الشيح: محمد سمير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛
فنقف اليوم مع كتاب آخر من الكتب التي تحدثت عن النصيرية ودينهم الباطل، وكتابنا اليوم من تأليف أحد علمائهم الذي أمضى سنين طويلة وهو يتخبط تائها حيران؛ فخرافات النصيرية لا يمكن استساغتها ولا تقبل تفسيرا ولا تأويلا، فصار يهوديا ثم نصرانيا وقتل المسكين على ذلك ولم يهتد إلى الحق، إنه سليمان الأذني وكتابه الباكورة السليمانية.
وقبل الشروع في الحديث عن الكتاب نذكر بعض من أثبت شخصية سليمان الأذني وكتابه؛ فإن بعض النصيرية حاول إنكار وجود المؤلف لما ضمن كتابه من فضائح القوم ومخازيهم وكفرهم.
1- ففي إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون لإسماعيل بن محمد أمين البغدادي 1/ 162: “الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية، تأليف سليمان الأطنه وي ثم الأنطاكي النصيري المولود سنة 1250”.
2- وفي معجم المطبوعات ليوسف سركيس 1/ 1041: “سليمان أفندي الأدني، الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية، حلب 1859 بيروت 1862 ص119 [يعني هذا تاريخ طباعته وعدد صفحاته]”.
3- وفي اكتفاء القنوع بما هو مطبوع لإدوارد فنديك: “سليمان الأدني النصيري، نسبة إلى مدينة أذنة في آسيا الصغرى، المولود في أنطاكية 1250، له الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية، طبع في بيروت 1862 في 119 صح [يعني صفحة]”.
وجب أن نعلم أن مقتل سليمان الأذني كان على يد النصيريين عقوبة له على هتك أستارهم والبوح بأسرارهم.
وبين يدي الآن نسخة مخطوطة من الباكورة، وتقع في مائة صفحة، وهي منشورة على قناة مكتبة التراث النصيري العلوي على التليجرام.
والنسخة المطبوعة في بيروت عام 1862م.
ونسخة مطبوعة حديثا في ديار عقل في لبنان في دار لأهل المعرفة عام 1988م، بتحقيق أبي موسى الحريري، وفي هذه النسخة مقدمة مفيدة عن الكتاب ومؤلفه مع بعض الأخطاء كنقلهم عن فان ديك أن سليمان الأذني تحول إلى الإسلام بعد اليهودية ثم بعد الإسلام إلى النصرانية، وهذا من فان ديك كذب محض وهو مخالف لما ذكره سليمان عن نفسه في الباكورة، فإنه ذكر أنه بعد اليهودية تحول مباشرة إلى النصرانية.
وسنعتمد في مقالنا هذا على نسخة بيروت.
– بدأ الأذني كتابه بذكر شيء عن مولده ونشأته، ثم أسهب في ذكر طقوس بقلمه، ففي ص 2 و 3: “ولما بلغت السنة الثامنة عشرة من العمر أخذ بنو طائفتي يطلعونني على أسرارهم الباطنة التي لا يكشفونها إلا لمن بلغ هذا السن أو سن العشرين، وفي ذات يوم اجتمع منهم جمهور من الخاصة والعامة واستدعوني وناولوني قدح خمر ثم، وقف النقيب [رتبة دينية] بجانبي وقال لي: قل: بسر إحسانك يا عمي وتاج راسي أنا لك تلميذ وحذاؤك على راسي، ولما شربت الكأس التفت إلي الإمام قائلا لي: هل ترضى أن توضع أحذية هؤلاء الحاضرين على رأسك إكراما لسيدك؟ فقلت: كلا بل حذاء سيدي فقط..، ثم أمروا الخادم فأتى بحذاء السيد المذكور فكشفوا رأسي ووضعوه عليه، وجعلوا على الحذاء خرقة بيضاء، ثم أخذ النقيب يصلي علي لكي أقبل السر، ولما فرغ من الصلاة رفعوا الحذاء عن رأسي وأوصوني بالكتمان وانصرفوا، فهذه الجمعية يسمونها المشورة”.
وهذه الطقوس موافقة لما هو مذكور في كتاب المشيخة لدى النصيريين، ثم تابع سليمان ذكر مراحل تلقيه العلم عن النصيريين، وقد ذكر ص5 كيف أخذ عليه العهد ألا يكشف السر، فقال: “ثم نظر إلي بعبوسة [يعني معلمه] وقال: ما الذي حملك على أن تطلب منا هذا السر المكلل باللؤلؤ والدر ولم يحمله إلا كل ملاك مقرب أو نبي مرسل.. أتقبل قطع الرأس واليدين والرجلين ولا تبيح بهذا السر العظيم؟ فقلت له: نعم”.
وفيها: “فقال: إذا باح بهذا السر أتأتوني به لكي نقطعه تقطيعا ونشرب دمه؟ فقالوا: نعم”.
– وبعد ذلك ذكر الأذني في باكورته ست عشرة سورة للنصيريين مليئة بالكفر والضلال، وقد علق عليها الأذني، ومن ذلك ص11: “السورة الثالثة واسمها تقديسة أبي سعيد، أسألك يا مالك الملك يا أمير النحل يا علي يا وهاب يا أزل يا تواب يا دامي الباب أسألك بالخمسة المصطفية..، قال الأذني: التفسير: أما الخمسة المصطفية فهي فروض أوقات الصلاة عندهم؛ فالفرض الأول صلاة الظهر لمحمد، والفرض الثاني صلاة العصر لفاطم [أي فاطمة] والفرض الثالث صلاة المغرب للحسن بن علي بن أبي طالب، والفرض الرابع صلاة العشاء لأخيه الحسين، والفرض الخامس لمحسن سر الخفي”.
وفي ص14: “السورة الرابعة واسمها النسبة..، وهي بشهادة ألا إله إلا علي بن أبي طالب الأصلع الأنزع المعبود، ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود، ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي المقصود”.
وفي ص24 يعلق الأذني على سورة الإشارة قائلا: “التفسير أن الجهاد المذكور في هذه السورة هو نوعان؛ أولهما: الشتايم على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم وعلى جميع الطوائف المعتقدين بأن علي بن أبي طالب أو الأنبياء أكلوا أو شربوا أو تزوجوا أو ولدوا من السماء؛ لأن النصيرية يعتقدون بأنهم نزلوا من السماء بدون أجسام، وأن الأجسام التي كانوا فيها إنما هي أشباه وليست هي بالحقيقة أشباه أجسام. والنوع الثاني: إخفاء مذهبهم عن غيرهم ولا يظهرونه ولو أصبحوا في أعظم الخطر”.
وفي ص31 يعلق على سورة البيت المعمور فيقول: “وأما سعي المسلمين إلى مكة فهو باطل عندهم ومذموم كما قال بعض شيوخهم في هذا المعنى:
ولقد لعنت لمن يحرم شربها وجميع أهل الشام والحجاج”
– ثم تكلم الأذني بعد ذلك عن أعيادهم وهي كثيرة جدا؛ كعيد الغدير في الثامن من ذي الحجة وعيد الأضحى وعيد المهرجان في السادس عشر من تشرين الأول وعيد البربارة في الرابع من تشرين الثاني، وغير ذلك.
– ثم عقد الأذني فصلا في وظيفة مشايخ النصيرية وصلوات أعيادهم، وذكر فيه شيئا من أورادهم وأذكارهم المليئة بالكفر، ومن ذلك ما ذكره ص44: “روي الخبر عن أبي شعيب محمد بن نصير العبدي البكري النميري أنه قال: من أراد النجاة من حر النيران فليقل: اللهم العن فيئة أسست الظلم والطغيان الذين هم التسعة رهط المفسدين الذين أفسدوا وما أصلحوا بالدين، الذين هم إلى جهنم سايرين وإليها صالين، أولهم أبو بكر اللعين، وعمر بن الخطاب الضد الأثيم، وعثمان بن عفان الشيطان الرجيم، وطلحة وسعد وسعيد وخالد بن الوليد صاحب العمود الحديد..، والعن الشيخ أحمد البدوي، والشيخ أحمد الرفاعي، والشيخ إبراهيم الدسوقي، والشيخ محمد المغربي، والشبل المرجان، والشيخ عبد القادر الكيلاني، وكل يهودي ونصراني، والعن المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي”.
ولا شك أن بعض النصيريين الجهلة افترى هذا الخبر وألصقه بإمامهم محمد بن نصير فإن بعض المذكورين في الخبر لم يولدوا إلا بعده بقرون.
– ثم عقد الأذني فصلا في الهبطة، والمقصود بها هبوط النصيريين إلى الأرض بعد أن كانوا أنوارا في السماء.
– ثم عقد فصلا في بعض أشعارهم النصيرية.
– ثم الفصل السادس جعله لبعض عقائد النصيرية فقال فيه ص81: “إن النصيرية كافة يعتقدون بأن شرفاء المسلمين الراسخين في العلم إذا ماتوا تحل أرواحهم في هياكل الحمير، وعلماء النصارى في أجسام الخنازير، وعلماء اليهود في هياكل القرود، وأما الأشرار من طائفتهم تحل أرواحهم في المواشي”.
وقال ص82: “وإنهم [يعني النصيرية] يتظاهرون في جميع الطوايف، وإذا لقوا المسلمين يحلفون لهم ويقولون: نحن مثلكم نصوم ونصلي، فالصوم يوجهونه إلى الرضاعة، وإذا دخلوا المسجد مع المسلمين فلا يتلون من الصلاة شيئا بل يخفضون ويرفعون مثلهم ويشتمون أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم، ويسمون التظاهر في الطوايف بمثل وهو قولهم: إننا نحن الجسد وباقي الطوائف هم لباس فأي نوع يلبس الإنسان لا يضره، ومن لا يتظاهر هكذا فهو مجنون؛ لأنه ليس عاقل يمشي عريانا في السوق”.
– ثم عقد الأذني الفصل السابع وجعل عنوانه في كشف أسرار الخاصة في النصيرية.
وذكر فيه حيرته عندما كان نصيريا واطلاعه على كتب المسلمين وأنه كان يعبد الله ولكنه كان يذهب مع طائفته خوفا منهم، وذكر انتقاله من إحدى طوائف النصيرية إلى طائفة أخرى تخالفها في بعض الأمور، وبعد اكتشافه أن الطائفة الثانية كالأولى في الخرافات والضلالات صار يجادل قومه ويقول: دينكم مضاد للقرآن، وذكر نماذج من مناظرته لهم، ثم هرب وبحث عن التوراة والإنجيل حتى عثر على التوراة فصار يهوديا، وذكر أنه سافر إلى طرطوس متنزها فأراد النصيرية قتله إلا أنه تمكن من الهرب وعاد إلى أذنة، إلى أن قال ص102: “ثم إن النصيرية أطلقوا علي اللعن والحرم ووضعوا اسمي في جملة المشتومين واتفقوا على قتلي خفيا وإن ظهر أمري يدفعون ثمن دمي”.
ثم تنصر فقال ص103: “وصرت مسيحيا بنعمة الله علي.. وحينئذ بدأت أكشف ديانة النصيرية.. وبدأت أكتب مكاتبة لقراهم مبينا أن ديانتهم وثنية، فحينئذ قامت عامتهم على الخاصة طالبين المذهب الصحيح”.
ثم ذكر أن النصيريين حاولوا إغراءه تارة بالمال وتارة بالنساء؛ لئلا يكشف سرهم فرفض.
– ثم جعل الأذني خاتمة لكتابه وجعلها موعظة للنصيريين وتبيينا لبطلان عقائدهم ووثنيتها ومضادتها العقل.
* وبهذا نكون قد انتهينا من عرض هذا الكتاب المهم عن النصيرية للبائس سليمان الأذني الذي انتقل من كفر إلى كفر حتى قتل وهو مثلث ولم يهتد إلى الحق.
والحمد لله رب العالمين.
عقائد النصيرية 9 – الشيح محمد سمير/ مقال من الركن الدعوي مجلة بلاغ العدد السادس عشر، لشهر صفر ١٤٤٢
هنا بقية مقالات العدد السادس عشر من مجلة بلاغ الشهرية لشهر صفر 1442