لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ – مجلة بلاغ العدد ٦٨ – رجب ١٤٤٦ هـ⁩⁩

كلمة التحرير

منّ الله تعالى على أهل الشام بالنصر والفرج، فله الحمد وله الثناء الحسن.

وإنّ مِن شُكر نعمة الله تعالى علينا الذي رزقنا النصر، والذي هو أخبرُ بنا من أنفسنا، أن نستعمل الأرض التي استخلفنا الله تعالى فيها بأن نُقيم فيها شرعه، ونُحكِّم فيها كتابه، فإنْ فعلنا ذلك ثبّت الله علينا نعمته، وزادنا، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7]، ومِن جحود نعمة النصر وكفرها أن نقيم فيها غير شرع الله، وأن نُحكِّم فيها غير كتابه، فإذا فعلنا ذلك، سلبنا الله النعمة، واستبدل بنا، والعياذ بالله، قال تعالى في تتمة الآية السابقة: {وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]، وقال: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].

فالواجب الآن على من مكّنه الله تعالى في هذه الأرض أن يسعى لتطبيق شرعه، ويبتغي بذلك رضوان الله تعالى، وأن يتذكر دائمًا أن أعداء الدين لن يرضوا عنه مهما فعل ومهما تنازل، حتى يكفر بالله تعالى، وهذا أمرٌ محسومٌ في كتاب الله تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، أما إذا سعى لإرضاء الله تعالى، فإن الله سييسر أمره، وسيُرضي عنه عباده، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ؛ رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ، سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ».

ولا مانع شرعًا مِن أن نستفيد من الرخص التي أباحها الله لنا، لا سيما عند الضرورة، منتهجين بذلك نهج السياسة الشرعية في ضوء الكتاب والسنة، وذلك بدفع أعظم الشرين بارتكاب أدناهما، فرب العالمين قال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78]، لكن بشرط ألا يتجاوز القدر الذي تقتضيه الضرورة، فإنّ الضرورة تقدّر بقدرها، وربنا تبارك وتعالى أباح للذي أصابته مخمصة وخشي على نفسه الموت أن يأكل من لحم الخنزير إذا لم يجد طعاما غيره، ولكنه قال: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة:173]، فيأكل بمقدار ما يدفع الموت عن نفسه، دون أن يتجاوز الحد المباح، فلا يأكل ليتلذذ ويتمتع بطعم ما يأكل، مع كُرهه بقلبه لهذا المنكر، واعتقاده أنه ما يفعله إلا ضرورة لدفع ضرر أكبر، ومفسدة أعظم، ستحلّ بالمسلمين، إذا لم يرتكبه.

هكذا يبارك الله له في عمله، ويعينه على مرضاته، ويوفقه لما فيه الخير للبلاد والعباد، قال تعالى: {إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ} [الأنفال:70]، وقال: {إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35]، وقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69].

أعان الله القائمين على أمر سورية على تطبيق حكمه وإقامة شرعه، ونجى هذه الأمة من مكر الماكرين، وحقد الحاقدين.

والحمد لله رب العالمين.

Exit mobile version