د. أبو عبد الله الشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[التوبة:71]، وقال أيضًا: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي ٱلْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}[الأنفال:73]، قال السعدي رحمه الله: “{إِلا تَفْعَلُوهُ} أي: موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين.. {تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}: فإنه يحصل بذلك من الشر ما لا ينحصر من اختلاط الحق بالباطل، والمؤمن بالكافر، وعدم كثير من العبادات الكبار؛ كالجهاد والهجرة، وغير ذلك من مقاصد الشرع والدين التي تفوت إذا لم يتخذ المؤمنون وحدهم أولياء بعضهم لبعض”، انتهى كلامه رحمه الله.
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما مِنِ امْرئٍ مُسلِمٍ يَخْذُلُ امرأً مُسلِمًا في موضِعٍ تُنتَهكُ فيه حُرمتُهُ، ويُنتقَصُ فيه مِن عِرضِهِ، إلَّا خذَلَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ، وما مِن امرئٍ مُسلِمٍ يَنصُرُ مُسلِمًا في موضِعٍ يُنتَقصُ فيه مِن عِرضِهِ، ويُنتهَكُ فيه مِن حُرمتِهِ، إلَّا نصَرَهُ اللهُ في موطِنٍ يُحِبُّ فيه نُصرتَهُ»، وقد صح عنه أيضًا أنه قال: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى» وروى أحمد عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إنَّ أوثقَ عُرى الإيمانِ أن تُحِبَّ للهِ وتُبغِضَ في اللهِ».
*يتضح مما سبق مركزية عقيدة الولاء والبراء وموالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين في حياة المسلمين وأن هذه العقيدة بحسب ضعفها وقوتها تضعف وتقوى لوازمها من النصرة والجهاد، وإن الدافع لهذا التوضيح هو حال غزة بعد طوفان الأقصى فقد التحقت غزة بمدن الأخدود السني التي سبقتها وهاهم أهلها على عظيم تضحيتهم التي يفترض أن تستنهض الشعوب المسلمة يذوقون مرارة الخذلان التي ذاقها أهلنا من قبل في مدن سوريا وليبيا والعراق وأفغانستان وغيرها.
وما أشبه اليوم بالأمس فمجازر غزة تذكرنا مجازر تلك المدن فالدم السني واحد والأسى يذكر الأسى والعدو ملة واحدة تتفق غايته وتتنوع أدواته وأساليبه فيراق الدم السني على يد الصليبي والصهيوني والصفوي والهندوسي والبوذي وغيرهم.
*والواضح من خلال سير المعارك في غزة أن الإمعان في ارتكاب أكبر قدر من المجازر عبر استهداف المساجد والمشافي والبيوتات يندرج ضمن سياسة “أخدود-محرقة” الهادفة للإبادة والتركيع، وكلما كان الثبات على الحق أكبر كان غيظ ونقمة وانتقام أعداء الدين أشد {وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلَّآ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ} [البروج:8] والواضح أيضًا أن الغرب بقيادة أمريكا يسعى بعد هزيمة أفغانستان المخزية ألا يُمنى بهزيمةٍ جديدةٍ في فلسطين ولذلك يدير المعركة ويدعمها بشكل إجرامي غير مسبوق بهدف:
– تثبيت كيانه الصهيوني المسخ المتفكك الذي يواجه طوفانا يهدد وجوده.
– استعادة الردع بعد زلزال أفغانستان وطوفان الأقصى مع انشغاله في نفس الوقت باحتواء وردع الصين وروسيا.
ومع ذلك كله لازال طوفان الأقصى يعتمد في استمراره ومقارعته لأحزاب الكفر والنفاق الحاقدة – بعد توفيق الله وإكرامه – فقط على الدماء الزكية لأهلنا في غزة وتضحياتهم الجسيمة وغير المسبوقة، علمًا أن معركة القدس والأقصى هي معركة الأمة ومع حجم الإجرام والحقد غير المسبوقين بات تحرك طوفان الأمة واجبًا شرعيًا وضرورةً حركيةً.
بقي أن أشير أن الشعور بآلام المسلمين كما أنه علامة على حياة القلب وقوة الإيمان فإنه دافعٌ قويٌ للتحرك العملي في إزالة هذه الآلام ضمن الوسع والقدرة وهنا مكمن الاختلاف في المسؤولية ومحل المؤاخذة في التقصير.
أخيرًا؛ فإن طوفان الأقصى شفى بفضل الله وكرمه صدور المؤمنين وأثبت وهن المحتلين وعرّى الخونة المطبعين وفضح الروافض المستغلين وكل ذلك ورغم المجازر والخذلان زاد يقين المؤمنين بقرب تحقق وعد سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم الذي قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يُقاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ المُسْلِمُونَ حتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وراءِ الحَجَرِ والشَّجَرِ، فيَقولُ الحَجَرُ أوِ الشَّجَرُ: يا مُسْلِمُ يا عَبْدَ اللهِ هذا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعالَ فاقْتُلْهُ، إلَّا الغَرْقَدَ، فإنَّه مِن شَجَرِ اليَهُودِ» رواه مسلم.
والحمد لله رب العالمين