كلمة التحرير
(إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ).
(إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ).
كان هذا جواب بني إسرائيل على موسى عليه السلام بعد أن تقلبوا في نعم الله جل وعلا وأنجاهم سبحانه من فرعون وبطشه وجنده، ورزقهم من الطيبات، وفضلهم على العالمين، ومع كل ذلك لم ينظروا لقوة الله جل وعلا وقدرته ووعده لهم، بل نظروا لقوة عدوهم البشرية المحدودة فاستعظموها وهابوها وعصوا من أجلها أمر الله جل وعلا.
والله جل وعلا قادر على إهلاك عدوهم بلا سبب منهم كما أهلك فرعون وهم ينظرون، ولكنه اختبرهم جل وعلا وابتلاهم فما كانوا من الشاكرين، وانقلبوا على أعقابهم خاسرين، فدخلوا في التيه أربعين عاما إلى أن أذن الله جل وعلا بنشوء جيل جديد استجاب لأمر دخول الأرض المقدسة ففتحها الله جل وعلا لهم.
وإننا اليوم أمام أحداث درعا والتي حشد فيها العدو قوته لاقتحام بلدانها والتعدي على أهلها، وأمام مشهد تجديد أهلها للثورة التي انطلقت شرارتها من بين ظهرانيهم قبل عشر سنين، وأمام استغاثة أهلها المظلومين، وجدنا أن عامة فصائل الشمال السوري اتخذ قادتها موقف المشاهدة والتنديد، والحسرة والتأسي، الذي يأبى أن يتحول لعمل عسكري جاد ينصر درعا، ويعمل على فك الأسرى، واستعادة الأرض، وتحرير الشعب من تحت سياط المجرمين.
لقد التزم قادة كثير من فصائل الشمال بالتهدئة مع الروس المحتلين وجعلوه خيارا ثابتا أمام تلك المحنة التي تعصف بإخواننا في الجنوب السوري في حوران البطولة والفداء، وكأنهم أقسموا بالله جهد أيمانهم لن يغيثوا أهل حوران ولا غير أهل حوران ولو استباح العدو الديار وقتل الأخيار وانتهك الأعراض وسلب الأموال، طالما سلم لهم يومهم ولو في مخيمات بشمال البلاد.
* وانطلقت التبريرات الكاذبة المعبرة عن إرجاف قائليها وخذلانهم الجهاد والثورة والأمة:
– المعركة اليوم مع قوى عالمية لا تقاس بأول الثورة!
– ولم نستكمل بعد سنة ونصف من هدوء الجبهات الجاهزية العسكرية بعد!
– ونريد الحفاظ على الاستقرار لتحقيق التنمية!
– ولا نريد إزعاج المهجرين كي لا يلجؤوا لتركيا وأوربا فتنزعج الدول منا!
* لقد دخل قادة كثير من فصائل الثورة السورية في التيه؛ فتناسوا الشهداء والأسرى والمهجرين والمستضعفين، وتناسوا الكفر بالله جل وعلا الذي يرتفع صوته في دمشق وحلب وعامة الأرض المحتلة بسوريا، وانشغلوا بملذاتهم المؤقتة التي يوشك أن تقطعها عليهم كالعادة حملات العدو المرتقبة بعد أن تُنهي عددا من الملفات المقلقة لها.
ولكن مما يخفف الأسى على ما وصل له الحال، ويُبقي بوارق أمل، أن هذا التيه ليس تيه أمة فاسقة خالفت أمر رؤسائها الصادقين فلم يملك نبي الله موسى عليه السلام إلا نفسه وأخاه فدعا الله أن يفرق بينه وبين القوم الفاسقين فاحتاجت الأمة أربعين عاما لنشوء جيل جديد، بل هو اليوم تيه قلة ظالمة متحكمة بالباطل في أمة مجاهدة ثائرة تأبى الخنوع للباطل والركوع للاتفاقيات الدولية المتآمرة…
قلَّةٌ فرَّق الحق بينها وبين الأمة المكلومة الصادقة فنبذها الخواص والعوام ولم يبق معها إلا سوط الظلم تُضيِّق به على الحق وأهله…
فلا حاجة اليوم لأربعين عاما لنشوء جيل جديد، بل بمجرد بروز قيادة جديدة من تلك الجموع الصادقة تكسر اتفاقيات العار ستنطلق الأمة بإذن الله لميادين العزة والكرامة والجهاد في سبيل الله تعالى؛ فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا.
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٧ المحرم ١٤٤٣ هـ