الشيخ: همام أبو عبد الله
ذو القَعْدة اسم الشهر الذي يلي شوالاً، وهو اسم شهر كانت العرب تَقْعد فيه، ثم تحج في ذي الحِجَّة، وقيل: سمي بذلك لقُعُودهم في رحالهم عن القتال والترحال.
– وذو القعدة شهر من الأشهر الحرم التي ذكرها الله جل وعلا في قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاث متواليات: ذو القَعْدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جُمادى وشعبان“.
وكانت هذه الأشهر محرمة في الجاهلية قبل الإسلام، وقيل: إن سبب تحريم هذه الأشهر الأربعة بين العرب لأجل التمكن من الحج والعمرة؛ فحرم شهر ذي القعدة للسير فيه إلى الحج، وحرم شهر ذي الحجة لوقوع الحج فيه، وحرم شهر المحرم للرجوع فيه من الحج، حتى يأمن الحاج على نفسه من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه، وحرم رجب في وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به لمن يقدم إليه من أقاصي جزيرة العرب فيزوره ثم يعود إلى وطنه آمنا.
وهذه الأشهر الحرم سميت حرماً لتحريم القتال فيها، وكان المشركون يقاتلون طوال السنة؛ فإذا دخل شهر من الأشهر الحرم يقفون عن القتال، وقد كان القتال محرما في الأشهر الحرم أول الإسلام ثم نسخ وحل قتال المشركين طول العام فقد أصبحت مكة مخصوصة بالمسلمين لا يدخلها مشرك ولا يحج البيت الحرام كافر..
وهذه الأشهر الحرم معظمة والمعصية فيها أشد؛ فقد حذر الله جل وعلا المسلمين من مخالفة أمره عامة وفي هذه الأشهر خاصة فقال جل وعلا: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) لأن الظلم فيها أبلغ في الإثم من غيرها.
– وذو القعدة كذلك من أشهر الحج التي ذكرها الله في قوله جل وعلا: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) وهي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة، وبذلك جمع هذا الشهر الكريم فضيلتين؛ فهو من الأشهر الحرم ومن أشهر الحج، خلافًا لشوال فهو من أشهر الحج فقط، وخلافًا للمحرم ورجب فهما من الأشهر الحرم فقط.
– ومن خصائص ذي القعدة أن عمرات النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة كانت كلها في ذي القعدة؛ فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عُمَرٍ: الأولى عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست، وفيها صده المشركون عن دخول مكة، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدي وتحلل من عمرته، ووقع فيها صلح الحديبية حيث اتفق على أن يسمح أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة في العام القادم. الثانية عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، بعد عام من العمرة الأولى حسب ما اتفقوا عليه في صلح الحديبية. الثالثة عمرة الجِعرّانة في ذي القعدة سنة ثمان بعد فتح مكة وعودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة حنين. الرابعة: عمرته التي قرنها مع حجة الوداع؛ حيث أحرم بهما معًا في ذي القعدة سنة عشر وأداها في ذي الحجة.
– ولذي القعدة فضيلة أخرى وهي أنه قد اشتهر عند المفسرين أنه المراد بالثلاثين يوما التي واعد الله فيها موسى عليه السلام المذكورة في قوله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) قال ابن كثير: الأكثرون على أن الثلاثين هي ذو القعدة، والعشر عشر ذي الحجة. قاله مجاهد، ومسروق، وابن جريج، وروي عن ابن عباس وغيره.
والحمد لله رب العالمين.