⭕️الطريقُ M4، ورأسُمالِ الثَّورة السُّوريَّةِ.
اقرأ وبلِّغ يرحمك الله.
والآن بعد أن عَلِمَ الجميعُ ما هي نتيجةُ ذريعةِ “نريد أن نخفِّفَ عن شعبنا” التي قدّمها من وقَّعوا على أستانة ثم أذعنوا لسوتشي ثم موسكو وغيرها من الاتفاقات المتسلسلة القابلة للتّعديل، حسب المُعطياتِ على الأرضِ وتغيُّر عقيدة الطَّرفين القتاليّة.
نعم، لا بد أن يذكرَ الجميعُ الآن وفي كلِّ آنٍ، أنَّ الأمر لا يقوم على أشخاصٍ أو تنظيماتٍ أو زمانٍ أو مكانٍ، الأمرُ يقومُ على ما هو أخطرُ من ذلك بكثيرٍ، إنها العقيدة، هل سنستمرُّ بالجهاد لتحقيق الغاية التي قامت الثَّورة السُّوريَّة من أجلها، وقُتِلَ وأُسِرَ وبُتِرَ وهُجِّرَ الملايينُ من أجلها؟!.
يُذكِّرني الجدلُ حول مرور الدَّوريَّات الرُّوسيَّةِ على طريق M4 بعد أن استولت بغدرها وتقصيرنا على M5، يُذكِّرني بمقولةٍ قالها الدكتور أيمن هاروش لأهل الزبداني ومضايا وقتَ “صفقةِ” الفوعة كفريا، قال: “أنصح أهل الزبداني ومضايا وكل المحاصرين أن لا يقبلوا بالتهجير، ان ضاقت سبل الجهاد فالمصالحة وتسوية الوضع أهون من التهجير وتغيير الديمغرافية” !!!!، فهل أغنى من بقيَ وصالحَ عن الثَّورة شيئاً؟! وهل حافظ على “الديمغرافية”؟! أم استكان وتغيَّرت عقيدته أو إرادته الثّوريّةُ على أقلِّ تقديرٍ؟!، وهل سَلِم أهلُ المصالحاتِ على أبدانهم من القتلِ والسَّجنِ والتَّسخير في القتال مع الكفر؟! أم سلموا على أرواحهم وقلوبهم من تغيير العقيدةِ والارتِكاسِ للخوض في الباطل حتى الأُذُن؟!، وما حال أبنائِهم اليومَ وغداً؟! أفلا يتَّقون؟!
ويُذكِّرني تخويفُ الضَّالِّينَ المُضلِّينَ للمرابطين ذَوي الكرامةِ من الحرب والقتل إن مَنعوا روسيا من المرورِ على الطريق M4، وكأنَّ الإجرامَ الروسيَّ توقَّفَ يوماً!!، يُذكِّرني بقولِ الشَّهيدِ بإذن الله عبدالباسط السَّاروت، إذ قال بالعاميَّة: “ما زال نحنا عندنا حي واحد من سوريا محرر، فنحنا شوكة بحلق هذا النظام، نحنا مستمرين ونرجع من هذا المكان”، ليزداد يقيني بأن الثَّورة تقومُ وتستمرُّ بجهاد ثابتي العقيدةِ أبطالِ الميدان، لا أصحابَ أقلامِ الإرجافِ والتَّخذيلِ والنَّظريَّاتِ المُجتثَّةِ، وأما السِّياسة الشَّرعيَّة فلا يزاود أحدٌ على أهلِ التَّخصُّص الحريصين.
ويُذكِّرني ثباتُ أهلِ الشَّام في موقفهم من مرور الرُّوس على الطَّريق M4، رغم الحرب التي تهدِّدُ بها روسيا للسَّيطرة على كل المحرَّرِ وإنهاء الثَّورة، يُذكِّرني بثبات أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، عندما أصرَّ على قتال مانعي الزَّكاةِ مع قتال المرتدّين عن الدّين كلِّياً، فلم يُفرِّق بين التَّوحيد والصَّلاة والزَّكاة، وهي أركانُ الدِّين، ووجْهُ الشَّبهِ أن المسلمَ إذا تنازل عن شيءٍ من العقيدة لمصلحةٍ مزعومةٍ خسِر العقيدة كلَّها أيو يكاد، قال أبو بكرٍ رضي الله عنه : “أينقُصُ الدِّين وأنا حيٌّ؟!”، وقاتَلَ على جبهاتٍ كثيرةٍ في وقتٍ ما كان فيه حالُ المدينةِ في جزيرةِ العربِ وقد ارتدَّ أكثر من سكنها، بأحسنَ من حالِ إدلبَ والشّمال في سوريا.
نعم، الأمرُ عقيدة، وليس مجردَ مناطقَ وطرقاً ودورياتٍ، فيا من تُفتِي للنَّاسِ أن يقبلوا بمرور الدَّورياتِ الرُّوسيَّة وتسوِّقُ الأمرَ على أنَّه مصلحةٌ، أو أهونُ الشَّرين، هل تعرفُ وتضمنُ المطالبَ الرُّوسيَّة بعد تسييرِ الدَّورياتِ؟!، وهل تضمنُ عقيدةَ النَّاسِ في المناطقِ التي ستمُرُّ بها الدَّورياتِ ويرَون عدوهم رأيَ العَينِ يسيرُ بينهم آمناً مطمئناً آمراً ناهياً؟!، هل سيبقى النَّاسُ على عدائهم وقتالهم للرّوس ومن والاهم؟!، وهل ستبقى العقيدةُ الثّوريّةُ القائمةُ على الجهادِ في سبيل الله للنيلِ من أعدائه أينما كانوا، وتحريرِ الأرض والعرضِ واسقاطِ النِّظام قويَّة؟!، أم أنها ستتلاشى يوماً بعد يوم؟!.
وهل وَعَدنَا اللهُ بالنَّصرِ من غيرِ ثمنٍ؟!، فإن انسحب العدوُّ بتفاهماتٍ مع غيرنا وبإذعانٍ منا، هل يُعدُّ هذا نصراً؟!، وهل يكون النَّصر بغير ألم؟!، وهل يكون بغير إيلامٍ للعدو؟!، {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء : 104]، فاعلموا يقيناً أن روسيا لم تلجأ للحيلةِ لولا ألمها في الحربِ، والحربُ سجال.
وانظر يا مجاهدُ ويا مرابطُ، يا من ثبَّتكَ الله على الحقِّ، وهو أغلى من النَّفسِ وإلا لما قدمناها في سبيله، وأغلى من الأرض، وإلا لما هاجرنا في سبيله، وأغلى من الدُّنيا وما فيها، اعلم أنَّ الأمثلةَ كثيرةٌ عن النَّصرِ بعد الثَّبات على المبادئِ وإن طالَ، فلو قبل مجاهدو أفغانستانَ بالدَّنيَّةِ والتَّعايشَ مع المحتلِّ لما انتصروا، وهذه غزةُ ما زالت شوكةً في حلقِ يهود، ولو قبل مجاهدوها بتسيير دورياتٍ إسرائيليَّةٍ فيها لما استمرت، ولانتهت مع هذا التَّعايُشِ القضيَّةُ الفلسطينيَّةُ، وانظر إلى حالِ من صالحَ الرُّوسَ وأذنابهم في الشَّامِ كيفَ يُقتلونَ بأيدي الكُفَّارِ في بيوتهم وبأيدي المؤمنين على تُخومِ المناطق المحرَّرةِ، أفلا نعتبر ؟!
فالصبرَ الصبر، والثباتَ الثبات، والعقيدةَ العقيدة، فإنَّما نُقاتل لدينٍ لا لدنيا، فلا ينقصُ الدِّين في أنفسنا ولا أنفس المسلمين ونحن أحياء، فرأسُ مالِنا الذي نتابعُ به خطَّ الثَّورةِ والجِهادِ هو رفضُنا وبُغضُنا لأعداء الدِّين، نحمله أينما كنا، ونستردُّ به حقوقنا إن شاء الله، فإذا تركناه لبعض الوهمِ والوَهَنِ، خسرنا كلَّ شيءٍ، وأورثنا ذلَّنا لأبنائِنا، فلم نكنْ من المُتَّقين، والعاقبةُ للمتَّقين …والعاقبةُ للمتَّقين.
29 رجب 1441
24 آذار 2020
المصدر: أبو يحيى الشامي (بروج-برهان)