عقائد النصيرية / 20 – مجزرة حماة الكبرى || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢٧ – المحرم ١٤٤٣ هـ

مجلة بلاغ العدد ٢٧ - المحرم ١٤٤٣ هـ

الشيخ: محمد سمير

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛

فلا زال حديثنا مستمرا عن جرائم ومجازر النصيرية وكبيرهم في الضلال حافظ الأسد، وسنتناول في هذا المقال مجزرة حماة الكبرى التي فاق إجرام النصيرية فيها إجرام اليهود والنصارى وكثير من الوثنيين.

سبق المجزرة الكبرى تضييقات كثيرة وانتشار كثيف للحواجز الثابتة والطيارة التي كانت تقوم بالاعتداء على المواطنين وإذلالهم، ثم استقدمت قوات كبيرة فطوقت المدينة بشكل كامل وقطعت عنها وسائل الاتصال وعزلتها عن العالم الخارجي.

قاد المجزرة عدد من رؤوس الكفر والإجرام، وعلى رأسهم الهالك حافظ الأسد الذي أعطى الأوامر بذلك، وأخوه رفعت الأسد، وقد كان لسرايا الدفاع بقيادته أسوأ الجرائم وأحطها، ثم زير النساء الأحمق مصطفى طلاس وزير الدفاع، واللواء علي حيدر وغيرهم.

بدأت المجزرة في 2 / 2 / 1982، واستمرت سبعة وعشرين يوما، دُمِّر فيها ثلث مدينة حماة بشكل كامل، وتتضرر سائرها أضرارا بليغة، وقُتل فيها من أهلها ما بين ثلاثين إلى أربعين ألفا، فضلا عن آلاف المفقودين والمعتقلين.

 

قصفت حماة خلال المجزرة بشتى أنواع الأسلحة بدءا من الهاون وانتهاء بالطيران.

 

“وفقا لمنظمة العفو الدولية فإن الجيش السوري قد قصف وسط المدينة بالطائرات الحربية لتسهيل دخول المشاة والدبابات عبر الشوارع الضيقة” [ويكيبيديا].

“وقالت اللجنة السورية لحقوق الإنسان: إن عدد القتلى قد تراوح بين 30000 إلى 40000 غالبيتهم العظمى من المدنيين، وقضى معظمهم رميا بالرصاص بشكل جماعي، ثم تم دفن الضحايا في مقابر جماعية” [ويكيبيديا].

“ووفقا لتوماس فريدمان فإن رفعت الأسد قد تباهى بأنه قتل 38000 في حماة” [ويكيبيديا].

أربعون ألف مسلم حصدت أرواحهم في أقل من شهر، فأي إجرام وأي وحشية هذه، وفي بعض تفاصيل المجزرة التي خرجت على الإعلام أهوال تشيب لها النواصي:

– فمن ذلك مجزرة دكان الحلبية في المحالبة “عمدت قوات السلطة إلى الرجال العزل والنساء والأطفال، فجمعت منهم خمسة وسبعين فردا فحشرتهم في دكان أحمد المسقع الحلبية، وأطلقت عليهم الرصاص رشا، ثم صبت عليهم الزيت من برميلين كانا في الدكان وأضرمت فيهم النار، مع أن بعضهم كان ما يزال حيا” [حماة مأساة العصر ص4].

– ومن ذلك مجزرة حي البياض: “وقفت أربع سيارات شاحنة حملت بالمعتقلين الذين جمعتهم قوات السلطة من الحي، ولما لم تعد السيارات تتسع للمزيد قاموا بقتل خمسين شخصا وألقوا بجثثهم في حوض كبير تتجمع فيه مخلفات جلي البلاط لمصنع بلاط عبد الكريم الصغير، وقد ظهرت هذه الجثث بعد عشرة أيام من الحادثة بعد أن جفت مخلفات الحوض” [المصدر السابق ص85].

– ولم يرع المجرمون حرمة بيوت الله فقتلوا المصلين داخل المساجد مقتدين بأفعال سلفهم القرمطي أبو طاهر: “قال ناجح عزيز -وهو أحد الناجين من مجزرة حماة-: إن قوات النظام أعدمت بشكل جماعي مصلين في مسجد ثم أحرقت جثثهم، وقال: إن قوات النظام دخلت في أحد أيام المجزرة إلى مركز المدينة وجمعت كل من صادفت فيها من رجال، ثم أعدمتهم جميعا بإطلاق النار عليهم، مبينا أن الجنود جمعوا الجثث وكدسوها فوق بعضها..، وشدد عزيز على أن الإعدامات الجماعية التي نفذتها قوات النظام أغرقت حماة بالدم” [وكالة الأناضول].

– وحتى الأجنة في بطون أماتها لم تنج من إجرام النصيريين، قال عزيز: “وإن جنود النظام كانوا يبقرون بطون النسوة ويقتلون الأجنة داخلها، ويقولون عنها: إنها إرهابية” [المصدر السابق].

– وما من بيت من بيوت حماة إلا وقتل المجرمون منه، بل لقد أفنوا أسرا وقبائل بأسرها، لقد تحولت حماة إلى ساحة مليئة بالجثث، “قالت مها عربو (49 عاما) وهي إحدى الشاهدات على مجزرة حماة: كان عمري حينها 12 عاما، بدأنا نسمع أصوات الرصاص والقصف، لم نخرج من بيوتنا حتى 10 شباط، وأوضحت أنه بسبب المعارك وأصوات الانفجارات التي لم تتوقف بحثنا عن أبي وأخي اللذين ظننا أنهما مختبئان في مكان ما، فوجدناهما مقتولين عند باب عمارتنا، وبعدها قمنا بالفرار أنا ووالدتي وبقية أفراد عائلتنا، وأضافت: لا أنسى جثتهما وجثث العشرات التي مشينا عليها حتى استطعنا الوصول إلى إحدى الطرق الفرعية التي نقلتنا إلى ريف حماة، ومنه إلى حلب، شيء لا يصدقه العقل، كانت جثث أطفال ونساء تنهشها الكلاب، كانت الدماء بقعا واسعة لم يستطع المطر الهاطل منذ يومين أن يمحو بعض آثارها، كان مشهد المدينة فظيعا، ليس فيه سوى الدمار والدماء” [عربي بوست].

– ونذالة النصيريين ليس لها حد ولا منتهى، وتعطشهم للدماء لا مثيل له: “قالت مها عربو: في منطقة سوق الطويل يقع مسجد يسمى الجامع الجديد، في داخله وقعت مجزرة رهيبة بعد أربعة وعشرين يوما من الأحداث، وكان الناس قد بدؤوا يخرجون قليلا إلى الشوارع، طلب الجنود من الأهالي التوجه نحو سيارات الخبز في طرف الشارع، أسرع الأطفال وكانوا بالعشرات، حملوا الخبز، وهم يعودون اعترضهم الجنود وطلبوا إليهم الدخول إلى الجامع الجديد، وهناك فتحوا عليهم النار وقتلوهم جميعا” [المرجع السابق].

فقل لي بربك: أيوجد إجرام أكثر من هذا؟! فلا شك أن هؤلاء الأطفال قد قُتل آباؤهم وإخوانهم البالغون، وقد خشيت النساء على أعراضهن أن تغتصب إذا نزلن لجلب خبز يدفع عنهن المسغبة، ولم تجدن حلا سوى أن ترسلن أطفالهن، وهن يظنن أن هؤلاء المجرمين لن يعترضوا أطفالا تشع البراءة من وجوههم، ولا حول لهم ولا قوة، ولكن الوحوش البشرية أبت إلا أن تلغ في دماء الأطفال الطاهرة.

وتقول: “كان هناك فرق موت تجوب المدينة، يقتلون، ينهبون، يغتصبون، قتلوا طفلا وليدا أمام أسرته في حي الحاضر” [المصدر السابق].

“دخل القتلة بيت الشهيد محمد الشيخ عثمان، ولا يوجد فيه إلا زوجه الحامل وأطفالها السبعة، فبقروا بطن الأم ووقع الجنين أمامها، كما أقدموا على قتل الأطفال وفتح أسطوانات الغاز وإضرام النار وحرق الأسرة والبيت جميعا” [حماة مأساة العصر ص139].

– وبما أن العلماء هم المحرك للناس، وهم الذين يبينون للناس الحق ويزيفون الباطل فلا بد عند النصيرية من قتلهم لإسكات صوت الحق: “وقصدت عناصر السلطة منزل الشيخ عبد الله الحلاق رئيس جمعية العلماء وأحد مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين التاريخيين في حماة، المعروف بقول الحق في خطب الجمعة، والبالغ من العمر 72 سنة..، أنزل الشيخ من منزله.. بثياب النوم، وقتل على باب بيته رشا، ثم نهبت أغراض بيته الثمينة، وأحرق الباقي” [حماة مأساة العصر ص90].

– وبما أن المساجد هي المحاضن التي تخرج المسلم الرافض للخنوع والذل المعتز بدينه، فلا بد عندهم من تدميرها وجعلها أثرا بعد عين: “هدمت الجامع الكبير في حي المدينة، وجامع المسعود في حي المحالبة، وجامع الحوراني في حي الحوارنة، وجامع الشهداء في حي الصابونية، وجامع الإيمان في حي الشريعة، وجامع صلاح الدين في منطقة جنوب الملعب، وجامع رستم بك في حي المحالبة، وجامع الهدى في طريق حلب..، ومسجد حي المناخ، ومسجد الأربعين في حي الأميرية، ومسجد مروان حديد في حي البارودية، ومعهد الروضة الهدائية الشرعي في حي الأميرية، وجمعية رعاية المساجد الإسلامية في الحي المذكور” [المصدر السابق].

– وكما هي سياسة النظام لحض جنوده على الإجرام فقد سمح لهم بتعفيش وسرقة كل ما تناله أيديهم، وأباح لهم المدينة بمن وبما فيها: “فما كانت قوات النظام تسيطر على حي من الأحياء حتى كانت تتوزع على شوارعه وعماراته، وتبدأ باقتحام البيوت، وهي تملأ جيوبها بما خف وزنه وغلا ثمنه من نقود وأساور ومجوهرات، ولم يكتفوا بالنقود والمجوهرات فقد كانوا يسرقون سيارات الصالون والشاحنات والدراجات النارية والعادية وأثاثات البيوت من تحف وأجهزة كهربائية وسجاد..، وكانت سرقة المحلات التجارية والصيدليات تتم بإطلاق الرصاص على الأقفال، وإذا استعصى فتحها أطلقت عليها قذائف الآر بي جي” [حماة مأساة العصر ص225].

“ولعل سوق الطويل خير مثال على ذلك؛ ففيه 380 دكانا نُهب من محتوياتها ما ملأ ستين سيارة عسكرية من نوع زيل، ثم أشعلت النيران فيها مدة ثلاثة أيام” [المصدر السابق].

“ولقد تجلت في عمليات النهب والسرقة القسوة الشديدة، ومن ذلك ما قام به أحدهم بقص إصبع أحد المواطنين في الحاضر لما استعصى عليه انتزاع خاتمه من يده، وقطع يدي امرأة لانتزاع أساورها منها، مثل السيدة حياة جميل أمين في شارع أبي الفداء، وظهر جشع الجنود وتكالبهم أكثر ما ظهر في سوق الصاغة الواقع في حي المرابط، فقد كانوا يقتادون الحدادين لفتح صناديق الحديد التي تحفظ فيها المصوغات الذهبية بالمقص الحراري بعد أن أخفقوا في فتحها بالرافعات والحفارات، وقدرت منهوبات سوق الصاغة بعشرات الملايين من الليرات السورية، وتجدر الإشارة إلى أن أغلبية أصحابه من المسيحيين” [المصدر السابق].

* وختاما: فمجزرة حماة الكبرى جريمة عظيمة ووصمة عار للأمة لا تزال إلا بإسقاط النظام النصيري والثأر من مجرميه وجلاوزته، وحري بأدبائنا أن يصوغوا مجزرة حماة وأحداثها برواية أدبية على غرار ما فعل الدكتور عماد الدين خليل في رواية الإعصار والمئذنة، التي تحدث فيها عن جرائم الشيوعيين أنصار الهالك عبد الكريم قاسم في مدينة الموصل، فلا شك أن نفوس الشباب تُقبل على الرواية وتحبها وتستمتع بها، والمصادر التي تحدثت عن هذه المجزرة كثيرة ومنتشرة؛ فمنها كتاب حماة مأساة العصر، ومنها عدد من شهادات الناجين متوفرة على اليوتيوب، ومنها تقارير منظمات عربية وعالمية متوفرة على النت، إضافة إلى عدد جيد من الأفلام الوثائقية واعترافات بعض المشاركين في تلك المجزرة، وكل هذا يوفر مادة دسمة لصياغة الرواية وترتيب أحداثها لتكون مطابقة للواقع، ولا تحتاج سوى لقلم أديب يقدمها في ثوب فني قشيب.

والحمد لله رب العالمين. 

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٧ المحرم ١٤٤٣ هـ

Exit mobile version