فَبُلُوغُ الْعِزِّ في نَيْلِ الْفُرَصْ – كلمة التحرير – مجلة بلاغ العدد الثاني والثلاثون

العدد الثاني والثلاثون جمادى الآخرة ١٤٤٣ هجرية – كانون الثاني ٢٠٢٢ ميلادي

كلمة التحرير

 

لخص البارودي أمثالا وحكما عديدة تحث على اقتناص الفرص والمبادرة للاستفادة منها بقوله:

بَادِر الْفُرْصَةَ وَاحْذَرْ فَوْتَهَا

فَبُلُوغُ الْعِزِّ في نَيْلِ الْفُرَصْ

ومن تلك الأمثال قولهم:

– بَادر الفرصة قبل أَن تعود غُصَّة.

– صيدك لَا تُحرمه؛ أي انتهز فرصة الصيد عند إمكانها.

– من عال بعدها فلا اجتبر؛ أي من افتقر بعد أن سنحت له الفرصة فلا استغنى بعد ذلك.

– الصيفَ ضيعتِ اللبنَ؛ يريدون به كيف تطلب شيئا قد فوته على نفسك وقت إمكانه.

– لا تطلب أثراً بعد عينٍ.

– سر وقمر لك؛ أي اغتنم ضوء القمر ما دام طالعا فسر فيه.

– الخُرقُ المعالجةُ قبل الإمكان والأناةُ بعد الفُرْصَة.

– وانتهزِ الفرصةَ إِما مرَّتْ

فربما طَلَبْتها فأعيتْ

– وعاجزُ الرأي مضياعٌ لفرصته

حتى إذا فاتَ أمرٌ عاتب القدرا

* إن الفرص تمر على الثورة السورية وتتهيأ الظروف مرة بعد أخرى للخروج من قيود الذل التي تكبل المسير نحو تحقيق الأهداف المشروعة لأهلنا الصابرين الصامدين من نصر الإسلام وتحرير الأرض وفك الأسارى وإعادة النازحين ومحاسبة المجرمين وحفظ ثروات ومقدرات البلد وتصحيح مسيرة التعليم ونشر القيم الفاضلة..

وفي السنتين الأخيرتين كانت جائحة كورونا حدثا عالميا خلط كثيرا من الأوراق الدولية، وغيَّر الموازين العالمية؛ فكانت فرصة استغلها الطالبان في تحقيق مكاسب ميدانية أدت للخروج النهائي للمحتل الأمريكي من أفغانستان، بينما لم تستغلها الثورة السورية في جهادها ضد المحتل الغاشم، فذهبت الفرصة بعد قدومها.

وكذلك كانت أحداث درعا وبادية حمص وليبيا وأذربيجان.. فرصا ينبغي على أهالي المناطق المحررة بالشمال استغلالها في تحقيق مكاسب للثورة، ولكن عاجز الرأي مضياع لفرصته كما قال الشاعر.

والآن استجدت أحداث دولة كازاخستان التي عُقدت فيها مؤامرات الأستانا سبع عشرة مرة، وغرق الروس في مستنقع جديد من مستنقعات استنزافهم والضغط عليهم، حتى إن القصف على إدلب هدأ فجأة فور اندلاع تلك الأحداث في كازاخستان التي تبعد عن إدلب آلاف الكيلو مترات.

ومع ذلك فلم تظهر بوادر اقتناص لتلك الفرصة المهمة لتمر مر السحاب كما مرت فرص قبلها؛ فتظهر الحقيقة مجددا وهي أن بلوغ العز في نيل الفرص والذل في تضييعها.

* إن من ينتظر أن تتهيأ الفرص ثم تأتي له منقادة بغنيمتها الباردة ليأكلها بلا بذل منه ولا تضحية هو عاجز أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، فإن (الفرصة تأتي متنكرةً في ثياب العمل الشاق)، أي لا ينال خيرها سوى من هيأ نفسه لاقتناصها وبذل في سبيل ذلك الجهد الكثير، وعندها ينزل التخفيف عليه وينال مبتغاه بأقل مما أعده لذلك.

وإن اقتناص الفرص خاصة العظيمة التي تؤثر على مجريات الأحداث الكبرى لتصب في صالح الحق والعدل لا يكون إلا لـ: أصحاب العزائم، من الرجال الأحرار، الثابتين على الحق، الواضعين نصب أعينهم أهدافهم طول المسير، المؤملين الخير، العاملين الصادقين الصابرين.

أما المرتهنون للأعداء والأصدقاء، الإمعات الضعفاء، القنوعون ولو بكأس الذل، اللاهثون خلف مصالحهم الشخصية ولو على حساب مصالح الأمة، الذين استثقلوا طول الطريق وتكاليفه، فإنهم بالأصل أصحاب همم دنية واهتمامات حقيرة لا يبحثون عن طرق نصر الأمة ليروا الفرص فضلا عن أن يستغلوها، وقصارى أمنية أحدهم أن يتشبع بما لم يعط فيسرق أعمال الآخرين لينسبها لنفسه، ويعظم صغائر الأمور فيتباهى بها وكأنه فتح القدس الشريف، فقد أسمعت لو ناديت حيا منهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، ولو أن نارا نفخت بها أضاءت ولكنك تنفخ في رماد.

* فإلى الأخفياء الأتقياء الصادقين الصابرين رغم اللأواء: القلة مع الصدق خير وأقرب إلى النصر والتمكين من الكثرة مع الكذب؛ فأعدوا واستعدوا لاغتنام الفرص واقتناصها، فللمجد رجاله الذين لا يكلون ولا يملون مهما كاد الأعداء ومكروا، ولئن فاتت فرصة فلقد بقيت فرص، أسأل الله أن يرزقكم خيرها ويكفيكم الشرور.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣٢ جمادى الآخرة ١٤٤٣ هـ

Exit mobile version