رعاية المنكوبين – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٤٧ – رمضان ١٤٤٤هـ⁩⁩⁩

الشيخ: إسماعيل بن عبد الرحيم حميد أبو حفص المقدسي

الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

يقول تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، ويقول تعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)، ويقول تعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

جاء النبي صلى الله عليه وسلم برسالة التوحيد، ليجمع البشرية على دين واحد، ورب واحد، وجسد واحد، ليجمع قلوبهم وأجسادهم في قالب واحد، دون تمييز في اللون والعرق والقطر، فكانت الأخوة الإيمانية أقوى رابط يجمع بين بني البشر، وأوجب عليهم نصرة بعضهم البعض، والوقوف إلى جانب بعضهم البعض في الأزمات وأوقات الشدة، والنصرة بالنفس والمال والسلاح، ليصبح المجتمع كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بالجسد الواحد والبناء الواحد المتماسك، الذي لا تهزه الرياح ولا العواصف ولا حتى الأمواج العاتية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم» وهذا الحث على معاونة المؤمن لأخيه المؤمن ونصرته والوقوف إلى جانبه لم يأت من فراغ، فهو أمر لا بد منه حتى يتمكن المرء من مواجهة صعاب الحياة، مواجهتها بثبات وقوة وعزم وإصرار، فهو متأكد أن إخوانه إلى جانبه، يشعرون بما يشعر، يتألمون لألمه، ويفرحون لفرحه، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه».

وقد حث سبحانه وتعالى على الإنفاق في سبيل الله في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، وحذر من البخل والإمساك، لتتعاظم الأخوة الإيمانية وتكبر في نفوس المسلمين، قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) فكان من أعظم درجات التصديق والإحسان المساهمة والمشاركة في رفع معاناة الآخرين، فلا يصح الإيمان دون أن يعطي المرء إخوانه مما رزقه الله، ولن يصل المرء إلى الإحسان دون إحساس بالمسؤولية تجاه إخوانه المسلمين، فعن النعمان بن بشير -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

ومن هنا كان الواجب علي أن أذكر إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، بالوقوف إلى جانب إخوانهم المنكوبين في سورية وتركيا، فما أصابهم يحتاج إلى وقفة جادة، ليتمكنوا من لملمة جراحهم، ومواجهة التحديات والصعوبات التي تواجههم، إن كانت على صعيد ما أصابهم من الزلزال، وخاصة الإخوة في سورية، فالإخوة الأتراك لهم موارد دولة تستطيع تحمل بعض الأعباء، أما المسلمون في سورية فتجب مضاعفة المساعدة لهم، وذلك لما يتعرضون له من إجرام العصابات الطائفية، ومن قصف وتدمير على يد الاحتلال الإيراني والروسي، وما أصابهم من الزلزال الذي دمر الكثير من المباني فوق رؤوس ساكنيها، مع ضعف الإمكانيات، وقلة الحيلة، فهذه مناشدة عاجلة مني لإنقاذ إخوانكم، وعدم تركهم وحدهم في مواجهة كل هذه التحديات والصعوبات التي تواجههم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ اضفط هنا
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ العدد 47 اضغط هنا

Exit mobile version