تُعبر عن الهمجية وعن الإجرام الأمريكي، فإن معتقل “سدي تيمان” كذلك ليس المثال الوحيد الذي يُعبر عن الهمجية وعن الإجرام الصهيوني، بل إن إجرام الصهاينة بلغ مبلغًا عظيمًا؛ من قتلٍ وتدميرٍ وتشريدٍ وحصارٍ وتجويعٍ وسجنٍ واغتصابٍ، وإطلاق الكلاب على الضعفاء… بل وصلت بهم الجرأة أن دعت أكثر من شخصية كبيرة لإبادة أهل غزة؛ كان آخرها تصريح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي قال فيه: “إن قتل مليوني فلسطيني بقطاع غزة جوعًا قد يكون عادلًا وأخلاقيًا لإعادة الأسرى الإسرائيليين من القطاع”.

وهذا الأمر ليس مقتصرًا على التصريحات، بل هو حقيقةٌ مشاهدةٌ، حيث يُمارَس بحق أهل غزة أسوأ مما يمكن أن يتصوره عقل بشر!

 

وكما أنه لم يضع حدًا لإجرام الأمريكيين بحق أهل السنة، ويجبرهم على تغيير نهجهم في “أبو غريب” وفي غيره سوى ردود الفعل المناسبة لإجرامهم، فكذلك لن يوقف هذا السلوك الحيواني من قبل الصهاينة إلا ردود فعلٍ عنيفةٍ تجبرهم على إعادة حساباتهم، في كتابه «مستقبل القوة» نقل جوزيف ناي قول الجنرال الأمريكي ستانلي ماكريستال، الذي قاد «قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان» «إيساف» مؤيدًا له: “إن حادثة أبو غريب، وغيرها من المواقف المماثلة لا يمكن استصغار شأنها.. إن العدو مستمرٌ في ضربك بها مثل العصا”.

والضرب هنا ليس مقتصرًا على الفضح وكسب السردية، وإنما الضرب بالعصا الثقيلة؛ أما الاكتفاء بفضحهم فلن يأتي بنتيجة، ولقد عبر المجرم نتنياهو عن ذلك بصراحة، حيث قال في تصريح لمجلة تايم: “أفضل أن أحظى بتغطية إعلامية سيئة على أن أحظى بنعي جيد”، بل إن نقل جزءٍ من إجرامهم عبر الإعلام أمرٌ مقصودٌ؛ وذلك لاعتقادهم أن نقل صور القتل والدمار والوحشية في التعذيب سيؤدي إلى إرهاب المسلمين وقذف الرعب في قلوبهم وانكسارهم، وبالتالي امتناع المسلمين عن القيام بأعمالَ ضدهم، أي استعادة الردع؛ ولقد قال نتنياهو ذلك صراحةً في تصريحه لمجلة تايم، بعد أن تحدث عن عدم اكتراثه بالحصول على تغطية إعلامية سيئة، حيث قال: “هدفنا هو تدمير قدرات حماس بالكامل والهدف الأكبر والأهم هو استعادة مبدأ الردع الإسرائيلي”.

وإذا لم يستطع المسلمون تحصيل توازن قوةٍ يمنع العدو من ارتكاب المجازر والفظائع بحق المسلمين، فإنهم يستطيعون تحقيق توازن رعبٍ، يُجبر العدو على تغيير نهجه؛ وينبغي أن يكون الضرب في المكان والطريقة التي تضر بالعدو وتجبره على تغيير نهجه، فالعدو مستعدٌ لتقبل عدد قتلى من جنوده محددٍ في ساحات القتال في غزة، أو من مستوطنيه بسبب العمليات في الداخل؛ فينبغي التفكير تحقق الصدمة، أو أكثر نكاية، وينبغي إظهار هذه العمليات بطريقةٍ إعلاميةٍ تؤثر على نفسية العدو..

العمليات الفردية في الداخل، على سبيل المثال، هي عمليات مباركةٌ وتحقق نكايةً بالعدو، ولكن، يمكن جعل نكايتها أضعافًا لو تم تغيير طريقة العمل فقط، فمن يقوم بعملية طعن بالسكين مثلًا لن يتمكن من إلحاق الضرر إلا بعددٍ قليلٍ، فلو استعاض عن هذه الطريقة بالتسبب بحادثٍ مروريٍ على طريقٍ سريعٍ سيسبب ضررًا أكبر بكثير من عملية الطعن، خاصةً إذا استطاع التسبب بانقلاب باص مليء بالركاب، وإذا كان شخصٌ غير مطلوبٍ يمكن أن ينجو هو، ومن يستعمل السلاح في عمليته، لو استعمله على سائق باص وإطارات باص على طريق سريع سيؤدي إلى إلحاق الضرر بعدد كبير أيضًا..

Exit mobile version