في اليوم التالي لانتصار الجيش الفرنسي على الجيش السوري في معركة ميسلون في عام 1920 دخلت القوات الفرنسية مدينة دمشق. قام قائد الجيوش الفرنسية آنذاك الجنرال هنري غورو بزيارة قبر صلاح الدين، فوقف على القبر، ثم قال: “ها نحن عدنا يا صلاح الدين”.
* ثم الآن، ومع بداية العام 2020 جاء بوتين إلى دمشق، وقام بزيارة المسجد الأموي، كما نقلت وسائل إعلامية أنه قام بزيارة قبر صلاح الدين، وكأنه يقول: “بعد قرن من الزمن، ها نحن ما زلنا موجودين يا صلاح الدين! نكمل الدور الذي بدأه الفرنسيون من قبل”.
وكأنه يقول: “يا صلاح الدين! إن كنت قد قضيت على دولة الباطنية العبيديين فيما مضى، فإنا قد مكَّنَّا للباطنية من نصيرية ورافضة من جديد”.
– هذه الزيارات لقبر صلاح الدين -كاسر الحملات الصليبية ومحرر المسجد الأقصى- من قِبَل رأس القوات الفرنسية قبل قرن، ومن قِبل رأس الدولة الروسية حاليا، لا تحمل إلا معنى واحدا (أنهم جزء من سلسلة الحملات الصليبية، وأنهم جاؤوا للانتقام لهزائم الصليبيين على يد صلاح الدين وغيره من قادات المسلمين).
وأن الأيديولوجيات التي تبنوها من قبل، سواءً العلمانية الليبرالية في الغرب أو الإلحادية الشيوعية في روسيا ما هي إلا شعارات ولَّى زمانها..
يقول الفيلسوف والسياسي الروسي ألكسندر دوغين -الذي يوصف بأنه أكثر شخصية أثرت في تركيبة بوتين الفكرية-: “أنا جازم بأن آباء الكنيسة هم حملة الحقيقة المطلقة، وبأن الفلسفة الحديثة هي ترددات عقل الملاك الهابط/ الشيطان الهابط. أنا واثق أن الساعة قريبة، وأعتبر الليبرالية والعولمة من العلامات البينة على قرب المسيح الدجال ونهاية الزمان”. [الجزيرة. ميدان: ألكسندر دوغين.. هكذا رد مستشار بوتين على مقال الواشنطن بوست].
– فهذه هي الحقيقة: حقد تاريخي، وصراع حضارات، وحرب أديان، “حرب مقدسة” كما تسميها الكنيسة الأرثوذكسية الروسية؛ لا صراع أيديولوجيات، ولا حتى اختلاف المصالح هو اللاعب الأبرز فيها.
جاؤوا ليعيدوا أمجاد إمبراطورياتهم السابقة؛ يقول دوغين: “إنني أؤيد استعادة الإمبراطورية المقدسة، الرومانية لأوروبا والبيزنطية لروسيا” [المصدر السابق].
– وإمعانا في استفزاز مشاعر المسلمين أكمل بوتين وصف الحرب بأنها “مقدسة” بزيارة قبر صلاح الدين.
حالنا يا صلاح الدين!
تختال طائرات الصليبيين والنصيريين قصفًا في سمائنا، مدمرةً للبيوت فوق قاطنيها، ممزقةً أشلاء الأطفال والنساء، مهدمةً للمساجد فوق العبَّاد فيها؛ في حال تعجز الكلمات عن وصفه!
قتلٌ وتشريدٌ وهتك محارم
فينا وكأس الحـادثات دهــاقُ
وقف الصليب على الطريق فلا تسل
عما جناه القتل والإحراقُ
وحشية يقف الخيال أمامها
متـضــائلا وتمـجـهـا الـأذواقُ
أطفالنا ناموا على أحلامهم
وعلى لهيب القاذفات أفاقوا
وقال العشماوي أيضا:
نصحو على عزف الرصاص كأننا
زرع وغارات العدو حصاد
يتـســامر الأعــداء فـي أوطــاننـا
ونصيبنا التشريد والإبعاد
نُشــرى كأنـا في المحـافل سـلعـة
ونُبـاع كـي يتمتع الأسياد
يا صلاح الدين! إن كنت قد منعت الضحك في جيشك حتى تحرر المسجد الأقصى؛ فإنا نضحك ملأ أفواهنا، وقد امتلأت قلوبنا عجبا وغرورا بالرغم من أن المسجد الأقصى تحت سلطة إخوان القردة والخنازير لعشرات السنين، وبينما يقبع عشرات الآلاف -بل ربما مئات الآلاف- من المسلمات في الأسر عند الكافرين والمرتدين، تُنتهك أعراضهن، ويُسمن سوء العذاب، ويُقتل العشرات -وأحيانا المئات- من المسلمين يوميًا!
وحالنا تلك؛ فإنا نستنفر الجنود، ونحشد الحشود، ونحرك الجيوش، ونتقاتل على “سيارة خردة”، أو نحشد الحشود بسبب أن بعض الفقراء من المسلمين يعمل على “تهريب المازوت أو السكر على الموتور” مما يضر بالاحتكار ويخفِّض الأسعار، ونضيق على بعضنا في كل شيء!!
آه! لو رأيت حالنا يا صلاح الدين!
– علق الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري على وصف الكنيسة الروسية لاحتلال روسيا لسورية بالحرب المقدسة بقوله: “الكنيسة الأرثوذكسية تدعم العمليات العسكرية الروسية في سوريا، إذًا نحن أمام حرب صليبية، ونحتاج إلى صلاح الدين جديد لتحقيق النصر”.
أيـا صــلاح الـديـن هـل لـك عـودةٌ
فإن جيوشَ الرُّومِ تنْهى وتأْمُرُ
رفاقُكَ في الأغْوَارِ شَدُّوا سُرُوجَهُم
وجُندُك في حِطِّينَ صَلُّوا وكَبَّرُوا
تُناديك من شوْقٍ مـآذنُ مكَّة
وتبْكيـكَ بَدْرٌ “يا حَبيبي” وخيْبَرُ
وَيَبْكِيكَ صَفْصَافُ الشَّآمِ وَوَرْدُها
ويَبْكِيكَ زهْرُ الغُوطَتَين وتدْمُرُ
تعال إليْنا فالمروءاتُ أطْرَقَتْ
ومَوْطِنُ آبائي زُجَـاجٌ مُكسـرُ
هُزِمْنا وما زِلْنا شَتَاتَ فصائل
تَعِيـشُ على الحِقْدِ الدَّفيـن وتَزْأَرُ
يُحَاصِرُنا كالموتِ بِلْيُونُ كَافِرٍ
ففي الشَّرْقِ هُولاكُو وفي الغرب قيصر
أيا فارسًا أشْكُو إليهِ موَاجِعي
ومِثْلي لَهُ عُـذرٌ وَمِثـلُكَ يَعْـذُرُ
وأصْرُخُ يا أرْضَ المرُوءَاتِ احْبَلِي