عندما يكون الحل الجذري ضرورة يقول الأستاذ أبو مصعب السوري في كتابه: “الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا”:
(لقد كانت معايشتنا الطويلة للأحداث ومشاركتنا فيها بشكل مباشر ويومي، وما كان في تجربتنا الطويلة المتنوعة وما كان من مئات الحوارات والمناقشات والمناظرات، وساعات التفكير الطويلة في حل هذه المعضلة، وما كنا نستشعره من فرضية الاستمرار فرضية عينية على كل من شارك في الأحداث.. إن كل ذلك كان يشير وبوضوح تام إلى أن طبيعة الحل الشافي لمعضلة بهذا المستوى يجب أن يكون من النوع الجذري اللاترقيعي..
لقد صار كل المخلصين الذين بحثوا عن الحل والبديل بعيد هذا الدمار الشامل إلى أحد ثلاث حلول بديلة أمام ذلك الواقع المريع:
أولا: الهزيمة والاستسلام للأمر الواقع والانسحاب من هذا الضياع واختلاط الوراق، والانصراف إلى البحث عن الشأن الخاص والتمسك بالدين الشخصي..
ثانيا: الانضمام لجوقات الإصلاح الترقيعي من داخل الجماعة، والتمسك بقدسية الشرعية التنظيمية والعمل على الإصلاح التدريجي تحت عباءة الجماعة.
ثالثا: الحل الجذري وهو تجميع المخلصين المقتنعين بالجهاد والفداء والتضحية وبدء العمل من جديد بعيدا عن هذه التفسخات بتخطيط هادئ شامل وإرساء خط متميز للعمل الجهادي يقوم بهذا العبء، وهذا ما كان يُعبر عنه بالانشقاق عن الجماعة! فيا غيرة الدين!..
أما بالنسبة لأصحاب الإصلاح الترقيعي المتدرج عبر الجماعة الشرعية!! فهم جل أولئك الإخوة القدماء في سلك الدعوة والذين ترسخ في أذهانهم ذلك المفهوم الخاطئ عن الشرعية والجماعة والتنظيم، ومعظمهم والحق أحق أن يقال يألمون للحال المفجع ويريدون الإصلاح، ولكن لا يستطيعون شم هواء العمل خارج غرفة مقفلة تسمى الجماعة الشرعية!
مئات الحوارات جرت، وعبثا كانت محاولة إقناعهم بضرورة الحل الجذري، فإن حصل وثبت بالإقناع ضرورة ذلك فعبثا كانت محاولة إقناعهم بإمكانية ذلك، فإن حصلت هذه القناعة فعبثا محاولة إقناعهم بالمشاركة في هذا الحل الذي كان يساوي بالنسبة لهم الخروج عن الطاعة ومفارقة الجماعة والموت ميتة الجاهلية!..
خمس سنوات حتى الآن مرت على الدمار المروع والفضيحة الشاملة، عشرات محاولات الإصلاح على مستوى الجماعة حصلت في شتى الميادين وأدرك أصحابها أنفسهم قبل غيرهم أنهم داخلون في حلقة مفرغة تماما ما فتئوا يدورون معها ما طلعت الشمس وغربت، فطريقة بناء الجماعة ومؤسساتها ونظامها وقنواتها التنظيمية وقدسية الثوابت فيها والتي تتمتع بعصمة آيات الله الشيعة، وارتباطاتها الداخلية والخارجية، كل ذلك كان كافيا للاستنتاج أي أن محاولة الإصلاح عبر الدوران في تلك الأفلاك المفرغة ضرب من ضياع الجهد…
لقد انصبت كل محاولات الإصلاح على التنظيم، إصلاح الجماعة، إصلاح الهياكل، إصلاح هذه المؤسسة التي ما عادت جماعة تواجه حالة حرب أُوكلت إليها مهمة الدفاع عن الإسلام والمسلمين، بل غدت مؤسسة لرعاية المهجرين وتلبية احتياجاتهم وتأمين عقود عمل لهم، وتأمين بعض وثائقهم، واستجداء صدقات المحسنين للثاكلات من نسائهم…
لقد كان الإصلاح وما زال مرهونا بإسقاط تلك الثوابت ذات القداسة من آيات الله في الجماعة أولئك الجنرالات الشيوخ العجزة الذين ما زالوا متمسكين بأطرافهم الأربعة بدفة السفينة التي تغرق منذ أن خلوا بغرفة القبطان فيها، ورغم أن الماء أتى على كل طوابق المركب ولم يبق في السفينة عائما إلا غرفة القبطان تلك، فما زال طاقم القيادة يصر على أننا بخير! سبحان الله! وليت الأمر كان هذا وحسب. فلقد استطاعت هذه القيادات وعبر هذه السنين الطوال من المحنة أن تمسك -وبفضل تحكمها- بماديات الجماعة على كل الأصعدة، ولا سيما في مجال المال والوثائق والتمثيل في البلدان المجاورة حيث يقيم الشباب، وعبر الصلات القوية التي حققوها بالأنظمة والهيئات الإسلامية الكثيرة، استطاعت أن تشتري ولاء غالبية أفرادها إقناعا أو إجبارا..
أما المجاهدون أو من اصطلح على بتسميتهم بـ (المشاغبين) في الجماعة فقد أصبحوا أقلية، وهكذا اضطروا للانسحاب بصمت وحسرة من هذه اللعبة القذرة غير الأخلاقية والسائرة تحت أنبل الشعارات الإسلامية الجامعة، وهكذا مرت كل المآسي بدءا من قطع الأموال عن المجاهدين والمشاركة في إعدامهم في الداخل، وانتهاء بورطة التحالف الوطني..
لقد أصبح جليا لنا في مرحلة من المراحل أن مصلحة الإسلام والجهاد والإعداد لمعركتنا المصيرية لإعلاء كلمة الله والتي تحولنا فيها لموقع الدفاع عن المصير تصطدم تماما مع ما يسمى بمصلحة الجماعة والتنظيم، والذي يُقصد به مجموعة من الأشخاص المحددين ومجموعة من الهياكل والقوانين والأنظمة الداخلية ومجموعة من الفارين الحريصين على دنياهم وما أبقى لهم الطاغوت منها! وهنا بالضبط اكتشفنا الفصام الحقيقي بين الهدف والوسيلة وأصبح علينا الاختيار أن ننحاز للهدف أو ننحاز للوسيلة، وليختار عاقل! هل مصلحة الإسلام وما يوجبه أولى بالانحياز أم مصلحة تجمع وجد أصلا لخدمة ذلك الهدف؟!) .