الشيخ: محمد سمير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
قال تعالى حاكياً قول موسى عليه السلام لقومه بني إسرائيل {عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:129].
أسقط ربنا تبارك وتعالى بفضله وقوته نظاماً من أعتى الأنظمة الطاغوتية وأشدها عداءً لله ورسوله وحرباً للمسلمين، أسقطه الله عز وجل بعد أن ظن هو وأولياؤه أنه لن يسقط وسيستمر أبداً في الطغيان والظلم والعدوان.
لم يكن موافقٌ ولا مخالفٌ ولا خبيرٌ ولا محللٌ سياسيٌّ ولا عسكريٌّ يخطر في باله أن سقوط النظام سيكون بهذه السهولة وبهذه السرعة، وأمام هذا النصر العظيم وهذه الآية الجليلة من آيات الله لا بد من وقفات:
1- الوقفة الأولى: أننا اليوم في حالة اختبارٍ لصدق الدعاوى التي ظلت تردد خلال أربعة عشر عاماً طوال سنوات الثورة وعلى رأسها تحكيم شرع الله وإقامة دينه في الأرض والتزام هدي النبي عليه الصلاة والسلام واتباع خطا الخلفاء الراشدين، فالواجب اليوم على الثوار جميعاً الذين بدؤوا ثورتهم من المساجد مرددين (قائدنا للأبد سيدنا محمد) ثم كانوا جميعاً ونحن منهم نتشرف بذلك يقولون: (لا نريد إلا نصرة هذا الدين) الواجب علينا جميعاً أن نعمل بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41].
ولنحذر من الاغترار بشهوات الدنيا ومتاعها الزائل فإنها خدّاعة سحّارة سريعة الزوال والتحول فهي كما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وإنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كيفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فإنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ» رواه مسلم.
فإذا استقمنا على أمر الله في هذه المرحلة وصدقنا بما عاهدنا الله عليه زادنا تمكينًا في الأرض كما قال ربنا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].
فالله الله في هذا النصر احفظوه وحافظوا عليه وأروا الله من أنفسكم خيراً فإن النكول نتيجته الاستبدال والعياذ بالله قال تعالى: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد:38].
الوقفة الثانية: إن العمل لنصرة الدين وإقامة العدل ليس مسؤوليةَ طائفةٍ أو فردٍ أو جماعةٍ وإنما هي مسؤولية الجميع كلٌ بحسب موقعه وقدرته فواجب اليوم على كل مسلم لا سيما الدعاة وطلبة العلم أن يبذلوا أقصى طاقاتهم في العمل لدين الله ودعوة الناس وتعليمهم وإرشادهم والتصدي لفلول النظام ودعاة الحكم بغير ما أنزل الله.
وواجبٌ أن يبادر طلبة العلم والدعاة إلى العمل دون انتظار أن يطلب أحدٌ منهم ذلك أو انتظار ظروفٍ مثاليةٍ قد لا تتحقق إلا في الأذهان وإن الله تبارك وتعالى لن يسألنا عن تحقق الظروف المثالية إنما سيسألنا عما في وسعنا وطاقتنا قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، فمن كان ينتظر ليعمل أجواءً مناسبةً ومسكناً مريحاً وسيارةً جيدةً وفريقاً رهن إشارته فسينتظر طويلاً وربما يأتي أجله وهو كذلك.
الوقفة الثالثة: لن تسأل عن تقصير غيرك، ولا يضرك انحراف الآخرين طالما ظللت ثابتاً على الحق، فإياك أن تتخذ من أفعال الآخرين ذريعةً لترك ما أوجبه الله عليك أو ارتكاب ما نهاك الله عنه فكل سيسأل عن نفسه ولن يغني أحدٌ عن أحد قال تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:95]، فالزم طريق الحق ولا يوحشك قلة السالكين واحذر من طريق الباطل ولا يغرك كثرة الهالكين.
الوقفة الرابعة: إن الناظر في سنن التاريخ وحركة سير الأمم يستنتج بشكل جلي أن الأمة في صعودٍ وارتقاءٍ وتعافٍ من الأمراض التي أوقعها الأعداء بها وقد حققت بفضل الله عدداً من الانتصارات الجزئية في عدد من البلدان في أفغانستان وغزة وسوريا تمهيداً بإذن الله للانتصار الكلي والعودة إلى سيادة الأمم والتخلص من الهيمنة الغربية، فلا تشغل نفسك بتتبع الأخبار والتحليلات والتعليقات فيودي ذلك بك إلى اليأس بل اعمل ما تقدر عليه وانظر بصورةٍ كليةٍ تتضح بذلك لك الأمور وترتفع معنوياتك بإذن الله، واعلم أن الانتقال من الحكم الجبري الطاغوتي إلى الخلافة الراشدة لن يكون بين ليلةٍ وضحاها وإنما يحتاج عملاً وبذلاً ووقتاً وبكل حالٍ ستجد أن إصلاح الناس يستغرق وقتاً أقل بكثيرٍ من الوقت الذي بذل لإفسادهم فلا يكن أهل الباطل في نشر باطلهم أجلد منك في نشر الحق والحمد لله رب العالمين.