الأستاذ: خالد شاكر
التعزية عبادة لها آدابها وأهدافها وأحكامها، وتقوم على مواساة المصاب وتصبيره والدعاء له وللميت بما يرجوه لهم من خير.
وقد انتشرت في العصر الحديث ظاهرة التعازي السياسية، وهي التعازي التي صورتها مواساة للمصاب وتصبير له، وحقيقتها أن المعزي يقدم موقفا سياسيا ويرسل من خلال هذه التعزية رسائل عن توجهاته الفكرية أو الحركية أو السياسية..
وعادة ما تكون تلك التعازي متعلقة بالشخصيات التي لها وزن في بيئة ما أو متعلقة بالحوادث العامة التي تصيب منطقة ما؛ ككثير من التعازي التي تحصل عند موت شخصيات عامة؛ مثل: رئيس أو قائد أو عالم.. أو أقربائهم، أو عند حوادث اغتيالات أو تفجيرات أو حروب أو زلازل..
ومن المتكرر أن تثور تساؤلات عند حدوث تلك التعازي في وفاة مجاهدين أو أسرى أو مبتدعة أو كفار.. أو أقربائهم، ويدور عند ذلك حديث عن دلالات التعزية وأحكامها.
والظاهر أن التعازي السياسية تدخل في أبواب الولاء والبراء؛ لأن دلالة تلك التعازي على الولاء والبراء أكبر من دلالتها على مجرد التعزية؛ فأحكام التعزية جزء من أحكام تلك التعازي السياسية وليست هي كل الحكم.
وبناء على ذلك فإن التعازي السياسية تأخذ أشكالا متعددة، لكل شكل منها توصيفه، ولكل حالة بيئتها، ولا يصح تعميم توصيف على كل الحالات بدعوى أنها تعازي، بل قد تكون التعزية من شخص مقبولة وتكون من شخص آخر غير مقبولة حسب واقع ودلالات التعزية.
* وواقع التعزية الذي يفيد في فهم دلالاتها يشمل أمورا عديدة مثل:
– مدى الالتزام بفقه التعزية: فللتعزية أحكام فقهية عديدة، والالتزام بها أو عدمه يفيد في الحكم على التعزية السياسية، فمثلا الترحم يشرع على من يجوز الترحم عليه وهم المسلمون ولا يجوز الترحم على الكفار، والأصل سُنِّية تعزية عامة المسلمين، ويوجد تفصيل وخلاف في تعزية المبتدع والمفسد والذمي والحربي؛ فمنعها بعض العلماء، ولم يمنعها بعضهم في المبتدع والمفسد والذمي إن لم يكن فيها تعظيم لهم، وزاد بعض العلماء فيهم وفي الحربي مع عدم التعظيم لهم أن يكون فيها رجاء تألف قلوبهم.
– صياغة التعزية: فتوجد تعزية تقوم على مواساة المصاب وتصبيره، وتوجد تعزية يضاف لها الثناء والمدح، وتوجد تعزية يضاف لها التأييد والموافقة العامة أو الخاصة.
– سياق التعزية: فالتعزية التي تأتي في سياق التودد تختلف عن التعزية التي تأتي في سياق التحالف وتختلف عن التعزية التي تأتي في سياق الحرب، وكذلك التعزية التي تأتي في سياق الميل لطرف محدد تختلف عن التعزية التي تأتي في سياق تعزية عدد من الأطراف، والتعزية التي تأتي في السياق الطبيعي للعلاقات تختلف عن التعزية المقحمة إقحاما..
– تسويق التعزية: فالتعزية التي يُسوِّق لها المعزِّي أو المعزَّى، تختلف عن التعزية التي لا اهتمام بتسويقها.
– تأثير التعزية: فالتعزية التي فيها مصلحة للمسلمين تختلف عن التعزية التي تفت في عضدهم وتختلف عن التعزية التي تفتن الناس عن الحق.
* وبناء على ذلك فإن دلالات التعزية عديدة مثل:
– أن تدل التعزية على مناصرة وتأييد وتولي: فإن تولى أهل الحق بتعزيته كانت تعزيته خيرا ونعمة، وإن تولى أهل الباطل كان منهم.
– أن تدل التعزية على تكريم وتعزير أو نوع مسارعة، فإن كان التعزير والتكريم للصالحين فتعزيرهم عبادة، وإن كان التعزير والتكريم للفاسدين فذاك إثم يتفاوت على تفاوت درجة الفساد.
– أن تدل التعزية على مداهنة وبعض موافقة: فإن كانت موافقة لأهل الصلاح فهي خير، وإن كانت موافقة لأهل الفساد فهي شر.
– أن تدل التعزية على تقية ومداراة: فإن كانت ضمن ضوابطها الشرعية فلا بأس، وإن تجاوزت الحد المسموح به شرعا كانت ممنوعة.
– ألا تدل التعزية السياسية سوى على مدلول التعزية العام: فينظر في مدى التزامها آداب التعزية.
* الخلاصة:
قد تحتوي التعزية السياسية على ما هو دليل قوة الإيمان، وقد تحتوي على ما هو موالاة تامة للكفار، وقد تحتوي على ما بينهما من درجات؛ حسب واقعها ودلالاتها القطعية أو الظنية، وعلى المسلم الرجوع لأهل العلم الصادقين ليبينوا حال كل تعزية ودلالاتها وما يترتب على تلك الدلالات من ولاء أو براء.
لمتابعة بيقة مقالات ⇐ مجلة بلاغ العدد 20 جمادى الآخرة 1442
تابع هنا ⇓
وتتساقط الأصنام – كلمة التحرير
الركن الدعوي
– الشيخ محمد سمير
– بَقِيَّة..
– الشيخ أبو شعيب طلحة المسير
– الشيخ أبو حمزة الكردي
صدى إدلب
إدلب في شهر جمادى الأولى 1442هـ
– أبو جلال الحموي
– أبو محمد الجنوبي
مواقيت الصلاة في إدلب لشهر جمادى الآخرة 1442هـ
كتابات فكرية
– د. أبو عبد الله الشامي
مفوضية نصر الحريري وعدالة بيدرسون التصالحية.. لحظة النضج؟
– الأستاذ حسين أبو عمر
– الأستاذ أبو يحيى الشامي
حماس وإيران؛ وجدلية العلاقة هل هي تقاطع مصالح أم تحالف أم تبعية!
– الأستاذ الزبير أبو معاذ الفلسطيني
– الأستاذ خالد شاكر
الواحة الأدبية
1 – الأستاذ غياث الحلبي