الآنسة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21].
وهل تحسبين يا أختي أن من لبست حجابها لله كالأخرى التي لم تلبس هذا الحجاب لله؟
هل تحسبين أن محياهما ومماتهما سواء؟
وهل تحسبين أن من أحبت ربها وأسلمت وجهها له وبرمجت حياتها على معرفة الأمر الذي خلقت له، ولأجله خلقت الدنيا والآخرة، والجنة والنار، والميزان والصراط، وفهمت قوله تعالى: {وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدونِ} [الذاريات:56]، وعلمت أن أجلى صورةٍ لعبادة الله هي حبه وعمل كل ما يحبه ويرضاه لذلك فكما أمرها ربها بالصلاة فصلَّت..
كذلك أَمَرَها بالحجاب فتحجبت.. حباً وطاعةً واقتناعاً، ولم تفسد حجابها ولم تنقض عهد الحب بينها وبين ربها.
لم تترك للشيطان مدخلاً في عباءتها.
لم تترك لأيٍّ ممن يمشي في الشارع أن يرى منها ولا حتى ظفرها ولا فتحة عينها حتى بدت كجوهرةٍ مصونةٍ، درةً مكنونةً حين راقبت الله عز وجل في حجابها.
وقد علمت أن ربها أرحم الراحمين بها، وأن من رحمته بها أن شرع لها الحجاب السابغ الساتر الصافي من الغش البريء من الفتن والمعاصي.
فهي أولًا: كالذهب الإبريز؛ لا، بل أغلى منه.
وهي ثانيًا: من أهم أسباب رفعة الأمة وحفظها وصيانتها من كيد أعدائها، ونشوء الجيل نشأة سوية ليتحقق أمل الأمة فيه، ويكون أيضًا سبب دخولها الجنة محفوفةً بقول الملائكة لها {سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ} [الرعد:24].
لكن للأسف هي اليوم نادرةٌ أو شبه مفقودةٍ وذلك بسبب التعليم الفاسد والإعلام الرديء والمجتمع الفاقد لهويته، والمخطط الرهيب الذي يتعرض له الحجاب الذي وقع ضحيته السواد الأعظم من جيل اليوم إن لم يكن كله إلا من رحم الله، قال تعالى: {فَلَولا كانَ مِنَ القُرونِ مِن قَبلِكُم أُولو بَقِيَّةٍ يَنهَونَ عَنِ الفَسادِ فِي الأَرضِ إِلّا قَليلًا مِمَّن أَنجَينا مِنهُم وَاتَّبَعَ الَّذينَ ظَلَموا ما أُترِفوا فيهِ وَكانوا مُجرِمينَ} [هود:116].
والنتيجة!!!
جيلٌ ضائعٌ ونصرٌ مفقودٌ بسبب شبه فقدان هذه المرأة من الوجود وتحمل أيها الجيل الجديد هذه المصائب إلى أن يأتي علماء ربانيون من كلا الجنسين ليصنعوا لنا هذه المرأة!!!
ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله..
وأما الثانية؟
وللأسف هي التي كثرت وانتشرت حتى في أفضل الأوساط، فهي أولًا؟ لم تستوعب بل لم تعش معاني الحجاب ومغزاه، بل لم تذق حلاوته، لم تهنأ بحبه، بل ظنته في بعض الأحيان أنه قيدٌ وكتمٌ للأنفاس، وتمكن الشيطان منها حتى أمست الشوارع والطرقات معرضاً لموضات ما يسمونه “بالحجاب” والحجاب بريءٌ منه براءةَ الذئبِ من دمِ يوسفَ عليه السلام حين سوّلت لإخوته أنفسهم أمراً كما سوّلت لهذه المرأة نفسها أمرًا والله المستعان على ما يصفون.
فلا تسل عن الحيل واختراع الأساليب الشيطانية لإبطال مفعول الحجاب حدث ولا حرج من الخرز -البرق- والفصوص، عدا عن الضيّق والقصير وإخفاء العيوب بل إظهارها كأجمل وأفتن ما يكون، لا لإحصان الزوج وإعفافه، ولكن لقتل العفة من كل المجتمع ومحوها وقلعها من جذورها.
ليصير المجتمع قاعاً صفصفاً أهلكته الذنوب ودمّرته الحروب، ولا يزال على هذه الحال إلى أن نصحو من غفلتنا ونرجع لأصول ديننا ونصنع المرأة الصالحة مخبراً ومظهراً، قلباً وقالباً نيةً صالحةً وحجاباً وستراً صحيحين، حتى إذا شاركت في نصر الدين ونصرة المظلومين نصرها الله لأنها نصرت دينها بالتزام الحجاب بشروطه الثمانية.
فاستنزلي النصر يا أختاه بتحقيق شروطه..
ولينصرن الله من ينصره: {الَّذينَ أُخرِجوا مِن دِيارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلّا أَن يَقولوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولا دَفعُ اللَّهِ النّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذكَرُ فيهَا اسمُ اللَّهِ كَثيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزيزٌ} [الحج:40].
وفي هذه الآيات البلاغ الكافي لمن أراده، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لتحميل نسخة من المجلة BDF اضغط هنا